بقلم : محمود الشين
أفلحت خطة الحراك الثوري في ضرب نظام الإنقاذ عشية مناشدتهم لعملاء المصارف لسحب أرصدتهم من البنوك. وما زاد الطين بلة أن النظام إتخذ أخطر قرار هو تحديد سقوفات للسحب المالي ، وبذلك تحققت أهداف الثوار بالتشكيك في مصداقية البنوك. في وقت كانت فيه أموال قادة ورموز الحزب خارج الدورة المصرفية.
ليست المشكلة هي أموال الحركة الإسلامية التي أستخدمت بشكل واضح للتضييق على الحكومة الإنتقالية حتى تصبح فاشلة عند عامة الشعب ، ولا عمليات تزييف العملة من الداخل والخارج فحسب – إنما المشكلة كانت في غياب (المعلومات) التي ذهبت مع كوادر النظام البائد ، فأصبحت المؤسسات الخدمية بلا ذاكرة وبذلك تراجعت إلى مرحلة الطفولة.
لا يمكن التخطيط لأي عمل كان او تقديم خدمة في ظل إنعدام المعلومات الأساسية.. إنها الإحصاءات والأرقام الصحيحة التي تحتاجها السلطة حال إعداد وتقديم المشروعات للمانحين والمستثمرين وتقدير إحتياجات البلاد الفعلية من حيث التنمية والخدمات. صحيح هناك جامعات ، شركاء من المجتمع الدولي ، مراكز بحوث ودراسات مستقلة وغيرها. لكن الفعل الخدمي في بلد هو ملاذ للاجئين – سريع ومتجدد.
لقد أخذ تجميع المعلومات والبحث عنها بلا جدوى عند الذين يملكونها الكثير من الوقت وفي ذلك نجاح لخطة منسوبي الوطني ، فهم يعلمون من واقع تجربة الثلاثة عقود من حكمهم للبلاد أن أي تأخير تترتب عليه ربكة خدمية كبري إذ تتطاول صفوف المواطنين للحصول على الخدمات.. كانت حرباً غير أخلاقية ، فمع تلك المعاكسات المزدوجة دفع المواطن ثمن التأخير وإرتفاع أسعار السلع.
كان التردد والبطء أحياناً سمة بارزة لحكام العهد الجديد وذلك خشية الوقوع كضحايا للمعلومات الملغومة والمتضاربة وما أكثر الذين يستغلون الأخطاء. أزمة المواصلات الداخلية في العاصمة وزيادة تعرفتها بين الحين والآخر ، هي واحدة من العقبات الكبيرة التي برزت مع بدايات التغيير لأن قطاع النقل في العاصمة والولايات هو مجال حيوي لإستثمار كوادر حزب المؤتمر الوطني ومن السهل إستخدامه كسلاح خدمي ، فصعوبة المواصلات من أكثر الأشياء التي تثير غضب السودانيين.
في تلك الأيام أصبح فضاء التنافس مفتوحاً بين من يملك المال والمعلومة – مقابل نظام يقول إنه ورث خزانة فارغة وبلاد مثقلة بالدين الخارجي وعزلة دولية كاملة – والملاحظ أن توليفة الحكم نفسها بين (المدنيين والمكون العسكري) غير متجانسة – لكن قبلة الحياة للنظام الجديد جاءت من الشارع الذي هتف وسط دهشة المراقبين (الجوع ولا الكيزان).. علق أحد جيرانى بتهكم (بالله نحن بهذا السؤ)؟
يبدو أن الإسلاميين كانوا يضعون ألف حساب لهذا اليوم – يوم التغيير الحتمي ولو أنه فأجاهم – فالسلطة تنزع – ولهذا زرعوا كوادرهم في كافة مواقع المعلومات ، بل ولتفادي عنصر المفأجاة أسسوا حتى مراكزهم الخاصة – الموازية لمؤسسات الدولة – وباتت هي مرجعيتهم في الإدارة وإتخاذ القرارات.
كانت لهم (أمانة) بالحزب تسمي أمانة العاملين وهي المعنية برصد ومتابعة شؤون العاملين في مؤسسات القطاع العام من حيث الولاء ومختلف أنواع التصنيف وهو عمل وفر لهم إحصاءات وأرقام مذهلة. فالإسلاميون كالعهد بهم لا يثقون في النقابات العمالية ، فجعلوها إتحادات مهنية موالية حتي لا تشكل في المستقبل أية ضغوط مطلبية على السلطة التنفيذية.
إن كوادر النظام البائد التي فاقت من صدمتها الأولى بدأت تضع المزيد من المتاريس على طريق حكومة الفترة الإنتقالية ، فمن بعد المعلومات إتجهت الحملة للتشكيك في نوايا الحكام الجدد بالتركيز على المدنيين منهم لقناعة راسخة عندهم أن اللجنة الأمنية التي نفذت الإنقلاب على الرئيس المعزول عمر البشير ما هي إلا إمتداد طبيعي لمشروعهم السياسي .
إن جاري في الحي كان عقلانياً حين أضاف : (يجب أن نقيم هذه التجربة بموضوعية).. نعم ربما هذا مجرد تفكير لأفراد ، لكن حالات نادرة عندنا تجري فيها التنظيمات مراجعات عميقة لمسيرتها وتسجل فيها إن لزم الأمر إعترافات بالفشل والإخفاق لطالما هو جهد بشر قابل لكل الإحتمالات.