صلاح شعيب
ألف مبروك للصحافيين الذين انتخبوا في جو ديمقراطي شفاف نقيبهم الأستاذ عبد المنعم أبو إدريس، وعضوية مجلس النقابة الجديد الذين نالوا ثقة قاعدتهم الثورية. ويعد هذا الإجراء الأول بعد خمسة وثلاثين عاماً منذ انتخاب آخر مجلس نقابي للصحافيين في ظل ذلك النظام الديمقراطي الذي كان يبيح التعددية السياسية، وتداول السلطة عبر الانتخاب، وحرية الصحافة، والعمل النقابي.
لقد كان الصحافيون، والصحافيات، في طليعة المهنيين الذين جابهوا بشراسة المشروع الحضاري بعدته الاستبدادية. ونذكر أن أعضاء تلك النقابة التي كان يقودها الأستاذ عمر عبد التام قد واصلوا مهامهم السرية في الداخل، والخارج، ولعبوا منذ بدء المشروع الديكتاتوري دوراً مهماً في التنوير الإعلامي بالمخاطر التي يمكن أن يجلبها للبلاد، وشعبها.
ويحمد لذلك الجيل أن واصل المعارضة، واختار الزميل الراحل حيدر طه وآخرين ليقودوا النقابة في القاهرة بعد أن حلها النظام، واعتقل بعض قادتها، وطارد جموع الصحافيين في الداخل. في القاهرة، وعواصم عربية أخرى، عكفت نقابة المنفى، والصحافيون على توظيف المنابر التي يعملون فيها في تحرير الخبر، والمقال عن قهر النظام لشعبنا، ونشر الكتب، وإقامة الندوات، والتحدث للإعلام الخارجي عن انتهاكات حقوق الإنسان كافة، ودعم نضال الأحزاب، والتيارات السياسية التي نشطت في الخارج من خلال التجمع الوطني الديمقراطي، وأصدروا صحفاً، ومجلات ناقدة لممارسات الإسلاميين. وشارك هولاء الصحافيون الشرفاء في تأسيس العمل الإذاعي المعارض المثابر. وكان لهم القدح المعلى في فتح منابر خارجية للمقاومة أيضاً في العواصم الأوروبية، والأميركية في ظل تلك الإمكانيات الشحيحة في ذلك الوقت.
وفي الداخل شهدنا عزم ذلك الجيل الشاب الناهض من الصحافيين والصحافيات على تعضيد استمرارية النضال لاسترداد الديمقراطية. إذ فضحوا النظام، وعروا مشاريعه المجتمعية الخربة، ووطدوا أنفسهم كمدافعين عن حقوق شعبهم.
ومع بروز هذا الجيل الجديد من الصحافيين في الداخل – خصوصا عند بداية الألفية – تطورت أساليب نضال الصحافيين، وعززوا التزامهم بخط وطني واضح بلا لجلجة، حتى إن انفتحت كوة ثورة الاتصال أتيح لهم مجال فسيح للعمل الإعلامي، وتطورت مقاومتهم الإعلامية للاستبداد عبر وسائط التواصل الاجتماعي في الخارج. وكان نصيب زملائهم في الداخل التعرض لمزيد من التشريد، والتعذيب. وكانت الزميلات الصحافيات في مقدمة الذين دفعوا ثمن النضال تشريداً، واعتقالاً، وتعذيباً، وتعرضاً للتحرش. ومع ذلك لم تلن لهن قناة، وصرن الأقوى شكيمة بين مناضلات المجتمع المدني.
وعندما التقطت شبكة الصحفيين السودانيين القفاز، ومنظمات مماثلة مثل صحفيون من أجل حقوق الإنسان (جهر) تنظمت صفوف الزملاء في الداخل، وتخلق تواصل مع زملائهم في الخارج. وهكذا أصبحت الشبكة في طليعة المنظمات التي عززت وجودها كمظلة مجتمع مدني، قوية، وجسورة في منازلة يومية لكل أنواع القمع الذي استخدمته الحركة الإسلامية ضد الصحافة، والصحافيين. وقادت الشبكة كل أشكال المقاومة من احتجاجات، ودعوات للإضراب، والعصيان المدني، ووقفات تضامن، ودعم العمل السياسي المعارض بالرأي، والتغطية، والنقد. كما أن أعضاء الشبكة الجسورين تمكنوا من خلال المساحة الضيقة المتاحة في تغطية الفعل المعارض، ونوعوا أساليب المقاومة الإعلامية. بل إن الصحافيين، والصحافيات، المنتمين لها مثلوا بجهدهم قيادة سياسية للصمود، والجسارة، وتقدموا العمل المعارض في ظل ضمور حركة الأحزاب الرئيسية بمواقفها المتقلبة، وعدم التزامها المبدئي بإسقاط النظام. ولاحظنا أنه طوال سنوات الاستبداد الممنهج إسلاموياً كان الزملاء في شبكة الصحافيين، وغير المنضوين إليها ينظمون أجندة العمل السياسي، ويصدرون عن مثابرة في الوقوف الصلب ضد كل محاولات التطبيع مع النظام.
