بقلم : محمود الشين

    إنطلقت ثورة ديسمبر الظافرة بكل زخمها وشعاراتها المعبرة عن تطلعات الجيل الجديد وهو جيل واعٍ ينشد التغيير لبلد لم يروا فيه على مدى (30) عاماً أي حاكم ، سوى عمر البشير ، بينما مرت علي دول ديمقراطية كالولايات المتحدة الأمريكية ، و(صديقتنا) الجديدة إسرائيل أكثر من ست حكومات منتخبة!

    لا يهم كثيراً صورة أي بلد في الخارج لطالما شعبه آمن وسعيد ، ينعم بموارده ويحكم بإرادته ، ولا يتدخل في شؤونه أو يتجني عليه أحد.. هذه المقاربات التي يجريها شباب اليوم بالمقارنة مع واقع بلدنا السودان الذي يرزح تحت وطأة الحكومات الإنقلابية ، تبدو صادمة إلى حد اليأس من تغيير المعادلة المعقدة (أحزاب – عسكر).

   كان النظام البائد يتشبث بالسلطة ، لا يريد أن يقدم على أية إصلاحات أو خطوات عملية نحو التحول الديمقراطي والتبادل السلمي للسلطة بين جميع السودانيين ، بقدر ما كان حريصاً على تدوير قيادات مألوفة كقطع الشطرنج لشغل الوظائف التنفيذية ، التشريعية والأمنية.

  وفوق هذا وذاك كله ، فقد مارس نظام الإنقاذ حتى على صعيد التنظيم نفسه نوعاً من الإقصاء والتهميش لبعض عضويته الإصلاحية التي ظلت تنادي بضرورة الحوار والإنفتاح على الآخرين خشية مآلات التغيير إذا ما فرض على الأخوان بإرادة عامة الشعب. هذا الصوت العقلاني لم يكن مسموعا وغير مرحب به أبداً .

     كانت التسريبات التي بثتها قناة العربية لإجتماعات مغلقة لتنظيم الأخوان بالخرطوم ، هي جزء من ذاك المخاض العسير الذي هدفه في الغالب تشكيل جبهة إصلاحية داخلية ، لكن بعد فوات الأوان. فأي إصلاح لا يبدأ بتغيير قيادات التنظيم ، وأولهم الرئيس أو يضع حداً للفساد ومحاسبة المفسدين وإبعاد الذين ادمنوا الوظائف والتوظيف على حساب القيادات الشبابية الواعدة ، لن يكون مقبولاً من وجهة نظر الذين يطالبون بالتغيير التلقائي.

    حدث كل هذا بينما المواكب المطالبة بتغيير النظام من الشارع في تزايد مستمر ، الأمر الذي دفع بالأحزاب والتنظيمات السياسية اللحاق بقطار الثورة حتى يكون لها شرف الإطاحة بنظام الإنقاذ ، لطالما ظلت تناهضه لسنوات طويلة.

   دخول هذه التنظيمات إلى خط الحراك الثوري والحق يقال أسهم بوضوح في تطوير الأجندة والبرامج ، بل ومصفوفة مطالب الثوار أنفسهم. والأحزاب كعادتها تريد تجيير النجاحات لصالحها من أجل تحقيق مكاسب سياسية ظرفية ، ولو أن مسألة قياس الرأي العام في هذا البلد تبدو صعبة.

   إن الرئيس الأمريكي نيكسون ، كان يصف الرأي العام من واقع تجربته بأنه مثل(العشيقة المتقلبة) ، وهكذا مزاج جيلنا الجديد في أرض النيلين ، متقلب ، جريء ، مصادم وقلق على مستقبله الذي أصبح تحت رحمة حكام لا تدعهم الأنانية أن يضعوا في حسبانهم عندي التخطيط أو إتخاذ القرارات المصيرية – مصلحة الأجيال القادمة – أليس هذا وحده مدعاة للثورة؟

     لقد لحقت الأحزاب بقطار التغيير وتشكلت تحالفات ثورية وفق المعطيات الجديدة – لنبدأ بكتلة نداء السودان والتي ضمت أحزاب الأمة ، المؤتمر السوداني ، حركات الكفاح المسلح وتنظيمات أخرى. وقوى الإجماع الوطني وهي أحزاب الشيوعي ، البعث العربي وتنظيمات أخرى. يضاف إلى ذلك التجمع الإتحادي الذي يضم مجموعة من روابط الإتحاديين. غير أن النقلة النوعية أنجزها تجمع المهنيين السودانيين كما سنري.

     هذه التشكيلة من شركاء النضال إنضوت
تحت سقف حاضنة سياسية موحدة أطلق عليها (الحرية والتغيير) المعروفة إختصارا (قحت) وهي الأخرى مرت بمنعطفات كثيرة ، فتساقطت بعض عضويتها الرافضة لمبدأ إقتسام كعكة السلطة مع المكون العسكري وولجت ساحة المعارضة ، وخرجت أحزاب أخرى ، ثم عادت.. فهناك أكثر من مدخل للإصطياد في الحاضنة الكبيرة.