بقلم : محمود الشين

   أثبتت الأيام أن مقولة (معارضة مساندة)
التي أطلقها النظام البائد ، ما هي إلا إستراتيجية  لتهدئة غضب الشارع الهائج تجاه قيادات ومنسوبي المؤتمر الوطني بالعاصمة والولايات ، بل وطمأنة الحكومة الإنتقالية بأنها لن تقصف أبداً من جبهة الحزب الذي سقطت حكومته في قاع الإخفاق.

   هي في الواقع إستراتيجية مبررة ، لكنها ماكرة فقد أكسبتهم فرصة لإلتقاط الأنفاس والخروج
من هول الصدمة الكبري ، فسقوط النظام هو آخر السيناريوهات المتوقعة لقاعدة الوطني.. الحزب الذي تقول الإحصائياته إن عضويته وصلت إلى (5) ملايين عضواً ، بينما زُج بعد التغيير بحوالي (50) عضواً من جملة قياداته العليا في السجن المركزي(كوبر).

   لم تتوقف إتهامات الثوار للجنة الأمنية التي ألقت القبض على الرئيس المعزول عمر البشير ونفذت حملة الإعتقالات تحت ضغط الشارع.إذ يتهمون تلك اللجنة بأنها تماهت أو بالإحري تمهلت كثيراً في إتخاذ إجراءاتها الوقائية مما أتاح لمنسوبي الوطني توفيق إوضاعهم وسحب أرصدتهم من المصارف وتهرييبها بهدوء للخارج.

      يرى الثوار أن ما بقى من أموال للحركة الإسلامية بالداخل أستخدمها عناصر التنظيم في مضاربات أسواق العملة وفي إحتكار بعض السلع والأساسية لإحداث ربكة خدمية للنظام الجديد.. والشاهد وقتئذ هو تراجع مخزون الدواء ، إختفاء غاز الطبخ والحدث الفاجع هو تخريب الكبير للخط الأنابيب الناقل للبترول من مناطق الإنتاج إلى المصفاة الرئيسية بالجيلي شمالي الخرطوم.
  

   أطرف تعليق لما حدث لمنسوبي الوطني يوم عزل البشير – قاله لي صديقي الشاعر محمد خير الخولاني : (الجماعة ديل بعد السقوط مباشرة اخدوا ليهم جريه ، وإلتفتوا للوراء ، وما لقوا زول مطاردهم – فرجعوا وأصبحوا متاريساً على طريق الثورة)!

     الخولاني شاعر كبير ، صاحب مفردة مختلفة وهو فخر مدينة نيالا ، تغنت له الجميلة نانسي عجاج برائعته (حبيتو فرادى). ويا ما كتب الرمزيات للتعبير عن واقع الناس في الإقليم المنكوب – كقصيدته (قاضي الغرام) – والعدالة إحدي أهم شعارات ثورة ديسمبر الظافرة.

 

   إذا كان سجن طره العمومي بمصر كما يقول ثروت الخرباوي (ظل قاصراً على إستقبال المساجين السياسيين وعلى الأخص مساجين الإخوان المسلمين ، فضلاً عن المساجين من رجال الأعمال والشخصيات ذات الحيثية) – فإن قادة المؤتمر الوطني بالسودان وضعوا في سجن كوبر ، حيث تسهل حراسة ومراقبة عناصر التنظيم قبل تقديمهم للعدالة.

  
    ثروة الخرباوي محامي من مصر. وتجربة الإسلاميين  صدرت إلى هذا البلد من جارتنا الشمالية وهي إمتداد لمشروع التنظيم العالمي للإخوان. ثروت دفع ثمن مواقفه التي أعلنها في إنتخابات إتحاد المحامين المصريين فحكم عليه بإقامة جبرية في داره وأن يدير ظهره لإلتزاماته المهنية والعائلية.

    لقد كتب الرجل سفره القيم (قلب الإخوان) حيث وثق بموضوعية للممارسة في التنظيم المثير وهو ما أسماها (إعلان الأحكام العرفية الإخوانية) وأتبعها بمنتج آخر أكثر قرباً هو (سِر المعبد).

   لم تغب عن ذاكرة الثوار السودانيين أن الحركة الإسلامية سوأ كانت في مصر ، تونس أو تركيا وغيرها من البلدان ، هي تنظيم واحد من حيث التخطيط ، الأفعال والممارسة ، مع وجود بعض الفوارق والتباينات والخصوصية الإجتماعية والثقافية.. هذه الصورة الذهنية تمثل أس العداء الذي جسدته الشعارات (أي كوز ندوسو دوس). إن تجربة الإسلام السياسي ينبغي أن تخضع للتقييم المنهجي والموضوعي من قبل المختصين – ربما تبرز صورة مغايرة للحياة في عش الدبابير.