بقلم : محمد بدوي
وردتني تعليقات من أصدقاء وقراء للمقال السابق “السودان بين أحوال “أبلده أم قاش” و” ودابوك ” وجدت من الموضوعي التركيز على تلك التي انصبت حول نقاش ما اشرت إليه عن طبيعة القوات أو بان قوام الضباط في الجيش يصنفون من البرجوازية الصغيرة، وقوام الجنود ووضعهم بين اختيار الجيش كوظيفة اختيارية ام كفرصة عمل وتأثير ذلك لاحقا على البنية الكلية ولا سيما بعد دخول علاقة القوات الرديفة والموارد الجديدة في السياق ، وهنا البداية لابد من أن تتعمد بالنظر الي طبيعة اخري وهي ان قوام الدعم السريع حيث ان السياق الغالب للقوات تنحدر مجموعات علاقات الإنتاج الرعوية بشقيها الإبل (رعاة الإبل ) والبقارة )رعاة البقر)، هذا دون اغفال ان هنالك مجموعات أخري انضمت إلي الدعم السريع من مجموعات مختلفة من المجموعة الزراعية والأخرى ذات النشاط المختلط رغم ان الغالب هو الزراعي مثل العبيد محمد سليمان ابوشوتال مك الهمج ضمن مجموعة الفونج بالنيل الازرق، عبدالله شغب، التجاني ومحمدين” الذين انضموا إلي الدعم السريع في وعقب ٢٠١٤ من حركة جيش تحرير السودان قيادة مني مناوي، هذا إلي جانب مجموعة من ضباط القوات المسلحة سواء الذين تم الحاقهم من قبل الجيش في الدعم السريع مثل اللواء عصام صالح فضيل واخرين، والذين التحقوا عقب فصلهم من الخدمة مثل العميد ركن أحمد محمد عمر والمقدم عبدالرحمن البيشي قائد الدعم السريع بولاية سنار وأخري تم استقطابها من بعض الذين استقروا حول بعض المدن الكبير ممن تأثروا بسوء ادارة الدولة اقتصاديا او الحروب المختلفة والذين قادت أحوال التحول الجديد الي تغيرات في طبيعة علاقات الانتاج فتحولوا الي العمل اليدوي على سبيل المثال وهؤلاء الراجح انهم فاضلوا بين الامتيازات المادية للدعم السريع مقارنة مع القوات الأخرى.
بالعودة إلي قوام الدعم السريع تمثل من الفئة العمرية للشباب، ما عزز التركيز الشبابي برز ايضا بشكل واضح في قوام المجموعات التي شاركت في حرب اليمن، رغم كل هذا طغت الثقافة المرتبطة بغالب القوام والتي ساهمت وسائل الإعلام البديل إلي ربطها كصفة في سياق الجلالات وهنا نقصد بها كسياق حتى في اوقات الفراغ لأن من رددوها ظهروا بالزي الرسمي للدعم السريع
بالعودة إلي الجيش فكما اشرت في المقام السابق إلي أن ارتباطه بالمليشيات ولا سيما المراحيل في ١٩٨٤ الذين انصب مقابل مشاركتهم هو ما يسلبونه بفعل السلاح فظهرت مقولات
أم باغة
المات شهيد
والحي مستفيد “
هذا السياق كان يمكن أن يصبح جزء من التاريخ لولا غياب العدالة الانتقالية في سياق اتفاق السلام الشامل ٢٠٠٥، من جانب واعتماد المواجهة العسكرية في صراع دارفور٢٠٠٣ بدلا من الحلول السياسية المتسقة مع اسباب ودوافع الازمة، ذات القاموس حمل لفظ جنجويد والذي اختلفت المصادر في اصوله ونشاته لكن ارجح التصاقه كتصريف ل” جن راكب جواد وشايل جيم”، وهذا الترجيح مرتبط بثقافة الصراع وقاموسه ففي ١٩٨٦ تم اطلاق حملة خصصت لها قوات شرطية عرفت بمكافحة النهب المسلح وكذلك ما عرف بالشرطة الظاعنة او قوات مسارات الرعي “المراحيل” فسرعان ما اطلق عليها ب” البشمرقة ” في اشارة لعدم احترافها واقترابها من المجموعات الهشة عسكريا، بينما حين ظهرت الشرطة الشعبية دفع نحوها ب ” الشيشان”، الراجح لأنها كانت محل سخرية غير معلنة من قوات الشرطة العامة، مع بروز الحركات المسلحة الدارفورية اطلقت عليها الذاكرة الشعبية على الحركات والمجموعات المنحدرة من اصول مشتركة مع غالب قوامها اي مجموعة علاقات الانتاج الزراعية ب” التوربورا” الغالب ارتباطها بالمناطق الجبلية في فترة تأسيسها الاول كمقار عسكرية وهنا لابد من الإشارة إلي أن سلسلة انتصاراتها الاولي عقب تأسيسها ولا سيما في الفترة (٢٠٠٣- ٢٠٠٤) دفعت بجلالة على ايقاع المارشات ظلت تردد من المناصرين للحركات ولا سيما فئة النساء والصبيات ونسية للرقابة الامنية ظل ترديها في المدن يتخذ حذرا كبيرا لكن ابداع الصبيات جعلنه جلاله مساندة اثناء القيام بالأعمال المنزلية مثل الكنس لتردد مع ايقاع المكنسة
هوي يا عشه
جيبي المقشة ” المكنسة”
التوربورا خش
العسكري نط
هي الله ”
ولعل الرقيب باعد بينها والانتشار كثيرا فاقصي محفز الانتشار والاستمرار في انتاج جلالات أخري، على عكس الجيش الذي كان يجد مساندة في استلاف جلالات من الغناء الشعبي ولا سيما تلك التي ترتبط بالبهجة والإقبال على الحياة .
