بقلم : محمد بدوي

الاحداث التي شهدتها مدينة زالنجي بولاية وسط دارفور تمثل امتداد لسلسلة تراجع الامن خلال الفترة الانتقالية، المراقب يقف علي تطابق سيناريو البداية بينها واغلب الحالات الاخرى في بدايتها بين افراد ثم التطور الي صدام بين مجموعتين فى الغالب الرابط بينهما صراعات سجل توتر/توترات سابقة تخلف شرط العدالة من سياقها، بداية احداث زالنجي تكاد تكون مطابقة مع احداث كرينك بغرب دارفور خلال ٢٠٢٢، المسرح هو السوق، الخلاف حول سداد قيمة شحن هاتف محمول، مقتل احد الطرفين، مناصرة سريعة من المكون الاثني لاحد الاطراف، مناصرة مقابلة من الطرف الاخر، حريق للسوق، تعدي على الممتلكات، حالة حصار مسلحة، ارتفاع عدد القتلى والجرحى.
باستثناء التحقيق المعلن فى احداث ٣ يونيو ٢٠١٩ فمنذ التوترات بين مجموعتي النوبة والقرعان بمربعي ٥ و٦ بالدامر بولاية نهر النيل فى ٥ يونيو٢٠١٩ مرورا بما حدث فى بورتسودان، كسلا، حلفا، بالقضارف، الدمازين، مدن السد، أبيي،الفولة، لقاوة، الجنينة، مستري جبل مون ١،٢،٣، كرينك١،٢،كلبس ،ازرني، زالنجي، نيرتتي، فتا برنو، مقار اليوناميد بالفاشر، كولقي، بليل، وصولا إلى سوق مرين بزالنجي فى ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٢ على سبيل المثال لا الحصر، تمثل رد فعل السلطات الحكومية فى السيناريوهات الآتية، اعلان حالة الطوارئ ، زيارة عاجلة لمسئولين رفيعين من الدولة، التصريح بإرسال قوات مشتركة للفصل بين الأطراف، ثم توجيه النائب العام أو الإعلان عن إجراء تحقيقات أو التدخل عبر القانون العرفي المتمثل فى سلطة الإدارة الأهلية ، تطور الأمر في ديسمبر ٢٠٢١ إلى التدخل عبر آلية عرفية تتبع للدعم السريع لجنة المصالحات، ظل الأمر يأخذ خاتمة واحدة وهي احتواء الإدارة الأهلية لإعلان وثيقة وقف العدائيات والإعلان عن ضرورة قيام مؤتمر للصلح خلال فترة لا تتعدى الستة أشهر ، من مظاهر الصراعات مشاركة أفراد/ مجموعات بأزياء وسيارات يرجح بتبعيتها لبعض القوات التي عرفت فى الوثيقة الدستورية ٢٠١٩، دون الخوض فى المشاركة وهل تمت بأوامر ام مشاركة لمناصرة المجموعة الإثنية؟ الواقع يشير إلى مظهر مشاركة السلطة كنمط ظل يتكرر ، فى كل الأحوال حتى في محاولة الدفع بالمشاركة دون أوامر فإن الأمر يعني مشاركة السلطة بفشلها في السيطرة على القوات التي تتلقى رواتبها من ميزانيات ٢٠٢١ و٢٠٢٢.

بالنظر الي طبيعة الإنتهاكات فإلى جانب ما أشرنا إلى بعض أشكاله عاليه برزت ادعاءات بالإعتداءات الجنسية، الحريق الكلي والجزئي للمخيمات المساكن والأسواق، إحراق المحاصيل، الإعتداء على مقار ومخازن حكومية وأخرى للمنظمات الإنسانية، النزوح. وهي حالات ترتقي فى مجمل سجلها إلى جرائم ضد الإنسانية، لأن الأصل هو دور الدولة في الحماية، إنتقالها إلى المشاركة مع غياب المحاسبة يثير سؤال المسئولية عن توفير الأمن؟

ظلت الأحداث تثير القلق حول إنتشار السلاح، النظر لسجل الأسلحة التي تسيطر على المشهد يثير قلقاً مضاعفاً فقد برزت أنواع متطورة حيث حل سلاح JM3 محل الكلاشنكوف الذي كان مسيطراً منذ منتصف الثمانينات فى ساحة النزاعات، مدافع الدوشكا والراجمات والقرنوف على سبيل المثال ايضا، هذا مع أن بعض التقارير الحقوقية المستقلة وثقت للجوء عدد من المجموعات التي تعرضت للإعتداءات إلى التسليح الذاتي عن طريق الشراء من عدة مصادر محلية وأخرى من خارج الحدود مثلت ليبيا المورد الرئيسي لها، المشهد يشير إلى مظاهر غياب الحماية المنوط بالدولة، السبب والدافع من عدم القيام بذلك هو ما يجعل التحقيق فى الأحداث يجيب على سؤال المسئولية .

