بقلم : محمد بدوي
فى تقديري ان استقالة رئيس الوزراء السودانى الدكتور عبدالله حمدوك في الثاني من يناير ٢٠٢٢ جاءت كنتيجة مباشرة لإنقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ ، و هي مرتبطة بالإعلان السياسي الذى وقعه في ٢١ نوفمبر ٢٠٢١ مع الفريق عبدالفتاح البرهان بأن جعل من الإعلان محاولة لإعادة السير في العملية السياسية ومن جانب آخر المحافظة على المكتسبات الإقتصادية التى تمت خلال العامين المنصرمين ، غياب الضامنين في الإعلان السياسي رغم أن الواقع أشار إلى وجودهم في كل من الوثيقة الدستورية ٢٠١٩ و إتفاق سلام السودان ٢٠٢٠ سببها فى تقديري هو قرار المحاولة الأخيرة و التى ينتهي فشلها إلى الاستقالة كمخرج آمن له .
لعل المراقب لتصريحات حمدوك و لا سيما في ٢١ نوفمبر ٢٠٢١ عقب المحاولة الإنقلابية الفاشلة أنه كان متمسك بالعبور و الإنتصار ، حقيقة و ماهية الإنقلاب و أهدافه في سياق صراع المكون العسكرى المرتبط بالسلطة كان يتطلب من حمدوك التعامل بحكمة أكثر و وزن العلاقة بينه وبين قادة المكون العسكري ، لكن بالرجوع إلي سجل إدارته لملف الجيش القومي فقد كان آخر جهد فيها زيارته لقيادة الدعم السريع بالخرطوم ولقائه مع قائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو الذى رفض مقترح دمج قوات الدعم السريع ، و هو أمر متوقع كموقف أولي و تعزر لغياب قراءة حصيفة للواقع، فمليشيا الدفاع الشعبي تم ضمها للقوات المسلحة في عملية نظرية لا يمكن ان تسمي دمج ، كذلك الحال تم مع بعض قوات وحدة العمليات التابعة لجهاز الأمن ، كلا القوتين تعتبران قوات عقائدية مما يجعل البداية بإصلاح القوات المسلحة و تنفيذ عملية دمج حقيقية لتهيئة الجيش ليكون منصة رئيسية لقوام جيش قومي عسكري يصلح للدمج فيه ، في غياب هذا جاءت خطوة حمدوك التى سبقتها شروط من الفريق عبدالعزيز ادم الحلو رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان الذي سار في ذات مسالة الدمج و الجيش القومي ، و كذلك عبدالواحد نور رئيس حركة وجيش تحرير السودان في ذات المسار ، كل هذا الحصار للدعم السريع في غياب خطة و رؤية و تفكيك لفكرة الدمج يمكن ان تمكن عمليا من تنفيذ الفكرة بما يصب في تحقيق هدفها بعيد عن الإيحاء بالغرض السياسي .
جاءت استقالة حمدوك عقب فشله في ادارة الكثير من الملفات داخليا مقارنة بالإنجازات فى الملفات الخارجية ، لعله فشل بشكل اخص في اقناع القوي السياسية و قوي الثورة عقب ٢١ نوفمبر ٢٠٢١ بالالتفاف حول خطته و لعلها قادت الى الاستقالة مع اسباب اخري ، في تقديري ان الاهمال الواسع والتغييب لإدارة الملفات الداخلية قادت الي تراكم زاد من وعورة الحالة و هي مرتبطة بغياب خطة واضحة من قبل حمدوك كمحصلة لخطط التنفيذيين في كافة المستويات لتشكل الخطة الرئيسية للفترة الانتقالية ، التي كانت يمكن ان تضع اطار ملزم للدولة بكافة مكوناتها للنظر اليها والتعامل معها والمساهمة في تطويرها وتنفيذها ، هذا الغياب قاد الي اهمال الجهود المختلفة و دفع بالتوهان ، و كبل السلطة التنفيذية في كافة مستوياتها وقدرتها على العمل ، فعلي سبيل المثال تم تعيين الولاة في اغسطس ٢٠٢٠ لكن لم يطلب من اي منهم خطة لإدارة الولاية ، لعل الركون لشح الموارد كان سببا لكنه سبب مرتبط بان التعيين جاء بصلاحيات مقيدة فحدث اختلال في ان الجهه الوحيدة المسيطرة والفاعلة هي قمة السلطة ، و هو ما اتاح للمكون العسكري المتصارع سرا في استغلال الفراغ بسلسة صراعات مسلحة بالإنابة بين عدة اطراف في مساحة واسعة من الاقاليم ، ذات غياب الخطط والتكبيل ساهم في ضياع مكتسبات اقتصادية كثيرة منها مقرات بعثة اليوناميد في ثلاثة ولايات بدارفور وتعرضها للنهب كنتاج للتأخير غير المبرر فى تعيين الولاة المدنيين حتى اكتمال اتفاق السلام الذي كان قيد التفاوض الذى يصعب موضوعيا تحديد سقف له ، اثر غياب الخطة التنفيذية الكلية قاد الي اقصاء كفاءات تنفيذية من مناصبهم لأنها فتحت الباب للصراعات حول مناهج العمل و صراعات حول السلطة مع اطراف المكون العسكري و هنا يمكن تلخيص الحالة بان وجود رؤية محورية لدي رئيس الوزراء يجب ان تكون مرتبطة و مكونة من مجمل خطط الوزراء والولاة بما يشكل الموجه للفترة الانتقالية و هو صمام الأمان رغم العقبات المرتبطة بفكرة الشراكة في السلطة .
