تقرير اكرم عبدالنبي
بالرغم من ان نيران الاشتباكات بين قوات الدعم السريع و القوات المسلحة لم تطال الاقليم حتى الان، الا ان الاضرار الاقتصادية والاجتماعية والامنية التي لحقت به جراء حرب 15 ابريل 2023م تعد الاكبر و الاكثر تأثيرا في تاريخه. فقد مثل سقوط مدينة ود مدني في يد قوات الدعم السريع قاسمة الظهر للاقليم، سيما وهي المدينة التي تعتبر الشريان الاقتصادي الرئيسي الذي يربط الاقليم بالعاصمة القومية و وميناء البلاد. و جراء ذلك تفاقمت الازمة الاقتصادية في الاقليم بسبب شح البضائع الواردة من الولايات، و الذي ترتبت عليه نفاد العديد من مخازن التموين المحلية بالاقليم؛ نسبة لعدم توفر وسائل النقل و الترحيل التي تأثرت هى الاخرى من شح الوقود .
ومن خلال الاستطلاع الذى اجرته (سلاميديا)، كشف الدكتور/ رضوان النيل كندة، عميد كلية الاقتصاد بجامعة النيل الازرق، ان مؤشرات الارتفاع الجنوني في اسعار السلع الاساسية والخدمات و ندرتها النسبية، بالاضافة الى ارتفاع الطلب الناتج من الزيادة الكبيرة في عدد السكان، بسبب تدفقات النازحين الفارين من جحيم الحرب في الخرطوم والجزيرة وسنار؛ كل ذلك يشير الى ان الاوضاع الاقتصادية للاقليم في اتجاهها نحو الانهيار، بما يرجح ظهور اثار اجتماعية سالبة في المستقبل القريب مالم تتوقف الحرب.
في سياق متصل ابان الاكاديمي المختص في شئون الاقتصاد و الدراسات المالية، الدكتور/ حسن حمزة، وكيل جامعة النيل الازرق، ان الاوضاع الاقتصادية الراهنة بالاقليم ستزيد من معدلات الفقر و ستناقص من قدرة الحكومة في تقديم الخدمات للمواطنين .
في ذات الصدد اوضح الباحث الاكاديمي في مجال في تنمية الصادرات الاستاذ/ بهاء الدين مختار، ان مظاهر الضائقة الاقتصادية القائمة حاليا تتمظهر في عدة جوانب:
اولا: ارتفاع معدلات التضخم وضعف ايرادات الحكومة المحلية بسبب عدم استقرار شبكات الاتصال و الانترنت التي اثرت بدورها على حركة النظام المصرفي الذي بات مشلولا بالاقليم.
ثانيا : فشل الموسم الزراعي الذي يعتمد عليه غالب السكان ليس فقط في توفير الغذاء وانما ايضا في توفير فرص العمل و ذلك بسبب تدهور الاوضاع الامنية وشح الجازلين والعجز في تمويل العمليات الزراعية وعدم توفبير مدخلات الانتاج كالتقاوي والمبيدات العشبية كما تسبب انعدام المبيدات الحشرية في فقدان مساحات مقدرة من محضول الذرة الي تعرض للتلف بسبب انتشار الافات خاصة الجراد والدودة الامريكية.
ثالثا : تدني كبير في اسعار السلع المنتجة محليا خاصة الموز والمانقو والخضروات والمنتجات الغابية وغيرها من السلع المحلية بسبب ارتفاع تكلفة الانتاج والنقل وتدني الطلب بسبب توقف الصادر وانهيار الاسواق التقليدية الكبري المستهلكة لسلع الاقليم في الخرطوم ونيالا ومدني وغير من المدن التي هجرها السكان بسبب الحرب .
رابعا: تدني القوة الشرائية كنتيحة طبيعة لتفشي الفقر الحاد وتجفيف مصادر الدخل التقليدية للسكان كنتيجة لفشل الموسم الزراعي وموسم المنتجات الصيفية وعجز حكومة الاقليم عن دفع مستحقات العاملين في ديوان الدولة لعام كامل.
