سلاميديا : وفاق التجاني

 

 للسودان تاريخ مظلم في تحويل أجساد النساء لساحات قتال تكاد لا تخلو الحروب التي دارت في كل بقاعه من استخدام العنف الجنسي كسلاح، كانت ذروتها في حروب دارفور منذ العام 2003 وانتهت بالخرطوم في العام 2023.

تعيش نساء السودان قلق بالغ بسبب الحرب التي تدور رحاها في الخرطوم وعدد من الولايات الان ، بعد ان اصبح استهدافهن من قبل العسكريين أمر في غاية الوضوح، إذ أصبحت للمعركة حلبتين واحدة في شوارع الخرطوم واخرى على اجساد النساء.

 

واشتعلت شرارة الحرب في الخرطوم في 15 أبريل 2023، بين الشركاء العسكريين بهدف الاستيلاء على السلطة وشملت المعارك فيما بعد عدد من الولايات، من بينها دارفور والتي تعتبر من مناطق الهشاشة، وخلفت الحرب مئات القتلى وآلاف الجرحى، وعدد كبير من حالات العنف ضد النساء لاسيما العنف الجنسي.

 

وبحسب آخر البيانات لوحدة مكافحة العنف ضد المرأة اصدرته في السابع من اغسطس 2023، والتي تترأسها د. سليمة اسحاق.،”وهي وحدة حكومية مهتمة بحصر حالات العنف الجنسي وتقديم العون للناجيات، وتعمل كجسم ضغط مطلبي” فقد سجلت أربع حالات عنف جنسي جديدة، ليبلغ إجمالي الحالات الموثقة لدى الوحدة في الخرطوم (60) حالة.

 

  كما سجلت (12) حالة عنف جنسي جديدة في معسكر “كلمة” للنازحين بجنوب دارفور، من بينهما حالة توفيت نتيجة مضاعفات الاعتداء الشديد، وقالت بحسب بيان لها انه ” أفادت الناجيات أن الجناة في جميع هذه الحالات كانوا عناصر من قوات الدعم السريع وهي جرائم تأتي في سياق “التحقير العرقي”. مع تواتر الإفادات بشأن حالات عنف جنسي في نيالا وتزايد حالات الاختفاء القسري للنساء والفتيات من دون أي تحرك فعلي على الأرض” .

وحذر صندوق الأمم المتحدة للسكان من تداعيات الصراع على النساء والفتيات في السودان،وقال الصندوق في بيان صحفي إن النساء والفتيات تُرِكن ليعانين من أجل الحصول على خدمات الصحة الإنجابية والحماية المنقذة للحياة.

وأضاف أن المخاطر التي تحدق بالنساء والفتيات، بما فيها العنف القائم على النوع الاجتماعي والاستغلال والاعتداء الجنسيين، ارتفعت في وقت تعطل فيه الحصول على الخدمات والدعم بشكل بالغ، وأفاد الصندوق بأن خطر التعرض للعنف الجنسي يزيد بشكل خاص عندما تتنقل النساء والفتيات بحثا عن مواقع أكثر أمانا، سواء داخل السودان أو عبر الحدود

 

فيما أفاد مصدر بلجان مقاومة “جنوب الحزام” فضل عدم ذكر أسمه، ان النساء تعرضن لعنف غير مسبوق في هذه الحرب، لافتا أن عدد من الضحايا فارقوا الحياة، وقال انه كان شاهدا على وصول حالتي اعتداء إحداهما قد فارقت الحياة بعد خمسة أيام من المعاناة . 

 

ولفت ذات المصدر أن الفتيات بجانب العنف الجنسي من قبل العسكريين يواجهون خطر الهشاشة الامنية، مؤكدا ان هناك بعض المعنفات من قبل المجرمين غير المنظمين، حيث رصدت لجان المقاومة في المنطقة، حالة اختطاف فتاة تبلغ من العمر ٢١ عاما وتم ذلك بالقرب من مركز الشرطة. 

 

وقالت عضو محامي الطوارئ رحاب مبارك، وهو جسم قانوني يتصدى للدفاع عن الثوار السودانيين في حالة الاعتقال قالت “تركزت حالات الاغتصاب في الخرطوم وزالنجي والجنينة فيما لم يستطيعوا حصر الحالات هناك بسبب سوء الاتصال والعزلة التي تعيشها المدينتين” . 

 

وقالت إن عملية الاغتصاب ظلت سلاحا ضد النساء وضد المدنيين حتى قبل الحرب وكانت تمارسها قوات الاحتياطي ضد الفتيات والثوار الذين كانوا يطالبون بالتحول الديمقراطي، وفي هذه الحرب كذلك أصابع الاتهام تشير لعدد من الجناة بينهم أفراد يتبعون للجيش السوداني وآخرون يتبعون لعصابات اجرامية بحسب تعبيرها إلا أن النصيب الأكبر كان لقوات الدعم السريع. 

 

وقالت بحسب الاحصائيات التي تحصلوا عليها فإن عدد حالات الاعتداء الجنسي تركزت في مدينة بحري وبالنسبة لكبار السن والاجنبيات فقد حدثت بشكل كثيف في امدرمان وكذلك لم تنجَ الطفلات من هذه الانتهاكات، مؤكدة أنه قد حدثت حالات حمل لهؤلاء الضحايا. 

