بقلم : محمود الشين

     كانت المشكلة الأساسية للأحزاب والتنظيمات التي عارضت نظام الإنقاذ ، هي كيفية التوصل إلى إتفاق الحد الأدنى ، على الرغم من وجود قاسم مشترك واحد هو (الإطاحة بالنظام أولاً). لأجل هذا الأمر عقدت العشرات من ورش العمل وسلسلة مؤتمرات  بالداخل والخارج في رحلة البحث عن البديل الديمقراطي.

   إسترشدت قوي المعارضة بتجارب بعض الأمم والشعوب من حولنا ، ومن فضاء الإنسانية الواسع
لمعرفة حقيقة التكيف والتعامل مع مرحلة ما إسقاط الدكتاتوريات. وكما هو معروف فهي نظم تهز ثقة الشعوب في قدرتها على الإبتكار والنهوض خارج أطرها الباطشة والمكبلة للحريات العامة ، فالقهر يولد اليأس والإحباط من بلوغ فجر التغيير.

    لقد نشطت عدة جهات وشركاء حتى من المجتمع الدولي لتمويل وتدريب القوى السياسية على تشكيل صورة ذهنية لمرحلة ما بعد الإنقاذ كنظام – يعش هو الآخر في متاهة الأزمات المتناسلة – وفقد ما كان يتمتع به من جماهيرية في سنوات التعبئة والإستنفار كحصاد طبيعي للإنقلابيين في أيامهم الأولى.

  في المقابل – كانت أجهزة النظام الحائر تطرح سؤالاً جوهرياً – ما هو البديل حال سقوط حكومة الإنقاذ؟.. سؤال فترت معه همة بعض اليائسين في الإجابة عليه ، بالنظر إلى فسيفساء قوي المعارضة في وطن التنوع والذي قزمته الأحزاب بخلافاتها وضعف مكوناتها التنظيمية.

   ما كان أكثر غرابة هو موقف شركاء الإنقاذ الذين (توالوا) معها ، فقد ظلوا يتحدثون عن فرضية ساذجة هي أن (عمر البشير) وليس نظامه هو الضامن الوحيد لتماسك ووحدة هذا الوطن ، مع أنه هو وقع صك إنفصال نصفنا الحلو (الجنوب العزيز).. هذه الفئة من شعبنا ، مارست التضليل والخداع بكل أشكاله وصوره ، ولم تكن مستعدة أبداً لتحمل المسؤولية الأخلاقية لأوزار نظام الإنقاذ.

    التاريخ يقول إن الأحزاب المكونة الجبهة الوطنية (التحالف المعارض لنظام مايو) ، أمضت عدة سنوات للتوصل إلى ميثاق وطني يؤسس لعمل المعارضة ورؤيتها لحكم البلاد إن هي أسقطت حكومة الرئيس جعفر نميري. كان الإخوان المسلمون ينشدون عزل قوي اليسار بالداخل والخارج بالتوصل إلى ميثاق إسلامي خالص. بينما السيد الصادق المهدي كان وسطياً.

موازنات دقيقة أُجريت ليعبر الميثاق الذي طال إنتظاره عن جميع الرافضين لمايو بعد مرور تسع سنوات وقتذاك على السلطة القابضة. وجهاز أمن الدولة يردد ذات الأسطوانة (من هو البديل)؟ فالرئيس مازال يزهو بهتاف الجماهير بعد فشل إنقلاب اليسار في العام ١٩٧١م (عايد عايد يا نميري).

  يبدو أن الرائد زين العابدين محمد أحمد كان على حق في وصفه للرجل بعد فوزه في الإستفتاء على رئاسة الجمهورية.. هكذا تدير الأحزاب ملف القضايا السياسية العاجلة ، خاصة إن تعلق الأمر بمقاومة نظام إنقلب على حكومة ديمقراطية منتخبة من الشعب. إن القيادات العليا وهم من شريحة كبار السن ، ليس على عجلة للتغيير إن لم يكن سلساً ولا يمس مصالحهم.

  لهذا السبب طال عمر نظام الإنقاذ حتى أكل التيراب ، وهو عيب كبير في تقاليد المزارعين..
لقد تأخر كثيراِ إنجاز مشروع البديل الديمقراطي وحدثت بشأنه تجاذبات كتلك التي صاحبت ميثاق حماية الديمقراطية الذي لم توقع عليه الجبهة الإسلامية القومية ، لأنها عازمة على الإطاحة بحكومة تنظيمات تسقط زعيمها الروحي في دائرة الصحافة – جبرة ، ولا تبالي بالكيزان.

    إن الجيل الجديد في السودان والمتسلح بالوعي وتكنولوجيا الإتصال والمعلومات ، لا ينتظر طويلاً على طريقة الإحزاب التقليدية حتى يحدث التغيير المنشود ، فالحوار بينهم يدار علناً عبر الأسافير ولا حجر فيه لأحد.. هذا التشبيك قاد للإلتفاق على الشعار المعلن لثورة ديسمبر ٢٠١٩م (حرية . سلام وعدالة) ، وهي مفردات لنص خاص بالشاعر وزميل دراستنا يوسف البدوي (بلاغة) له الرحمة والمغفرة. كان ثائراً في المشهد الثقافي بكادقلي. تلك الشعارات حتمت الوصول إلى معطي أخر هو (تسقط بس) ، فسقط عمر البشير ولا عزاء في البديل الديمقراطي.