بقلم  : محمود الشين

     أهدرت الحاضنة السياسية لحكومة الثورة (الحرية والتغيير) الكثير من الوقت ولم تنجز أهم الملفات المطلوبة لإحداث التحول الديمقراطي في الفترة الزمنية المحددة ، حسبما نصت عليه (الوثيقة الدستورية) ؛ وهي الإتفاق السياسي الذي وقعته الحاضنة مع المكون العسكري لعبور الفترة الإنتقالية بعد سقوط حكومة الرئيس المعزول عمر البشير في أبريل٢٠١٩م.

   هذا التأخير الغير مبرر ، كان يثير حفيظة الثوار ، كلما تأملوا شعارات الثورة وزخمها السياسي الكبير . لكنها الأحزاب يا سادة مثل الفتاة الجميلة تزهو بجحافل (الخُطاب) ، ولا تضع حساباً دقيقاً لعامل الزمن – مع أنه حاسم إذ يصعب أن تكون هي (زهرة في كل المواسم كل يوم بتزيد نضار) كما تغني الموسيقار الكبير محمد الأمين.

    إن المشهد السياسي في بلادنا جاف وحارق ، لا تزهر فيه آمال الشباب الثائر ، وهم بعد أكثر حماساً للتغيير الذي أصبح بين يدي الحاضنة التي تنشده ولكن على طريقتها فلماذا الإستعجال والجميع يخطب ودها ليكون جزءً من السلطة البديلة للكيزان؟ أو هكذا تبدو المعادلة الجديدة عند أصحاب الدماء الباردة.

   ما كان غريباً للمتابعين هو أن الحرية والتغيير لم تتعلم من الأخطاء الفادحة لنظام الإنقاذ وهي تنحو بإتجاه تمكين بديل لعضويتها في جهاز الدولة وإقصاء الأخرين ، وهو ما أثار حنق بعض القوى السياسية التي أسهمت وبفاعلية في الحراك الثوري. هذه الممارسة تؤكد ما قاله رئيس وزراء حكومة الثورة المستقيل الدكتور عبدالله حمدوك بأن الحاضنة لم تقدم له (برنامج عمل).

  وجود خطة العمل للجهاز التنفيذي هو بمثابة إلتزام سياسي تجاه الشعب ومرجعية أساسية للمحاسبة والتقييم ، لكن من يريد التأسيس لمبدأ المحاسبة على القصور والتقصير؟ فالحاضنة الزاهية بالإنتصار في أبريل ما عادت ترى من هو أحق منها لزرع الكوادر في المؤسسات الحيوية كأولوية مقدمة علي إساء قواعد الإنتقال نفسه.

   التمكين هو التمكين إن أقدمت عليه الإنقاذ أو المعطي الجديد في المشهد السياسي.. سيكون مقبولاً شكلاً لو أن الذين أستوعبوا في الوظائف هم من الشباب الثائر الذين آخت بينهم أيام ساحة إعتصام القيادة العامة – إن جوهر تلك الخطوة هو إيجاد مصادر دخل ، إعداد الكادر وترميم التنظيمات للإستحقاق الإنتخابي ما بعد الفترة الإنتقالية – هو أمر غير مقبول.

    إن تأخير هيكلة وتشكيل مؤسسات كالمجلس التشريعي الإنتقالي ، المحكمة الدستورية وغيرها من المؤسسات الضامنة لشعارات الثورة ، يقدح في جدية الحاضنة ليس في ترسيخ دعائم العدل والتشريع فحسب وإنما حتى الرغبة في الإنتقال المتفق عليه وفق جداول زمنية محددة وبعدها تحتكم القوى السياسية للشعب.

  هذا التفريط في أهم مطلوبات الثورة والثوار تتحمله الحاضنة السياسية ، لكنه عزز فرضية إنقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م ، ولو أنه هو الآخر غير مبرر. بل وأورد الوطن موارد الهلاك. وها قد ذبلت أزاهير قحت وتسربت لحظات الدلال ، فعادت مجدداً إلى ساحة المعارضة ، وهو ما يستدعي المزيد من التضحيات. لو قدر للموسيقار محمد الأمين أن يصدح لهكذا مشهد لقدم هذه المرة (زاد الشجون).

    هذه الحاضنة (قحت) سيطوقها الخجل إن هي إلتقت بلجان المقاومة مثلاً أو بقية العقد الثوري ، فهي لم تكن علي قدر تطلعاتهم وتحديات ثورتهم الظافرة ولم تعرهم ما يلزم من إهتمام في الأيام الخالية. كان الثوار هم وقود معركتها مع المكون العسكري وكرت ضغطها على رئيس وزراء حكومة الثورة المستقيل.

   ضعف الحاضنة السياسية هو أحد أهم  المبررات التي إستند عليها المكون العسكري لتنفيذ إنقلاب إكتوبر الحزين.. ضعف تعززه خلافات داخلية بين مكونات الساسة في الماعون الكبير ، أساسها المحاصصة..السياسة مثل كرة القدم من يضيع الأهداف سيري الكرة تتهادي في شباكه ، ولا يوجد في اللعبة القذرة أي زمن إضافي.