بقلم : محمد بدوي
أعادت وسائط التواصل الإجتماعى تسليط الضوء على إستمرار حفر خندق حول مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور والذي العمل فيه في أبريل ٢٠٢١ عقب أحداث معسكر كريندنق ٢ بغرض منع الإعتداءات المسلحة على المدينة من خارجها و كذلك الحد من تهريب البضائع إلى الدول الحدودية المجاورة ، قبل مناقشة الأمر لأبد من الإشارة إلى أن ثقافة حفر الخنادق حول بعض المدن بدأت في ٢٠٠٤ بمدينة الفاشر ولاية شمال دارفور عقب تدشين الحركات المسلح نشاطها ثم إنتقلت إلي مدينة امدرمان عقب هجوم حركة العدل والمساواة على مدينة امدرمان فى مايو ٢٠٠٨.
المستغرب بعد أن تلجأ دولة لحفر خنادق حول بعض المدن و وهي ليست في حالة حرب مع دولة آخرى ، أذن الأمر مؤشر لتراجع مريع لحالة الأمن و عجز الدولة فى القيام بدورها الطبيعي داخل حدودها ، بالنظر إلي السودان يمثل دولة قديمة تاريخياً ، لها تاريخ طويل و مشرف للقوات المسلحة قبل الإستقلال وبعده ، قبل أن يتراجع لعدة أسباب منها الإنخراط في تكوين المليشيات في العام ١٩٨٤ للقيام ببعض الأنشطة القتالية بالإنابة ، لتتعدد المليشيات و تنتج بداية عسكرة لحياة بعض المجموعات السودانية ، لتأتي القاضية فى أدلجة القوات المسلحة بعد العام ١٩٨٩ ، ظهور قوات حكومية ومليشيات ونزاعات سياسية قادت إلى بروز الحركات المسلحة ليصبح السودان دولة بها عدد كبير من القوات المسلحة الحكومية وشبه الحكومية و المليشيات أغلبها يتم الصرف عليه من الميزانية العامة المخصصة للأمن و التعليم والصحة بهدف الحصول على منفعة غن طريق التوظيف السليم و القيام بالواجب مقابل الأجر أو المقابل
الحالة الأمنية والصراعات فى بعض مظاهرها مرتبطة بشح الموارد وتوترعلاقات الإنتاج ، فالسؤالأاليس الاجدر أن توجه ميزانيات حفر الخنادق لحفر أبار للمياه وحفائر و فتح المسارات ؟ سأترك الإجابة للقارى لكن بعد الإشارة الى أن حفر خندق مدينة الجنينة يتطلب غلى الأقل ثلاثة اليات ثقيلة من حفارات و لودرات وغيرها تعمل في تكامل تبلغ قيمة المتوسط ( 650-90 ) مليار جنيه ، أما تكلفة الأجرة فمتوسطها ( 300 ) ألف جنيه للساعة ، وهنا يرتبط حساب التكلفة بطول الخندق بالكيلومترات و عمقه الذي يتراوح بين (2-3) أمتار و عرضه الذي يقدر ب(2) مترين ، أما متوسط حفر بئر المياه فقد يبلغ (5) مليار جنيه سوداني ! لعل المقارنة تكشف أين تكمن المحنة ! مع الإشارة إلى أنه تم حفر خندق في الإتجاه الشمالى لمدينة الجنينة حينما كانت العلاقة متوترة بين الخرطوم و أنجمينا في الفترة بين ( 2008-2010 ) الإ أنه أندثر بفعل عدة عوامل منها طبيعية .من ناحية أخري أنارة المدن و البوادي بالضرورة خدمة مستحقة تمثل مساهمة فى حفظ الأمن ، سؤال يتبادر إلى الذهن هل سيتم تعميم التجربة لتشمل كل مدن دارفور ؟ سؤال ثانٍ ماهي الجهات التى يتم حماية المدن منها و مصادر تسليحها ؟ و هنا مربط الفرس لأن واجب الدولة حماية الجميع وحل الصراعات وحفظ حالة الأمن و هذا لا يتحقق دون أن يتم حل الأزمات بشكل جذري و معالجة الأسباب ، حتى يتحقق ذلك هنالك ضرورة على الأطراف من السكان بالنظر إلى أن محركات وإقتصاد الصراع ظل يمثل خصما على الحق فى الحياة ، العيش الأمن و على علاقات الأنتاج ، مما يقود إلى النظر إلى تجارب سابقة عبرت جزئاً من الصراع المرتبط بالتعبئة السياسية ، وهي حالة المسيرية وعشائر دينقا نقوك فى منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودانيين عقب التوقيع على إتفاق السلام الشامل فى 2005 ، حيث ظل التوترات مستمرة و توهق الأرواح و تنفق الثروات الحيوانية و تعيق من العيش في أمان ، حتى العام 2015 فقد وصل الطرفان دون تدخل من الخرطوم أو جوبا ( المسيرية العجائرة و عشائر دينقا نقوق ) بعد النظر العلاقات والمصالح المشتركة ، إلى أتفاق برغبة كاملة أوقف العدائيات و أتاح مساحة للحركة و ممارسة النشاط الرعوي ،الحصول على الإحتياجات المتبادلة ، أنها الرغبة والحكمة المرتبطة بالحق في الحياة و الإبتعاد عن الإستغلال و القتال بالإنابة ما قادت إلى الإحتكام للقانون العرفى بين الطرفين ، و الإ لظلا فى حالة توترات و قد مضت سبعة عشرة عاماً و لم يتم التوصل إلي حل بين الخرطوم وجوبا (السودانيين) فكأنهم أعملوا الحكمة ( ما حك جلدك مثل ظفرك ) .
أخيرا: مناهج حلول الأزمات و حل النزاعات لا يمكن أن تحدها الخنادق فى ظل إنتشار البنادق ، ولن يقف تدفق البنادق في ظل الرغبة فى إستخدامها لهزيمة الطرف الأخر و هي معارك الخاسر فيها الجميع لأن كل ما قد يفعله مركز السلطة هو دفع الديات الموسمي .