 

وقالت “هذه الجرائم تستحق الادانة وان محامو الطوارئ بصدد رفع تقرير مفصل ومذكرة للمحكمة الجنائية الدولية لادانة هذه الانتهاكات ونسخة منها كذلك للمحكمة الإفريقية ” . 

 

وللسودان تاريخ طويل مع استخدام العنف الجنسي كسلاح، وبحسب رئيس منظمة إنهاء الإفلات من العقاب عثمان علي جماع فإن استخدام هذا السلاح جاء بشكل ممنهج منذ زمن بعيد فقد استخدمته قوات الجنجَويد في حرب دارفور 2003 بدعم من الجيش السوداني

 

 مؤكدا ان الدولة السودانية كرست لهذه العمليات، وأن هناك وحدة في جهاز الأمن السوداني مختصة بهذه الانتهاكات، وهذا بعد دراستهم العميقة لنفسية الشعب السوداني التي ترفض الإذلال وخدش الحياء والشرف، وأفاد كذلك أن هناك تقارير أممية أثبتت وادانت تورط الجيش السوداني نفسه في منطقة تابت وطويلة والتي تعرضت لعملية عنف جنسي جماعي لنساء هناك،. 

 

ولفت ان هناك عمليات اغتصاب وهي موثقة، وشدد على أنه لا يمكن التوصل لنتيجة في هذه الاثناء،. بسبب الاقتتال الذي ما زال قائما وهذا يصعب عمليات التأكيد والإحصاء كيفية الإثبات والأشخاص المسؤولين من العمليات هل هو احد اطراف النزاع او الاثنين معاً؛ َوهذا ما يحتاج لمركز تحقيق متكامل. 

 

مؤكدا ان المرحلة القادمة تطلب عملا كثيفا وخاصة من قبل المنظمات المحلية والوطنية، والتي لها خبرة بطبيعة المجتمع السوداني، والمنظمات الدولية الحقَوقية والتي تتمتع بالشفافية والحياد. 

 

فيما تؤكد الباحثة الاجتماعية يسرا احمد عثمان، أن الصراع في السودان الآن له طابع ثقافي و ديمغرافي ، ونصحت أن تهدف استراتيجية الدعم النفسي لتخليص الناجيات من الآثار النفسية للانتهاك باتباع طرق تساعدهن في النظر لهذا الانتهاك كجريمة جردتها فقط من أمنها واحساسها بالكرامة وربما بعض الآثار الجسدية، ولكن لم تجردها من قيمتها ولم تحولها الى عديمة قيمة كما تفترض ثقافة النظام الاجتماعي فهذا محور التشافي نفسياً من الوطأة القاسية لهذه الجريمة. 

وشددت على ضرورة تفعيل وسائل تشرف وتراقب عملية اتباع استراتيجية الدعم النفسي هذه أيضاً بالرغم من انهيار النظام الصحي بعدد من مناطق الحرب ينبغي المساهمة في جبر الضرر عبر تقديم رعاية صحية للناجيات من الانتهاكات الجنسية في المناطق التي لم تجتاحها الحرب بتدخل ومساهمة المسؤولين الحكوميين فيها ، المنظمات ، حركات التغيير الاجتماعي ، الفاعلين و الأطباء والعاملين بالحقل الصحي.

تضمن الكشف والفحص المتعلق بـ ضحية العنف الجنسي، والبدء في تقديم العلاج اللازم في حالة تعرضت لمرض منقول جنسياً أو حمل. 

مشيرة لضرورة أن تمضي عمليات الدعم الصحي والنفسي  

على خصوصية تحمي الناجيات من التعرض للوصمات التي تفرزها أحكام النظام الاجتماعي وثقافته المعتلة عن النساء والتي قد تفاقم وضعهن النفسي نحو الأسوأ. 

ولفتت لضرورة إعادة هيكلة مؤسسات الدولة في مقدمتها المؤسسة العسكرية وفقا لثقافة الديمقراطية بدلاً عن عقيدة الإسلام السياسي والثقافة الإسلاموعروبية، مؤكدة أنه للمضي قدماً نحتاج إلى قطيعة تاريخية شاملة مع التراث السياسي

إلى ذلك شدد عدد من المهتميين بقضايا العدالة بضرورة وقف الحرب وفتح ممرات انسانية لايصال المساعداتََ، كما ناشدوا منظمات أممية ومحلية للتجهيز للعمل على تحقيقات تضمن العدالة للضحايا والعقاب الرادع للجناة. 

واستمرت الحرب في السودان لأكثر من ثلاثة أشهر نزح جراءها ثلاثة ملايين شخص، 

ونزح داخلياً أكثر من 2.4 مليون شخص ، بينما فر أكثر من 730 ألف شخص فروا لدول الجوار، وذلك بحسب المنظمة الدولية للهجرة، فيما هناك تحذيرات أن تتحول هذه الحرب لحرب اهلية مع زيادة فجوة الأمن الغذائي وخطر الهشاشة الامنية