بقلم: د. عباس التجاني

منحت ثورة ديسمبر المجيدة الشعب السوداني فرصة تاريخية لطي صفحة الصراع السياسي العنيف والنزاعات الاجتماعية الكامنة منذ استقلال السودان؛ الا ان الثورة ذات نفسها توشحت بالدماء والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. كما فتحت مجال للأفراد، الجمعيات والمنظمات للاحتشاد خلف قضية العدالة التي تعتبر جوهرية في سبيل تحقيق انتقال آمن يعالج جراح الماضي ويرد الاعتبار للضحايا. وهنا تجدر الاشارة الى ترديد رئيس مجلس الوزراء السابق، الدكتور عبد الله حمدودك عبارات تدعو لمعالجة قضايا الماضي والعمل على الإنصاف؛ وفي سبيل ذلك، شكل عدد من لجان التحقيق والتقصي حول الانتهاكات التي وقعت ابان الفترة الانتقالية وقبلها (جريمة فض الاعتصام)؛ لكن! حتى الان لم تصدر أي لجنة تقريرا يمسح أحزان أسر الضحايا ويدفع المجتمع تجاه معالجة الماضي العنيف.

وفي ذات الاتجاه صدر مقترح لقانون مفوضية العدالة الانتقالية التي لم تتشكل كغيرها من المفوضيات وآليات الانتقال التي وردت في الوثيقة الدستورية الانتقالية.

من ناحيتهم انخرط الفاعلون السياسيون المكونون لتحالف الحرية والتغيير في صراعات ارتفعت فيها حدة الاستقطاب، ولا يزال المشهد لزجا وفي حالة سيولة تامة. ويعتبر هذا الوضع جاذبا لمنصات الاخبار المحلية والعالمية، ويغذيها بالدعاية الموجهة، مع تفعيل إطار “نحن” ضد “هم”، وبذلك انتشرت الشائعات، المعلومات المضللة والزائفة مما أدى للاحتقان.

تحتاج حالة احتقان الدماء التي اصابت الذاكرة السودانية للعديد من التدابير العميقة لاجتراح حلول تسهم في انصاف الضحايا وجبر الضرر. ولكيما يتحقق ذلك نحتاج لإعلام مستقل يعمل على كشف الحقائق، يطور معايير اخلاقية تعزز من جهود العدالة والعدالة الانتقالية، يحديد المسؤولين عن الانتهاكات ويدفعهم للاعتراف بالجرائم بغرض إنصاف الضحايا؛ وذلك لضمان عدم تكرارها في المستقبل. عليه تكون هنالك حاجة ملحة لتطوير نموذج إعلامي واعي يبعد عن التضليل وإلحاق الضرر بالضحايا، وفي نفس الوقت يمتنع من بث المفاهيم الخاطئة لتجنب الأثر السلبي للإعلام في تشكيل الرأي العام