بقلم: محمد بدوي
بالرغم من الغياب لتصريحات رسمية واضحة حول التفاوض السياسي بين ممثلي تحالف الحرية والتغيير والمكون العسكري الإنقلابي في السودان إلا أن الكثير من المصادر الموثوقة ذهبت إلى تأكيد ذلك، المهم فى سياق المقال حسب التسريبات أن أحد المعضلات التى تعتري مسار التفاوض هو قضية الحصانات من المحاسبة على الأحداث من ١١ ابريل ٢٠١٩ وحتى الراهن، بل أن محاولات الإستناد إلى ذلك ارجعت ما تضمنه الدستور الانتقالي السوداني لعام ١٩٦٤ الذي يقول: “أي حكم أو أمر أو فعل صدر من أي شخص أو هيئة في الفترة من ١٧ نوفمبر ١٩٥٨ إلى صدور هذا الدستور لا يجوز الطعن فيه أو اتخاذ أية إجراءات قانونية بصدده أو على أساسه أمام أية محكمة جنائية أو مدنية أو إدارية ما دام قد صدر ذلك الحكم أو الأمر أو الفعل من ذلك الشخص أو تلك الهيئة أثناء تأدية الواجب أو بغرض حماية القانون والنظام أو حفظ الأمن وفقاً لأي تكليف من القوات المسلحة السودانية على أية صورة عسكرية كانت أم مدنية”
الأمر الأول : التعليق على مثل هذه التسريبات تنبع أهميتها فى كونها قد تمثل بالونة اختبار لقياس الرأى حولها، بالإضافة إلى انها قد تدفع نحو إعادة معادلة مقايضة الإستقرار الإقتصادي بالتحول المدني والديمقراطي .

ثانيا : ليست هنالك صفة تخول لأطراف سياسية بالدفع أو مجرد نقاش نصوص الحصانة لأنها مرتبطة بحقوق خاصة فى سياق تفاوض سياسي كما انها تفتقر للصفة التي تفرض عليها ابتداءً الإلتزام بعدم الإقتراب من ذلك

ثالثا: الدفع بالحصانات إلى صلب الإتفاق بين طرفيه مستقبلا برغم من انها ستكون بلا طائل دستوريا ، لكن ذلك قد يكسر ظهر الواقع فالحق الذي يعطي الحصانة للفترة المشار اليها ينهض بذات المفهوم السياسي لمنح النظام السابق حصانات معنوية خلال الفترة من ١٩٨٩ الى ١٠ ابريل ٢٠١٩ وقد تتطور كدفع دستوري في إطار مفهوم التجريد وفقا لفلسفة القانون
رابعا: تلك الحصانة تعني تحصين فترة سياسية من المحاسبة وهو ما يجعل المستقبل رهين الإحتماء بذات النصوص وهنا نكون قد ادخلنا مفهوم سيادة حكم القانون إلى معمل التسويات
خامسا: افتراض ظهور النص فى أية مسودة للإتفاقات السياسية في الراهن يجب النظر إليه ببصيرة فالتطور بين الفترة من ١٩٥٨ إلى ٢٠١٩ و إلى الراهن برزت فيه مفاهيم حصنت مسألة الحقوق، الإلتزامات الدولية المرتبطة بالإتفاقيات تسمو على نصوص الدساتير الوطنية فلا يمكن تبرير التعذيب وفق نصوص اعفاء داخلية الأمر الذى قاد إلى تحصين لمبدأ عدم السقوط بالتقادم والإختصاص الكوني، بل أن طبيعة بعض الأفعال المجرمة مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا تأبه بالتسويات السياسية فى تحصينها
سادسا : لأسباب ترتبط بالحصانات ظهر الإختصاص التكميلي الدولي مثل المحكمة الجنائية الدولية
سابعا: العدالة هي حجر الإستقرار السياسي، فدون ذلك تعني إعطاء حصانة بعد الإتفاق لإنفلات أمني لأنه ستنهض ظاهرة العنف المضاد المرتبط بالحق، ومن ناحية ثانية تعزز من إرتكاب سلسلة جديدة من الإنتهاكات لغياب عنصر الردع سواء من ذات الاطراف او وكلائهم .
ثامنا: الإنتهاكات والجرائم التي ارتكبت مرتبطة بطبيعة القوات وعقيدتها العسكرية والسياسية بما يعني ان الحصانات ليست سوى محاولة لإعفاء القادة من المسئولية مع بقاء استمرار الحالة .
تاسعا : ما عزز الدفع بمثل هذه المطالب هى الإختبارات التى تمت للحصانة فى الفترة الإنتقالية بعدم تسليم المطلوبين للجنائية الدولية حتى الراهن.
عاشرا : إن مفهوم الحصانة ستعمل على تحصين الفساد المالي المرتبط بالأفعال الجنائية و يحصن الوضع السياسي المرتبط بالأفعال الجنائية والإدارية
الحادي عشر : هنالك مرسوم للحصانات من المجلس السيادي في ٢٠٢٠ اعفى القوات المسلحة من الأفعال المرتكبة خلال
عاشرا: اللجوء إلى الحصانة تعني استدعاء لحالة العنف غير المسبوقة بالبلاد لأن غياب المحاسبة سترسخ لعدم الإكتراث للقانون
الثاني عشر : الإنحناء نحو نصوص الحصانات وقراءة ذلك عقب إنقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١ تعني الحصانة من الأفعال التى تمت قبل التمتع بها عبر ارتكاب أفعال اعقبت ذلك وهنا التناقض الذي يشير إلى ان المحاسبة قبل الإنقلاب و بشكل عام ضمانه للإستقرار السياسي وليس مدعاة للمفاضلة بأي صورة .

الثالث عشر : محاولة اعادة عجلة التاريخ ٦٠ عاما لإستلاف نص دستوري يعني ذات عقلية المؤتمر الوطنى المحلول الذى حاول كتابة تاريخ السودان من ٣٠ يونيو١٩٨٩ والتي مصيرها الخسران لأنها تنسف فكرة التغيير المرتبطة بشعار حرية، سلام وعدالة .
أخيرا : فى ظل التدافع الدولي والداخلي حول التفاوض السياسي، لن ينجح الأمر بإعتماد تلك النصوص سيقود الى إنهيار مفهوم الدولة فذاكرة الإنتهاكات التى خلفتها الأفعال حاضرة في كل البلاد، فالإعتبار من تجارب دولة ما بعد الإستقلال تشير إلى أن لم النص على الحصانة فى دستور ١٩٦٤ المؤقت فالراجح أن مآلات الفترات التى أعقبته وحتى الراهن حتما مختلفة إيجابا .