كتب: الجميل الفاضل
ليس صدفة أن دراسة علمية عن أصل الأجناس أعلنت جامعة أوكسفورد قبل يومين فقط من نهاية العام (٢٢)، عن نتائج لها توصلت الي إن أصل الإنسان يعود إلى المنطقة الواقعة مسافة (500) كيلومتر شمال الخرطوم.
الدراسة نشرتها مجلة العلوم المرموقة “Science”.
بل ونشرت جامعة هارفارد الامريكية التي تعد من أهم المؤسسات البحثية والاكاديمية في عالم اليوم، ملخصا لهذه الدراسة علي موقعها الرسمي.
فضلا عن ان صحيفة “الاندبندنت” البريطانية قد اهتمت هي كذلك بنشر نتائج الدراسة على موقعها الاليكتروني.
وكذا فعلت صحيفة “التيليغراف” البريطانية التي نشرت ملخصا وافيا للدراسة المثيرة.
المهم فقد أثبتت الدراسة التي أجراها علماء من جامعتي اوكسفورد البريطانية، وهارفارد الأمريكية، هذه الحقيقة العلمية، بعد أن تمكن الباحثون في معهد “Big Data” بجامعة اوكسفورد من وضع خارطة متكاملة للروابط الجينية بين البشر، ورسم أكبر شجرة عائلة عرفها التاريخ، مكنتهم من تحديد متى؟ وأين عاش اسلاف البشر الاوائل؟، ليتوصلوا في النهاية الى ان أقدم السلالات البشرية عاشت في السودان قبل مليون سنة، وليس قبل 250 الف او 300 الف سنة كما كانت تقول التقديرات من قبل.
وقد تطلب ذلك الجهد استخدام (3609) تسلسل جيني، من (215) تجمع سكاني، تعود الى ما بين الف سنة و100 ألف سنة.
حيث استخدم العلماء تقنيات جديدة وخوارزميات مكنتهم أخيرا من التوصل الى شبكة تتألف من (27) مليون من الأسلاف.
قبل الرجوع لفحص الحمض النووي ل(66) شخصا عاشوا في السودان الشمالي قبل الف عام، ليتوصلوا من ثّمَ الي أن ارض السودان وتحديدا منطقة “كلبنارتي” هي مهد البشرية الاول.
وأن الهجرات البشرية قد انطلقت من هذه المنطقة تحديدا.. شرقا الى آسيا، ومنها الى أوربا وامريكا الشمالية، عبر مضيق “بيرينغ” الذي يفصل، ولاية الاسكا الأمريكية عن شمال روسيا، ويقول بروفسر كندرا سيراك من جامعة هارفارد الأمريكية: “ان ديار النوبة حضنت الجنس البشري لآلاف السنين، وأن الهجرات في كل الاتجاهات انطلقت من هناك”.
في ذات اليوم تقريبا الذي اعلنت فيه ” اكسفورد وهارفارد” عن ان السودان هو أصل البشرية، نشرت مجلة “ناشيونال جوغرافيك” مقالا للباحثة “بايما تومسون” تقول فيه ان حكام النوبة الغامضون بنوا مئات المقابر والمعابد التي تنافس مقابر القاهرة.
مشيرة الي ان ملوك العهد الغامض من الفراعنة السود غير المعروفين قد بنوا (٢٥٥) هرما تساوي ضعف عدد الاهرامات التي شيدتها مصر في الجوار، لتصف تومسون المكان الذي زارته مؤخرا بانه اكبر مخبأ للاهرامات في العالم.
وتورد الكاتبة ان لافتات الشوارع والاعلانات واللوحات التي كانت تعرض في وقت ثورة (٢٠١٩)، قد جمعت الناس علي احساس بالهوية يرتبط بهذه الاهرامات.
وتشير “بايما” الي ان المؤرخ هيرودوت تصور ان جوا من التحدي نشأ بين هذه الهياكل لكي تصمد امام الرمال التي تحاول ابتلاعها، في حين أن عمل مقاومة جبار هو الذي ادي الي بنائها في المقام الأول.
وتمضي الكاتبة الي القول: ان التمرد في ذلك الوقت قد ادي إلى عصر جديد من الثقافة: تم به خفض مرتبة الإله المصري العظيم “آمون رع” لصالح إله الأسد “أبيدماك”، وتم إنشاء الخط المرَّوي (الذي لم يتم فك رموزه الي الآن).
قبل ان يبدأ حكم الملكات المحاربات، المعروفات باسم “kandakes” علي الجيش.
فداخل القبور، تقف منحوتات الملوك أطول من الآلهة.
لن ترى ذلك في مصر.
هنا، كان الملوك يسيطرون على كل شيء ما عدا الموت.
إنها رسالة قوية ألهمت موجة جديدة من الفخر الوطني، تمامًا كما كانت اليونان القديمة مصدرًا للكثير من الثقافة الأوروبية الحالية، وكذا شكلت روح النوبة السودان.
إنها حجر الأساس الذي لا يزال يشكل الشعور بالذات والهوية في البلاد.
وتختتم طومسون مقالها بالقول : إن فهم هذا التاريخ يشير إلى طريق للسودان يقوده للمضي قدمًا.
لتثبت في المقال ل “آية علام”، فنانة سودانية مقيمة في الخرطوم تقول: “لقد كانوا ملوكًا وملكات مشهورين للغاية”.
“إنها تذكير بأننا كنا ذات يوم أمة عظيمة ويمكن أن نصبح عظماء مرة أخرى.”.