أما الدوافع الرئيسية فمجمل الصراعات مرتبطة بمسألة ملكية الأرض ، المحصلة الراهنة كشفت أن النزاعات تسببت فى تضييق المساحات الآمنة و إبقاء الحالة الى ما قبل ٢٠١٩ حيث بقاء غالب المجموعات بالمعسكرات، نزوح مجموعات أخرى من مناطقها الأصلية التي عادت إليها في فترات سابقة لأغراض الزراعة أو بنية الإستقرار إعتقادا بهدوء الأحوال عقب سقوط نظام الحركة الإسلامية مثل بعض المجموعات من سكان جبل مون بغرب دارفور، وهي الحالة التي لم تتخلف عنها النيل الأزرق بجعل سؤال الأرض محرك للأحداث.

دعونا نستصحب السجل أعلاه والنظر الى تطورهما وتأثيرهما الراهن أو المحتمل
الامر الأول: هو اتفاق سلام السودان ٢٠٢٠ فبالرغم من الإحتفاء بالتوقيع، ثم تخريج ٢٠٠٠ من قوات حفظ السلام المنصوص عليها فى الإتفاق في ٢ يوليو٢٠٢٢، فلم يغير الأمر شيئا على ارض الواقع بإقليم دارفور رغم حضور قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو ورئيس البعثة الأممية فولكر بترس و والي شمال دارفور الفريق نمر عبدالرحمن وآخرين فتطابقت المظاهر الإحتفالية مع ذات التي تمت فى حفل التوقيع في جوبا مع ترجيح الواقع للنقد الذي وجه مبكرا لطبيعة ومنهج الإتفاق من بعض القوى السياسية والمدنية ، الحماية تتحقق بشروط ومن يقف خلفها ايضا تشمله شروط التأهيل والمعرفة وفوق ذلك كله الحماية والسلام لا يتحققان دون سلام مبني على منهج متسق و الأزمة وقادر على تحقيق شرط المحاسبة الذي ينتج الإنصاف والردع العام كضمانة من عدم تكرار الأحداث .

الأمر الثاني: ,الإتفاق الإطاري بين المكون العسكري ومكونات قوي الحرية والتغيير، فقد اعقبته سلسة أحداث من الإعتداء المفرط على المحتجين السلميين فى مواكب إسقاط الإنقلاب، توتر الأوضاع بلقاوة بغرب كردفان ثم أحداث بليل و زالنجي، كل ذلك اشار إلى أن الجيش القومي وهو عضم الإستقرار المستقبلي، و استمرار الإتفاق في نهج الوثيقة الدستورية بالإعتراف بجيشين فى الإطار الدستوري، يعني ببساطة بذرة لتقسيم السودان إلى دولتين على الأقل مستقبلا فى حالة فشل الدمج والذي لا يوجد ما يشير الى امكانية حدوثه، لماذا أشرت إلى دولتين لأن نهج الحلول التفاضلية طريق إلى ذلك الإقتراح لأنه مرتبط بالنهايات التي يتم التأسيس لها.

الفترات الإنتقالية تهدف للإصلاح المؤسسي لكافة القطاعات لضمان عدم الإنزلاق، والوجود العسكري في قمة السلطة فى الفترات الإنتقالية تعود بعدها إلى طبيعتها المرتبطة بالتفويض تخضع للإصلاح وإشراف رئيس الوزراء أسوة بالوزارات الأخرى فى الدولة .

فى ٢٠١٥ عقد النظام السابق حوار الوثبة لتفادي نسخ التغيير الجوهرية التي حفزها الربيع العربي، وظل يردد ان تلك الخطة التي فحواها المشاركة فى السلطة مع بقاء الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني في المفاصل هو تفادي الإنزلاق نحو الصوملة، فخطاب مقايضة الأمن بالتحول الديمقراطي اكل عليه الدهر وشرب ، بل ان التحول الديمقراطي هو ضمان الأمن والإستقرار .

اخيرا: سيكولوجية التطلع نحو الديمقراطية سجل ارتبط بالشارع السوداني الذي له سجل حافل ومنهج نجح فى ثلاث سياقات ثورية عظيمة، لكن ظلت الانتكاسات تتراءى عقب ذلك لإغفال الإصلاح المنهجي والخطط الاستراتيجية التي اهمها وحدة افكار ومواقف القوى السياسية مع الشارع الثائر .