بقلم : محمود الشين
قلنا إن الجيل الجديد – تجاوز بيروقراطية التنظيمات والأحزاب السياسية التي ترغب في إحداث التغيير في البلاد على مهل ، لأن لها في ذلك حساباتها ، ترتيباتها الداخلية ، بل إلتزاماتها المسبقة وقراءاتها للمشهد السياسي على الصعيد المحلي والإقليمي حال سقوط نظام الإنقاذ.
وفي الطرف الآخر كانت التكنولوجيا عاملاً حاسماً في معركة التغيير. إن إقبال الشباب من مختلف الفئات العمرية على إدمان إستخدام تكنولوجيا المعلومات والإتصالات في هذا البلد – فاق كل التصورات ، وأصبح الإنفاق على هذا الجانب تحديداً يأخذ أولوية قصوي.
من الطبيعي أن تجد بعض الشباب لا يملكون حتى قيمة وجبة طعام أساسية ، لكن يندر أن يكونوا بلا خدمة إنترنت تحقق لهم التطور ، المواكبة والتواصل فيما بينهم ، ومع الآخرين في هذا الكون. كانوا على قدر كبير من التعاون والإيثار.
وأصبح في الواقع إقتناء بعض الماركات المميزة والمستحدثة من الهواتف الذكية بمثابة مظهر إجتماعي وتصدرت بين يوم وليلة قائمة الهدايا بين أفراد هذا الجيل الرقمي. لقد حلت هذه الهواتف عالية الدقة والجودة محل الكتاب ، العطور ، الطواقي والمناديل التي كانت محل إهتمام الأجيال التي سبقت الجيل الراكب رأس.
حيث تغني الموسيقار الكبير محمد وردي برائعة صلاح أحمد إبراهيم (الطير المهاجر) :
تلقى الحبيبة بتشتغل منديل حرير
لى حبيب بعيد.
نعم هذا عصرهم وتلك أدواتهم – لكن من سخرية القدر أن نظام عمر البشير وصف الناشطين بالداخل والخارج بأنهم مجرد معارضة إنترنت ولا يمكن أن يحدثوا فرقاً في المعادلة بحجة أن النظام – صمد في السلطة على مدى ثلاثة عقود برغم الحصار الخارجي ومواجهته إلى عدد كبير من التنظيمات والفصائل المسلحة ، فماذا تفعل له كتائب (الكي بورت الناعمة)؟
إن النظام في آخر أيامه بدأ وكأنه يعش في جزيرة معزولة ، وقد ذهب بإتجاه شخصنة الصراع ، حين تحدث عن نوع وكيفية إرتداء أزياء الشباب وطريقة تصفيف الشعر عندهم وغيرها من أشكال الإزدراء التي زادت الشباب قوة الشباب على قوتهم وعزموا على إقتلاع حكومة الإنقاذ بشكل كامل.
لقد تحولت هذه الفئة الشبابية من صانعة للأحداث في الشارع العام ، حيث مواجهة القوات الحكومية الباطشة ، إلى أكبر شبكة مراسلين في المنطقة ، عملت على زيادة جرعات الوعي ، نقل أخبار الحراك الثوري للعالم الخارجي للتنوير بشرعية وسلمية ثورة ديسمبر المجيدة.
وأفلح الثوار في فضح محاولات تحور النظام إلى نسخة جديدة بتغيير وجهه القديم ليكون مقبولاً عند عامة الشعب. إن مستخدمي الإنترنت – زودوا المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الإجتماعي بمعلومات هائلة – عن إنتهاكات حقوق الإنسان والتضييق على حرية الراي والتعبير – حجب المواقع وقطع وسائل الإتصال وغيرها من القضايا والممارسات.
لقد خسر الإعلام الحكومي وهو من الضعف بمكان ملحمة كسب الرأي العام في ظل ضعف مقومات العمل والرقابة القبلية التي تمارس على المنتج في الإعلام الرسمي على نحو أفقده الحياد والمصداقية. وهي ذات مشكلات الإعلام الحزبي الذي أضحى يرزح تحت تأثير وموجهات الإلتزام التنظيمي ولو أنه مجاف للواقع.
تبدو المقاربة معدومة بالنظر إلى شبكة المراسلين الضخمة التي يتمتع أفرادها بحرية مطلقة على الأسافير وبين الإعلام المجند لخدمة أهداف حكومية وحزبية . وتدين ثورة ديسمبر بالوفاء (لكنداكات وشفاته) تحملوا العنف بكل أشكاله وقدموا تضحيات كبيرة وشهداء آمنوا بالتغيير حتى بلغوا فجر الخلاص في أبريل ٢٠١٩م.