” بالليل ده ماشي وين
بالليل ده ماشي وين
بالليل ده ”
أرخت الجلالات لتحولات كانت يمكن أن تحدث لولا استمرار الحروب المسلحة الداخلية ففي فترات ظهرت جلالة لدي الجيش
” ولدي صغير لازم نعملوا
يبقي مدرس لازم نعملوا
يبقي لي مهندس لازم نعملوا
علموا
علموا
علموا ..لي”
هنا نلاحظ الإصرار في ترديد ” علموا “في نهاية الجلالة لعدة مرات في الغالب تصاحبها صفقة بالأكف في مقام التحفيز .
في صورة متصلة رغم الاختلاف في الهدف لكنه ينصب نحو طرف ثالث ايضا لدي الدعم السريع .
هاكي سوقي
عشان أم قرون .
بركب الحديد بوكسي
أركبي جنبي
هاكي سوقي .
ولعل المحاولة لإدخال الحبيبة في السياق وتحقيق حلمها بركوب السيارة “البوكس” فهي تمثل مرحلة تحقيق الحلم بعد أن كانت في محل للغناء في الاغنيات الشعبية
” رمزه
يا رمزة
الفي الرقيص
تتني ..كده ، كده
السكسي الخاشي الزلط”
السكسي اشارة إلي موديل من شاحنات ماركة نيسان ظلت تعرف شعبيا بالسكسي اشارة إلي تميزه بست اطارات عن سابقه ذو الاربعة اطارات
في تقديري قاد واقع التحاق ابناء الجنود بالمدارس التي تلحق بالمناطق العسكرية، اضافة إلي التصاق في بعض الاحيان بين قشلاق او بركس الضباط والجنود إلي تعزيز الجلالات مثل
” يبقي لي مدرس
يبقي لي مهندس
علموا ، علموا ، علموا لي ”
في اقتراب من واقع يضع المهندس على سبيل المثال في فئة الضباط كبرجوازية صغيرة.
أم قرون ..تركب البوكسي واقع لا يمكن اقصاءه بالنظر إلي اقتصاد الازمة سلبا وايجابا فأزمة دارفور اتاحت فرصا للمنحدرة اصولهم من المجموعة الزراعية إلي الالتحاق بوظائف في بعثات الامم المتحدة، بعثة حفظ السلام المختلطة ” اليونامد ” بدارفور والمنظمات الاجنبية والوطنية بينما انقلبت فكرة العقاب الجماعي لتشمل بحكم الانتماء المشترك للمجموعة الرعوية في ارتباط في اشتراكهم في علاقات الإنتاج مع المجموعات التي انحدرت منها ” الجنجويد – استخبارات حرس الحدود- حرس الحدود إلي الدعم السريع ” في السياق الزمني لازمة دارفور، ولعل الإحصائيات قد تشير إلي أن الموظفين الوطنيين باليونامد قبل انهاء تفويضها بلغ المئات , هذا قد يفسر ظهور افراد ضمن الدعم السريع ولا سيما في المقاطع التي تحملها الميديا بما يشير إلي خطابهم المرتب، الذي يدفع بسؤال على نسق ما اشرنا إليه في المقال السابق والذي استلفنا فيه من الراحل محمد الحسن سالم حميد ” يا اسماعين ما كأن الديش سد مسامعك بالجبخانة لو المجلس قبل اوراقك او في الثانوي لقيت لك خانة”، وهنا اسماعين يظهر ك” ود ابوك .”
الخلاصة: الجلالات المختلفة تمثل سياقات تعبيرية تدفع بأسئلة العدالة الاجتماعية، وعسكرة المجتمعات، وتلاحم عشه مع التوربورا وهي الفئة الغالبة في معسكرات اللجوء والنزوح، احلام التعليم للأبناء، وأحلام أم قرون بركوب البوكسي” مع الانتباه إلي أن أم قرون أخرى رددت تجاه الذين نجوا من الموت في اليمن وعادوا بثروات مالية
” لو ما يمني
ما تضيع زمني ”
ختاما: الجلالات تطرح اسئلة ما بعد الحرب في تفاؤل وملفي الجيش الوطني الموحد المهني، ومصير فئة الشباب “من المراحيل ، حرب الجنوب، الدفاع الشعبي ، الخدمة الوطنية وصفوف داعش ” ثم ” ثوار لجان المقاومة بثورة ديسمبر المجيدة ٢٠١٩ ” وصولا إلي ” أبلده أم قاش و ودابوك” والتنمية البشرية لأن أم قرون عقب أن تركب البوكسي لابد أن تكون هنالك مهنة لتوفير العيش الكريم فبعد الحرب “تفاءلا” سيكون هنالك متسع للأغنيات الوطنية والشعبية وأغاني السيرة وشعار ثورة ديسمبر المجيدة
حرية
سلام
وعدالة، “عدالة اجتماعية وانتقالية ، وطن نباهي به “