خامسا : الفشل الكبير الذي لازم عمليات طق صمغ الهشاب والطلح والكاموت والترتر واللبان بسبب ارتفاع اسعار الوقود وانعدام الامن وعجز التمويل وتدني الطلب علي المنتجات المحلية.
سادسا : تراجع التجارة الحدودية التي تشكل مصدر الدخل الرئيسي للسكان علي طول الشريط الحدودي مع اثيوبيا بسبب التوترات الامنية بين البلدين.
و اخيرا : فشل غالب البنوك الموجودة بالاقليم في اجراء التحويلات المالية وتوفير السيولة النقدية وتمويل العملاء وذلك بسبب انهيار النظام المصرفي وتدني خدمات الاتصالات وخروجها المتكرر عن الخدمة.
و فيما يتعلق بالتغيرات السياسية التي احدثتها الحرب بالاقليم، قال بهاء الدين، ان الحرب قد خلقت واقعا سياسيا اقل ما يوصف بالمعقد. و انها تسببت في استدامة حالة الطواري ومصادرة الحريات واصرار السلطات علي تقليص الفضاء المدني بغرض اعاقة نمو المجتمع المدني الناهض بالاقليم؛ لحد من دوره الكبير الذي كان يلعبه في مجال تقديم الخدمات الاساسية والتوعية بالحقوق والواجبات، وتحريك المجتمعات وتعزيز التعايش السلمي والسلام المجتمعي؛ مما جرد الاقليم من اهم عناصر القوة لتحقيق السلام والاستقرار واهدر فرصة ثمنية للنهوض بسكان الاقليم وترك فراغا كبيرا وضع الاقليم في عين العاصفة على حد قوله.
و اضاف بهاء الدين، ان اجواء الحرب والخطاب العسكري التعبوي والحملة المسعور ضد كافة المناديين بوقف الحرب واستخدام الطواريء لتهديد ومعاقبة الخصوم السياسين في اختفاء التنظيمات والاحزاب السياسية ليصبح النشاط السياسي حكرا علي الحركة الشعبية (عقار) وقادة المؤتمر الوطني المحلول الذين احتلوا كافة للفضاء السياسي دون منافس.
كما لفت بهاء الدين، الانتباه لما خلقته الحرب من حالة ذعر وخوف كبيرين لدى المواطنين، من احتمال اجتياح الدعم السريع للاقليم، قاد على نحو ايجابي الى تنامي الرغبة الشعبية في تهدئة الاوضاع علي جبهة القتال جنوب الاقليم مع الجيش الشعبي بقيادة جوزيف تكا وعلي اثر ذلك قامت العديد من المبادرات الشعبية اهمها مبادرة كنيسة السودان الداخلية ومجتمع الادوك بقيادة ماما راشيل التي زارت الاراضي الواقعة تحت سيطرة الجيش الشعبي لتبشر بالسلام ومبادرة المجتمع المدني والادارة الاهلية والتي تمكنت من عمل اختراق كبير في التواصل مع الحركة الشعبية قيادة جوزيف تكا.
و تطرق في معرض افادته الى فشل اتفاقية سلام جوبا بسبب الحرب؛ حيث عجزت الحكومة عن اكمال هياكل السطلة التنفيذية والتشريعية المنصوص عليها في الاتفاق، علاوة على غياب دور الدولة في الايفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين ؛ وفشل حكومة الاقليم في توفير اجور العاملين وفتح المدارس لعام كامل.
بالنهاية! و برغم تباين الاراء الا ان هناك شبه اتفاق حول حوجة الاقليم لتدخل انساني دولي عاجل، لتوفير المساعدات الإنسانية والاقتصادية للسكان المتضررين، وإعادة اعمار البنية التحتية وتشجيع الاستثمارات للمساهمة في إعادة الاستقرار الاقتصادي للمنطقة.