بقلم : محمود الشين
ما كان مفاجئاً بعد النصر الكبير للديسمبريين ، هو موقف النظام السابق الذي أعلن على لسان نائب رئيسه البروفيسور إبراهيم غندور أن حزبهم قرر أن يتحول إلى(معارضة مساندة).. هذا مصطلح جديد ، لكنه حمال اوجه – هل بالفعل ساند الأخوان حكومة الفترة الإنتقالية؟
بالطبع الإجابة هي لا. فقد أثبتت التجارب مدى فجورهم في الخصومة حتى بين مكونات الحزب الواحد ، إذا ما غرد أحدهم ولو من منطلق شخصي خارج السرب.. حدث ذلك عشية مفاضلة الإسلاميبن الشهيرة في العام 1999م ، يوم أن خرجت مجموعة الشيخ حسن الترابي إلى ساحة المعارضة وكونت حزبها الجديد (المؤتمر الشعبي).
ففي تلك الفترة لا توجد عند جماعة المؤتمر الوطني الذي إنفرد بالحكم أية منطقة وسطي لا يقر بوجودها نزار قباني – فالإجابة – اما أن تكون (معنا او معهم) وللأخيرة ثمن باهظ. لقد خرجت الطلقات الناسفة يومئذ من مدافع القيادي على عثمان محمد طه وقطعت حبل العشم في أي تقارب بين الإسلاميين ، حين وصف مغاضبة الشيخ حسن الترابي ومن تبعه من قيادات أعلنت خروجها عن الحزب الحاكم بأنها مجرد (دم حجامه فاسد)!
كان تصريحاً صادماً.. ومعروف في تقاليد الطب الشعبي أنه متى ما خرج ذاك الدم الفاسد عند الحجامة ، سيتعافي حتماً الجسد المعلول – فهل ذلك ما قصده على عثمان الذي كان مقرباً من شيخه في ربيع السياسة ، أم لا ؟ . يتذكر الناس ان الترابي إختار طه ليكون أصغر زعيماً للمعارضة في برلمان الديمقراطية الثالثة ، وبدأ كما لو أنه يعده لمهمة ما في قادم المواعيد – لكن على قول الفيتوري – غافل من ظن أن الأشياء هي الأشياء؟
بهذا الإرث من أدب الخلاف بين الإسلاميين – فكيف يتصالح الإخوان مع تحالف ثوري بذاك الحجم – هو من وضع نهاية لحكمهم الذي إمتد إلى ثلاثة عقود كاملة من السيطرة والتمكين؟
تدين الثورة السودانية لشباب بواسل من الجنسين ، واجهوا آلة الموت بثبات وصمود أسطوري ، حتى حققوا نصر ديسمبر الباذخ.
كانت مادة الثوار لتعبئة الشارع هي ممارسات النظام السابق نفسه من قمع للمعارضين ، منع لحرية الرأي والتعبير ، فساد بعض منسوبيه ، فصل جنوب السودان ، عزلة البلاد عن المجتمع الدولي ، الإقصاء عن الوظيفة العامة ، خصخصة مؤسسات القطاع العام وبيعها بأقل من أسعارها الحقيقية ، وغيرها من الملفات التي يحاكم بها اليوم قادة النظام.
ونسبت للحزب (المساند) قضايا من بينها تخريب الإقتصاد من تهريب ومضاربات في الدولار والمحروقات ، دقيق الخبز ، بل إشعال الفتن وتغذية الصراعات الداخلية في معظم الولايات وهي بعض المتاريس التي وضعها التنظيم على طريق النظام الجديد
لقد صوب قادة الوطني في وقت لاحق سهام النقد إلى أجسام ثورية جديدة مثل لجنة إزالة تمكين نظام الثلاثين من يونيو 1989م التي كلفت بتفكيك ومراجعة المفسدين من عناصر النظام البائد. ووصفوا ما إرتكبته تلك اللجنة من مخالفات في زمن وجيز بأنها ترقى أو تفوق حتي تجاوزات بعض عناصر الوطني.
لا أحد يبرر اخطاء لجنة إزالة التمكين أو يرفض مبدأ محاسبتها ، لأن العدل هو أحد اهم شعارات الثورة ، وفي المقابل ، فإنه ليس اخلاقياً أن يبقى أعضاء النظام السابق لسنوات في السجون دون محاكمات. إن لم يتحلي العهد الجديد بالشجاعة في التعاطي مع خصومه السياسيين ، سيقدم ممارسة مماثلة لتجربة الإنقاذ التي ثأر عليها لذات الأسباب.
كان نظام مايو في عهد الرئيس جعفر نميري قد جاء بما أسماه (العدالة الناجزة) ، حيث فصلت المحاكم وبسرعة في عدد هائل من القضايا ، وإن أخطأ بعضها – كانت الفكرة مقبولة شكلاً ، ومع الدعوة إلى سرعة البت في قضايا الموقوفين بعد الثورة ، فإن تأخير العدالة في حد ذاته هو نوع من الظلم ولا يتسق والشعارات المعلنة (حرية ، سلام وعدالة)