بقلم – اكرم عبد النبي 

يعتبر شهر يناير المنصرم 2024م، هو الاجل المسمى لانتهاء فترة اتفاق جوبا لسلام السودان، بحسب ما جاء في نص الاتفاق، بين حكومة الفترة الانتقالية واطراف العملية السياسية، على ان تكون مدة سريانه 39 شهرا من تاريخ التوقيع عليه في الثالث من اكتوبر 2020م. ويطرح ذلك، عدة اسئلة سياسية معقدة حول مستقبل السودان بشكل عام، سيما بعد الحرب السحيقة التي تدور رحاها الان، وحول مستقبل نظام الحكم في النيل الازرق على وجه الخصوص. منح الاتفاق ولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان/ جبال النوبة، حكما ذاتيا قسمت على اساسه انصبة الثروة والسلطة في هاتين المنطقتين، بموجب ما جاء في نص الفصل الثالث من مسار المنطقتين ـ المادة (8) حول نظام الحكم في المنطقتين التي تقول: “اتفق الطرفان انه دون المساس بوحدة السودان شعبا وارضا او السلطات الحصرية او المشتركة او المتبقية المنصوص عليها ضمن هذا الاتفاق، تتمتع المنطقتين بحكم ذاتي تمارس فيه السلطات المنصوص عليها في هذا الاتفاق” انتهي الاقتباس؛ وهنا يكمن الاستفهام الاول؛ حول ما هو مصير الحكم الذاتي في النيل الازرق؟ وهل انقضاء اجل اتفاق سلام جوبا بالضرورة يعني انقضاء اجل الحكم الذاتي بالاقليم؟ ام شئ اخر؟ ومن الذي سيفصل ويبت في هذا الامر مع حالة السيولة السياسية والامنية التي تعيشها البلاد بعد حرب 15 ابريل 2023م؟ حيث عصفت الحرب بدوستورانية الدولة و ألغت نظاميتها Order of State  بالاساس.

في هذا الصدد تواجه الحركة الشعبية في النيل الازرق،  منذ احداث الاقتتال القبلي بين مجموعتي الفونج و الهوسا ازمة مشروعية سياسية واجتماعية حادة نظرا لادارتها الشائنة والمتراخية لذلك النزاع، حيث كان يتهمها البعض بالتحيز لصالح مجموعة الهوسا، والبعض الاخر بضلوعها في اشعال الصراع. على نحو دفع البعض للمطالبة بفتح اتفاق سلام جوبا من جديد وتعديله لتوسيع دائرة المشاركة في حكم الاقليم، وسط مطالبات اخرى اعلى صوتا بتجميد سلام جوبا مسار النيل الازرق والغاء العمل به تماما.

وصلت ازمة هذه المشروعية أوجها لحظة اضرام المواطنيين للنيران في مبنى امانة حكومة الاقليم نهار 23 اكتوبر 2022م احتجاجا على عدم سماع السلطات الاتحادية لمطالبهم باقالة الحاكم. وهنا يكمن الاستفهام الثاني؛ بانه لطالما كانت الحركة الشعبية تواجه رفض شعبي اثناء فترة سريان الاتفاق؛ فما بال، بعد انتهاء مدة صلاحيته؟ بوصفه منتجا معلبا كبقية المعلبات رديئة الصنع.

 منح الاتفاق ايضا، الحركة الشعبية ـ شمال / الجبهة الثورية، شرعية حكم الاقليم بمعية الحرية والتغيير بنص المادة (30) من الفصل الثالث المتعلق باتفاق السلام النهائي لقضية السودان بالمنطقتين “اتفق الطرفان على تمثيل الحركة الشعبية ـ شمال / الجبهة الثورية بمنصب والي/ حاكم في ولاية النيل الازرق ومنصب نائب والي/ حاكم في كل من ولاية جنوب كردفان/ جبال النوبة وولاية غرب كردفان ونسبة 30% من الجهازين التشريعي والتنفيذي في ولايتي النيل الازرق و جنوب كردفان/ جبال النوبة وولاية غرب كردفان حسب الوضعية المتفق عليها بشأنها. على انه في حال العودة الى نظام الاقاليم تحتفظ الحركة الشعبية ـ شمال / الجبهة الثورية بمنصب نائب حاكم في اقليم جنوب كردفان / جبال النوبة و غرب كردفان و نسبة 30% من الجهازين التشريعي و التنفيذي في الاقليم” انتهي الاقتباس. عمدت الحركة الشعبية عقب انقلاب 25 اكتوبر 2021م، الى الانفراد الكامل بحكم الاقليم (complete ruling)  ضاربة بالاتفاق عرض الحائط، لكن سرعان ما عدلت الى اشراك اطراف جديدة في الحكم بعد الحرب الحالية، مثل مجموعة نشطاء السلام، وبعض رجالات الادارة الاهلية و تكليفهم بمناصب تنفيذية عليا بغرض تحييدهم و تحييد المجموعات الاجتماعية التي ينتمون اليها من موقفهم الرافض لتربع الحركة الشعبية على عرش السلطة بالاقليم . و لاجل تخفيف المطالبة باقالة الحاكم، الذي اضحى فاقدا للمشروعية السياسية بعد تأييده الانقلاب. كما ذهبت في اتجاه منافي لقيم الحرية في التضييق على منظمات المجتمع المدني بين تجميد انشطتها و اغلاقها تارة، واعتقال اعضائها تارة اخرى؛ علاوة على اغلاق الفضاء السياسي بقانون الطوارئ و منع انشطة وفعاليات الاحزاب والجماعات. وهو ما عظم من حجم خسارتها سياسيا وبذلك كسبت جميع الفاعلين كأعداء في ذات التوقيت. فكيف ستستمر الان؟

