حسام بيرم
ارتبط السودانيون عبر التاريخ وجدانياً بنهر النيل كغيرهم من شعوب حوض النهر الذي يعد شريان الحياة بالنسبةلهم، وانعكس ذلك على الوجدان الجمعي والتراث الشعبي، إذ ارتبطت كثير من الأغاني الشعبية بمواسم الفيضان والجفاف، تارة ترجو الخير، وأخرى تدعو بردّ الشرور.
في كل عام يحتفي الموروث الغنائي بـ”الملاحم الشعبية”، في مواجهة السيول والفيضانات التي اعتاد عليها السودانيون، حتى إنهم أضحوا يواجهونها في جو احتفالي في بعض المناطق.
ويعد فيضان 2020 الأقوى في تاريخ السودان من حيث ارتفاع مناسيب المياه متجاوزاً فيضانات عام 1946 و1988، التي جسّدت آثارَها المدمرة أهازيج وأغانٍ عديدة ما زالت تتردد حتى الآن.
أغانٍ تراثية
يعتبر الفنان حمد الريّح من أبرز الفنانين السودانيين الذين غنوا للفيضان، وهو أحد أبناء جزيرة “توتي” التاريخية التي تتوسط “مقرن النيلين” (ملتقى النيل الأزرق والأبيض في الخرطوم).
أنشد الريّح لبسالة أهل جزيرة “توتي” في التصدي للفيضان منذ سنوات أغنية “عجبوني الليلة جو” التراثية، وصف من خلالها بسالة السودانيين في التصدي للفيضان.
ويقول الريّح في مطلع أغنيته الشهيرة: “عجبوني أولاد الأهالي.. عجبوني وسروا بالي.. طول الليل واقفين سواري”، وهي كلمات تصف شجاعة الشبان الذين ظلوا يحرسون “التّرس” (مجموعة من الجوالات الرملية تستخدم كمصدات لمياه الفيضان في القرى القريبة من النيل) لحماية البيوت من آثار الفيضان.
تضاف إلى قائمة أغاني الفيضان التراثية أغنية “البحر السيطت” للفنان خلف الله حمد، التي ربطها بعض المؤرخين بفيضان 1946، الذي تسبب للسودان في خسائر كبيرة.
يقول مطلع الأغنية: “البحر السطيت غيـرك ما فـي ذكره.. كشفت العرايس العجوز والبكرة.. ماكر جيتنا ساير ليلك كله تسري.. دمرت البشائـر واتعوضنـا حسرة”.
وتحكي الأغنية قصة إحدى القرى التي دمرتها المياه في السودان جراء فيضان النيل عام 1946، وكاتب الأغنية هو “الجاغريو”، أحد أبناء منطقة العليفون جنوب الخرطوم.
وتُعد أغنية الفنان السوداني كمال ترباس “ما تهتمي للأيام” من الأغنيات التي تجسّد المعاناة من الفيضان، إذ رصدت معاناة كاتب الأغنية الشاعر عوض جبريل الذي غمرت المياه منزله في أحد الفيضانات، فكتب تلك القصيدة مواسياً زوجته بعدما دمرت المياه منزلهما.
يقول مطلع الأغنية الشهيرة: “ما تهتمي للأيام ظروف بتعدي.. طبيعة الدنيا زي الموج تجيب وتودّي.. ما تهتموا للأيام”.
إيقاعات فلكلورية
قال الموسيقار السوداني الشافعي شيخ إدريس، في تصريحات لـ”الشرق”، إن الإيقاع الموسيقي الغالب على أغاني الفيضان هو إيقاع “السيرة” الذي يُعد من أشهر الإيقاعات الحماسية في السودان.
وأضاف أن “الفلكلور السوداني حافل بالأغاني التراثية التي احتفلت ببسالة السودانيين في مواجهة الفيضان، إذ كانت النسوة يرتجلن الأغاني لتحفيز الرجال الذين يقيمون التروس لمواجهة مياه الفيضان”.
وتابع شيخ إدريس: “السودان لديه زخم موسيقي كبير، نظراً لتنوع الإيقاعات المختلفة في أقاليمه، ففي الشمال ينتشر إيقاع الدليب، وفي الشرق يوجد إيقاع الكول، أما في الغرب فيغلب إيقاع المردوم، وفي الوسط إيقاع (التم تم)؛ وهي إيقاعات موسيقية متنوعة تشكل الوجدان السوداني”.