خطل العلاقة بين رئيس الوزراء و تفويضه مع تحالف قوي الحرية والتغيير التي جعلت من طريقة اختيار شاغلي المناصب عملية مشتركة دون مبرر بينما يتحمل رئيس الوزراء نتائج الاداء لوحده، شكلت أحد اسس الأزمة ، لكن بالرجوع الي خطاب او تصريح حمدوك عقب المحاولة الإنقلابية في ٢١ نوفمبر ٢٠٢١اشار الي ان الازمة تكمن في العسكريين والمدنيين ، في تقديري ان التصريح لم يشخص على وجه الدقة الازمة ، فالأزمة في المدنيين لانهم شكلوا فريق عمل لم يختاره بل اختار منه من بين خيارات محددة الزم بها ، وهو ما قاد الي اضافة اسباب جديدة نحو العسكر الذين لا خلاف حول موقفهم لكن هل كان الأمر يسير الي ذات النتائج لو تم تنفيذ شعارات الثورة بالاعتماد على كفاءات مهنية ؟ و هو ما لا يتأتى في وجود العلاقة الشائهة التى تغولت الي سلطات رئيس الوزراء من قبل الحرية والتغيير ، مع ذلك هل كان يمكن لحمدوك أن يعترض على ذلك و يطالب بوضع سليم يمكنه من ممارسة صلاحياته دون تدخل ؟ و هل كان يمكن ان يتقدم باستقالته في حال تعذر ذلك لتفادي بذل الجهد و الزمن في عقبة تزيد من ازمات الحالة ؟ وهل كان يمكن ان يستعين بالشارع كقوي لمناصرة خطته لتصحيح الاوضاع ؟ فانقلاب ٢٥ اكتوبر يقوده شخصان وهو بالاضافة الي اسباب اخري جعل منه يحمل عناصر فنائه و هي حالة مقاربة لحالة العلاقة بين حمدوك والحرية والتغيير في سياق النتائج النهائية .
سنعبر وننتصر هو الشعار الذي اعتمد عليه حمدوك في تقديري ان اطلاق سراح الطاقات المرتبطة بنهج المشاركة في تنفيذ خطط السلطة التنفيذية هي التى كان يمكن ان تسند الضمير الجمعي للشعار لكن غياب الخطة هزمها ، وهي غير منفصلة عن ما اشار اليه في خطاب الاستقالة بان السودان غني بموارده ولا يستحق بان يعتمد على الهبات هذا يدفع الي ان غياب الخطة قصرت قامة اعتماد حمدوك على الموارد البشرية السودانية المرتبطة بالكفاءات والخبرات ايضا ويتضح هذا في نقطة مهمة الضعف في التعامل وتوظيف الاعلام فقد اتيحت فرص جوهرية في لحظات تاريخية كان يمكن أن تهيئ لتنفيذ الكثير ووضع اطر نظرية لكثير من القضايا ، فخطاب المواطنة و اعلائها كان يمكن ان تساهم في تعزيز الشعارات النظرية للثورة و تفتح مناخ وافق قد يحد من استغلالها في الصراعات .
يدرك حمدوك ان العلاقة في الفترة الانتقالية ومخاضها الراهن مرتبك بتعدد الأضلاع فرغم توحد العسكر نظريا لكن موضوعيا بينهم صراع بقاء ، و الضلع الثالث المكون المدنى مما جعل ان ادارة الحالة كان يجدر ان اولي اهتمام بالأجندة المرتبطة بالأمن الداخلى والاستقرار ذات اهمية الملفات الخارجية ، و لعل قراءة الواقع السياسي الذي بالضرورة قد انجزه حمدوك كان يجدر ان ينتبه الي عمق الصراع وحوجته الي مناهج وخبراء انثربولجي بذات حوجته لأدوات سياسية محترفة ، كذلك الحال مع خريطة العلاقات الخارجية فاندفاعها نحو الوجود التنافسي الامني والاقتصادي في البحر الاحمر غابت خطة التعامل معه بطرق خلاقة على نسق ما اشار اليه في خطاب الاستقالة في الدعوة للاستثمار .
اخيرا جاءت الاستقالة لتكشف بأن الراهن مرتبط ب
• الصراع بين المكون العسكري حول السلطة هو ما يتطلب التعامل معه بما يشمل معالجة الوضع المرتبط بوجود اكثر من قوات ومليشيا عسكرية و الوضع الطبيعي لشكل الدولة وعلاقته بالقوات النظامية والمعرفة دستوريا .
• هذا يقود إلي علاقة السلطة بالمدنية بإدارة البلاد و قيام القوات النظامية بتفويضها .
• تصحيح العلاقة بين تحالف قوي الحرية والتغيير و السلطة في ظل الاعتماد على كفاءات مهنية للإدارة و الاصلاح في الفترة الانتقالية
ترتيب التعامل مع الأجندة الداخلية والخارجية بطريقة تتناسب ومصلحة الدولة وتحقيق الاصلاحات و الاستقرار مع مراجعة ملفات السلام وغيرها بما يشمل التقييم والاستفادة مما تحقق في الفترة الانتقالية .