بقلم : محمد بدوي
أثارت ردود بعض المتهمين في محاكمة انقلاب ٣٠ يونيو١٩٨٩ على أقوالهم المدونة بمحضر التحري اهتمام اطياف مختلفة داخل وخارج السودان، فى تقديري أن فحوي بعض ما ورد أعاد المحاكمة الي حيز الاهتمام عقب تراجعها نتيجة للتراخي الذي شهدته الجلسات خلال الفترة الماضية، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الرقابة الشعبية للمحاكمات، يهدف المقال لمناقشة ردود كل من المتهمين عمر حسن احمد البشير الذي اقر بمشاركته وتحمله ما نتج عن الانقلاب، ونافع على نافع الذي نفي مشاركته من جانب آخر، بالنسبة للرابط بين الاثنين فكلاهما اتفقا في النظر سياسيا للمحاكمة، وهو ما قصدا به اخفاء دور الجبهة الإسلامية القومية ولاحقا الحركة الإسلامية السودانية عن الانقلاب، حسنا فذات المنطق يعني ابعاد للمشروع الحضاري أو نهج الإسلام السياسي عظم الظهر للانقلاب وسيطرته لثلاثة عقود عجاف على مفاصل السلطة فى السودان، من ناحية موضوعية فان ردود البشير ونافع تتسق والمنطق وواقع الحال فى تأكيدها ” بشهادات قادتها ” بفشل المشروع الحضاري الذي حاول نسف تاريخ وثقافات الدولة السودانية السابق ل٣٠ يونيو ١٩٨٩، السجل يعضد مظاهر الفشل حيث الانقسام داخل صفوف التنظيم على اثر الخلاف حول السيطرة على القيادة وليس نتاج جدل فكري حول برنامج السلطة الديني، تعزز ذلك بتراجع الفرقاء وسحب صفة الحرب الجهادية التي استخدمت للتعبئة للحرب الأهلية آنذاك فأزالوا فى غمرة الصراع دون حياء ورقة التوت بسحب صفة الشهداء عن الضحايا بذات البساطة التي روجوا لها خلال عشر سنوات، مضي الأمر فكان يسيرا على التنظيم واجنحته السياسية ان يدفع ببعض صفاته مثل ” العنف” نحو الواقع فاقدموا على الابادة الجماعية فى دارفور وتمويلها من عائدات البترول، لم يهزموا المتمردين لكن قتلوا، اغتصبوا وشردوا المدنيين، ليجد المجاهدين انفسهم وقد تبدلت الصفة الي لقب السائحون عقب اتفاق السلام الشامل ٢٠٠٥ حيث لم تتحقق هزيمة الحركة الشعبية لتحرير السودان، ولم ينتشر الإسلام فى الجنوب رغم الكرامات التي ظلت تروج لها برامج التعبئة مثل ساحات الفداء وحديث الصباح وموسيقي المارشات عبر التلفزيون القومي، لتصدر المحكمة الجنائية أوامر قبض على القائد الأعلى للجيش ورئيس الدولة ، وزير الدفاع ووزير الدولة بالداخلية والشئون الانسانية فى حلقة كشفت أن مصنع المشروع الحضاري أهم منتجاته هو الموت بطرق مختلفة والتباهي بالعنف الجنسي أن أرتكب من قبل رأس الدولة ! يا للسوء، سار الحال لينفصل الجنوب وتهديدات البشير التي أطلقها فى عيد الحصاد بالقضارف بتطبيق الشريعة الإسلامية فى الشمال حال الانفصال ليؤكد ان الاستخدام السياسي للدين لا حدود له، امتد الحال فأهدروا ما تبقي من موارد فى حرب جديدة بجنوب كردفان والنيل الأزرق مع إعادة لإنتاج الموت عبر كتالوجات” أكسح وأمسح” و ” ما تجيبوا حي”
لن تنسحب ردود البشير أمام المحكمة على أحد سواه، وهي أقوال أن قصدها البشير فالخطوة التالية هي أن يسلم نفسه للمحكمة الجنائية الدولية دون تأخير، أما نافع فالإجابة على وظائفه خلال ال٣٠ عاما ؟ قد تجعله يدرك أن الاقرار بالمشاركة فى الانقلاب أخف من سجل نتائجها.
أخيرا: دفع البشير بتحمله المسئولية ليس سوي حقيقة بأن ما تبقي من الحركة الاسلامية صار مرتبط بأمزجة شخصية بعيدا عن المواقف والمشاريع الفكرية التي تدافع عن نفسها بالتمسك بها، أما وانكارنافع مثل الصورة النفسية لغيبة التنظيم من الواقع حتى لم تعد الجرأة محفز لبذل سيرتها المقترنة بالانتهاكات، سيدون التاريخ بان ما صدر من البشير ونافع تأكيد لغربة الإسلام السياسي والاسلاميين السودانيين عن التربة السودانية ولا سيما عند النظر لمجمل التجربة آثارها علي فئة الشباب الذين عبأتهم للموت فى الحرب الاهلية عقب انقلابها، والأخرى التي عادت عقب ٢٠ عاما لقتلها فى ثورة إسقاط انقلابها.