وفيما يتعلق بالجانب الاقتصادي و قسمة الثروة بالمنطقتين، نص الاتفاق في المادة (16) الفقرة (1) التي تقرأ: “يقسم الدخل من عائدات الموارد الطبيعية والثروات المستخلصة والدخل الضريبي للولاية/ الاقليم والضرائب المفروضة في الولاية/ الاقليم بنسبة اربعين في المائة (40%) لحكومة الولاية/ الاقليم ونسبة (60%) للحكومة القومية لمدة عشرة اعوام”. وهنا لا يوجد استفهام واحد فقط، بل عدة استفهامات؛ لطالما ان الصراع بالاصل هو صراع حول الموارد و الثروة قبل السلطة في الاقليم. سيما و ان الاتفاق لم يحدد من الذي سيتحكم في السيطرة على هذا النصيب من الموارد في الاقليم لمدة عشرة اعوام، بالاخص بعد انقضاء اجل الاتفاق؟ فقد ارجأ الاتفاق هذا الشأن الى المؤتمر الدستوري الذي لم يقام  بسبب الانقلاب و لن يقوم بعد هذه الحرب في تقديري الشخصي. و يا ترى هل ستترك السلطات الاتحادية الحركة الشعبية للتصرف في موارد الاقليم وحصته كيفما تشاء بعد انقضاء اجل هذا الاتفاق؟ و هل المطامع ستنحصر في هذين المكونين الحاليين (الجيش السوداني و الحركة الشعبية) اللذان يمثلان سلطة الامر الواقع بعد الحرب؟ ألن يدخل حلبة الصراع، لعيبة جدد؟ محليين مثل الحركة الشعبية شمال / قيادة عبدالعزيز الحلو؟ او دوليين مثل الدولة المتربصة تاريخيا بالاقليم (اثيوبيا)؟ سيما و ان قضية سد النهضة متصلة بقضية الموارد في الاقليم. ماذا عن مصر؟ بل ماذا عن المواطنين في هذه المعادلة؟ هل سيتركون مواردهم تؤخذ وتقسم امام ناظريهم؟ ام سيتحركون لاجل الدفاع عنها؟ وكيف سيكون التحرك؛ سلمي ام مسلح؟ و الكثير الكثير من الاستفهامات.

بالمحصلة في هذا السياق ربما يفتح انتهاء اجل اتفاقية سلام جوبا الصراع حول منصب الحاكم الذي خصصته الاتفاقية للحركة الشعبية ـ شمال /الجبهة الثورية ، ويفتح شهية قادة الجيش السوداني وشركاتهم الاقتصادية في السيطرة علي الاقليم الغني بالموارد او ابتزاز الحركة الشعبية ومساومتها بمنصب الحكم مقابل السيطرة عليها وعلي موارد الاقليم.

اخيرا ليس المواطن و مصلحته جزءا من المعادلة التي ستتحقق على الارض الان، بل الاساس فيها سيكون تجميع المصالح المتقاطعة بين شركاء سلطة الامر الواقع الان في السودان بعد الحرب؛ وهو ما سيضع الاقليم في عين العاصفة و ربما يدفع به للتورط في حرب اقليمية لا تبقي و لا تذر بين مصر و اثيوبيا حول ملف سد النهضة ويقضي بذلك على كل امل لاستقرار الوطن و المواطن.