بقلم : محمد بدوي
في يوليو ٢٠٠٤ نشرت منظمة العفو الدولية تقريرا عن الاغتصاب سلاحا في الحرب، العنف الجنسي والعواقب المرتبة عليه، صدر التقرير عن حالة اقليم دارفور آنذاك، صاعد الامر من الاهتمام العالمي بالحالة، فارتفع الضغوط على الخرطوم، باعلان المحكمة الجنائية الدولية تحقيقات، لجأت الخرطوم إلي تشكيل المحكمة الخاصة بأحداث دارفور في ٢٠٠٥ برئاسة مولانا محمود أبكم، نظرت المحكمة عدد محدود من القضايا التي تخضع لاختصاص المحكمة العامة في الاساس دون الاقتراب من الانتهاكات في شكلها الممنهج.
كان قد كونت لجنة وطنية للتحقيق برئاسة الراحل مولانا دفع الله الرضي، كما اصدر الاتحاد الافريقي تقريرا عقب تحقيق لجنة برئاسة القاضي كسياس ، ضربت الخرطوم عرض الحائط بالتوصيات الي أن أعلنت المحكمة الجنائية الدولية أوامر قبض في مواجهة عدد من المسئولين الحكوميين بما فيهم الرئيس المخلوع عمر البشير ،سياق الأحداث كشف عن ممارسة العنف الجنسي بشكل ممنهج لكن استمر رد الخرطوم عبر مواجهات اعلامية تحت دوافع التكذيب والمؤامرة على الدين
رد الفعل الجوهري كشف عنه عراب الاسلاميين الدكتور خسن الترابي عبر عدة تصريحات اتسمت بالسخرية السياسية من حملة تحدي المحكمة الجنائية، أما عن الانتهاكات الجنسية فذهب إلي الرئيس المخلوع حدث شخصا موثوقا بان اغتصاب” ركوب” إمرأة تنحدر اصولها من دارفور من رجل تنحدر اصوله من قبيلته ” يظل الاسم سالم “اليس شرف لها!، الاجابة هي أن الانسان لم يكن محورا في السياق الأيديولوجي للتنظيم الاسلامي ، لان حديث الترابي ليس عن معارض سياسي من اليسار أو عن حدث في عهد سابق بل كان نقلا عن قمة راس الدولة السياسية عبر عراب التنظيم الذي ” دفع به للقصر رئيسا وذهب هو للسجن حبيسا” بالإضافة الي ان الخلاف بينه والبشير تمركز حول السلطة, فانقسام ١٩٩٩ ليس حول الافكار فرغم الاجنحة السياسية ظل هناك تنظيم واحد باسم الحركة الاسلامية السودانية، كما لم يكشف الترابي الحديث في سياق بقصد الاصلاح أو مناصرة الضحايا، لغة التصريح والجسد رجحا، قصد الكيد السياسي “شيل الحال ” ، والا لاختلف الحال الي الاعتذار ممن هو في مقام العراب عن ما صدر من تلميذ له تحت مظلة الفكرة ! خلاصة ما كشف عنه انذاك ليس سوي البيان الثاني المقابل لبيان انقلاب ٣٠ يونيو١٩٨٩ وانها ” ليست لله” .
إذن من خلال ذلك يمكننا الوقوف على الاسباب والدوافع الرئيسة وهي انفصام عري العلاقة بين المشروع الحضاري و حامله ، والإنسان السوداني، عزز من الانتشار الواسع والاستخدام كسلاح في الحرب فلسفة التمكين المستندة على ” الغاية تبرر الوسيلة” ولا تغيب عن حصافة القاري بان الغاية هي السلطة المطلقة.
أخيرا: لم يعد الاغتصاب سلاحا في الحرب فقط ، بل سلاحا في كل الاحوال والامكنة مواجا الي أجساد الشعب السوداني، كان من الممكن التقدم خطوة نحو للأمام عقب سقوط نظام الحركة الاسلامية لكن انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ أعاد الحال الي الوراء كثيرا فانتجت تحولات تدمي الضمير الانساني ، فما بين ٣٠ يونيو و ٢٥ اكتوبر سجل سيظل حاضرا في ذاكرة الانسانية فقوم يبكون الطفل الفلسطيني محمد الدرة يثيرون دهشة الرصاصة التي اصابته في مقتل حين ترصد اعتدائهم على طفلة أخري.