هذا الجهد الذي بذلته الشبكة جعلها في حرب شرسة مع أمن النظام، وفي ذات الوقت منحها هذا الموقف الثابت من اعترافاً دوليًا بدورها حتى حازت على جائزة منظمة مراسلين بلا حدود -السويدية، في مجال حرية الصحافة، نتيجة دورها السباق في الدفاع عن الحريات.
وعند اشتداد أوار المقاومة كان لشبكة الصحافيين دوراً عظيماً في أن تنال شرف تأسيس تجمع المهنيين السودانيين. وكان ممثلوها قد اطلعوا بدور مشهود في المشاركة في تنظيم الحراك السياسي بجانب نقابات أخرى بعد انطلاق شرارة ديسمبر، وصاروا من قادة الثورة، ولسانها.
ونعتقد أنه لولا دور الزملاء القياديين في الشبكة بجانب نقابات أخرى، لما تمكنا من إسقاط نظام الإخوان المسلمين، وإزالة ما سموه المشروع الحضاري الذي مزق البلاد، وأفسد الحياة المدنية، وفصل الجنوب، وحقق الفتنة في مكونات نسيجنا المجتمعي، وهجر ملايين السودانيين، وكان الفساد الأخلاقية هو السمة الأبرز لفترة الثلاثة عقود لنظام الحركة الإسلامية.
الآن، وفي ظل استمرار النضال لاسترداد الحكم المدني، انتزع الصحفيون بجدارة حقهم في خلق نقابة حرة سباقة تتسع لكل الصحفيين المؤمنين بالنضال من أجل هزيمة مشروع إجهاض ثورة ديسمبر لأجل استئناف سيطرة المدنيين على المرحلة الانتقالية بوصفها الأرضية الأساسية لترسيخ ديمقراطية الانتخاب، والتداول السلمي للسلطة في بلادنا.
قناعتنا كبيرة في قدرات الزملاء المنتخبين، وكذا نقيب الصحافيين الجديد، الذين أتوا بالانتخاب، ومفضلين دون غيرهم للقيادة الاعلامية المهنية بعشم زملائهم في الداخل والخارج فيهم. فهم يدركون المهام الجسام التي تنتظرهم. فالغاية لا تتمثل في الانتخاب وحده، وإنما أيضا ً في قدرة النقابة الجديدة في فهم تطلعات كل الصحافيين في استعادة ذلك الدور القيادي للمدنيين حتى يطلعوا بالتأسيس الانتقالي للحكم المدني الرشيد، وهو الكفيل بتحقيق أهداف الصحافيين كطليعة فئوية ضمن طلائع مهنية ثورية تتكامل أدوارها لتحقيق الديموقراطية، وهزيمة الانقلاب. وليس لدينا شك في أن كل الزملاء والزميلات المنتخبات يدركون هذا الوضع الوطني المعقد، حيث يصعب الحديث عن التأسيس لعمل نقابي يحقق تطلعات الصحافيين، ويعبد الطريق نحو صحافة حرة بينما المشروع التآمري لإجهاض الثورة يتمدد، وينوع هو الآخر أساليبه، ويستفيد من التشظي الذي ضرب المكون المدني بعد استيلاء الجيش على السلطة.
وعلى صعيد شبكة الصحفيين السودانيين ندرك أن مؤسسيها، والمنتمين إليها، قد جنوا ثمار نضالاتهم في امتلاك نقابة حرة لا يقتصر دورها مهنيا فحسب وإنما يترافق هذا الدور مع أدوار لمهنيين آخرين يتطلعون إلى الاستفادة من صمود الصحفيين في هذا الظرف للعمل لتحرير البلاد من النظام الغشيم، وفي ذات الوقت انتزاع حقوقهم في تكوين نقابتهم.
والأمل الكبير – في ظل الانشطارات الكئيبة التي تواجه كياناتنا المجتمعية والتي بعضها مخطط له عبر جهات محددة – أن تساهم كل التيارات التي قدمت مرشحيها لشغل منصب النقيب، والعضوية، أن تتداعى جميعاً لدعم المجلس النقابي الجديد للصحافيين لتحقيق برنامجه، والذي كما نعتقد أن لحمته وسداه مواصلة النضال عبر التضامن مع نقابات أخرى، وتيارات سياسية لاستعادة الحكم المدني، والذي هو ضروري، وواجب، فضلاً عن ذلك فإن هذه الاستعادة للدور المدني في السلطة نفسها هي بمثابة حجر الزاوية لأي عمل نقابي يهدف إلى تحقيق رغبات قاعدته. ولقد تابعنا محاولة السلطة في عرقلة عملية الانتخاب الصحفي التي باءت بالفشل في ظل حرص الزملاء على استكمال إجراءات التصويت وإعلان نتيجة الفرز. وكلنا ثقة في أن رئاسة وعضوية مجلس نقابة الصحفيين تتفهم التحديات التي تجابهها للحرص على وحدة، واستقرار، وسلام بلادنا قبل تعزيز وضع أفضل للمهنة. ولعل سعينا كصحافيين مع كل قطاعات المجتمع، ونقاباتها لتجاوزها هي الضرورة الملحة لخلق نظام ديمقراطي. ونظن أن كل القاعدة الصحفية المؤمنة بالديمقراطية ناضلت في العقود الثلاثة الأخيرة لترسيخه كونه الضمانة الأبقى لتطوير، وازدهار، وفاعلية العمل النقابي إجمالاً.