تقرير – سلاميديا

ما بين قرار الأمم المتحدة الرامي إلى رفع الحصار عن مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، والمبادرات المحلية، الإقليمية والضغوط الدولية لوقف الحرب في السودان؛ ظل الوضع في المدينة في تدهور مستمر بسبب اشتداد المعارك بين القوات المسلحة والحركات المساندة لها من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى. علاوة على ذلك، لم تتوقف الغارات الجوية على المدينة وولاية شمال دارفور، بالرغم من حظر الطيران المفروض على الإقليم منذ العام ٢٠٠٣م، ولا سيما العقوبات التي فرضها مجلس الاتحاد الأوروبي على قائد سلاح الطيران الطاهر محمد العوض الأمين التابع للقوات المسلحة السودانية. وكان من المأمول أن تشكل تلك الجهود الدولية والاقليمية والمحلية ضغطاً على أطراف الحرب لوقف القتال وإنقاذ أرواح المدنيين، إلا أن المعارك لم تتوقف ولم يجد المدنيون الحماية.

 

يرصد هذا التقرير إحصائيات المدنيين الذين قتلوا جراء المعارك بين أطراف الحرب في الفاشر، وأولئك الذين أجبرهم القتال على النزوح خارج المدينة، اضافة الى الذين يتهددهم خطر المجاعة، وعدم الحصول على الرعاية الصحية؛ بسبب تدمير القطاع الصحي، وفقا لتقرير حول معاناة المرضى وتدمير القطاع الصحي بالفاشر.

 

ضحايا المعارك

خلّفت المعارك المستمرة في مدينة الفاشر مئات القتلى جراء الإصابة المباشرة برصاص وقذائف أطراف الحرب. وأشارت منظمة أطباء بلا حدود، إلى أنها أحصت عدد 300 شخصاً توفوا بمستشفياتها بسبب الإصابة بالرصاص أو القذائف إثر اشتداد القتال في الفاشر، وتمكنت المنظمة من علاج أكثر من 2,170 جريحاً. وبحسب تقرير المركز الأفريقي لدراسات السلام والعدالة، فإن هجمات الدعم السريع على الفاشر تسببت في سقوط آلاف الضحايا ونزوح حوالي 90 ألف شخص.

فيما تقول الرواية الحكومية التي جاءت على لسان إبراهيم خاطر، مدير عام وزارة الصحة، بولاية شمال دارفور، إن عدد القتلى في مايو 2024م، بلغ 346 شخصاً، بينما بلغ عدد الجرحى 2,200 شخصاً، وهي الإحصائيات التي تم تسجيلها في المستشفيات،وكما أن هنالك قتلى تم دفنهم دون حصر.

وقال خاطر لـ سودان تربيون، في 22 يوليو 2024 م إن عدد القتلى منذ اندلاع الحرب في الفاشر بلغ 750 شخصاً و 4,700 مصاباً؛ غير أنه نقض قول لسودان تربيون في اليوم الذي يليه مباشرة بإعلانه لوكالة أنباء شينخوا الصينية، أن عدد ضحايا المعارك في الفاشر بلغ 600 قتيلاً، و4500 جريحاً، مع إشارته إلى أن أعداد القتلى أكبر من العدد المعلن بسبب عدم قدرة وزارته على الحصر. لاحظ فريق سلاميديا أن تصريحات مدير عام وزارة الصحة في الفاشر جاءت متضاربة، بيد أنها الرواية الحكومية الوحيدة.          

نتائج الحصار

تسببت الحرب الدائرة في مدينة الفاشر في وضع إنساني كارثي نجمت عنه مجاعة، وانتشار واسع لسوء التغذية الحاد وسط الأطفال، المسنين، النساء الحوامل والمرضعات؛ اضافة الى انعدام الرعاية الصحية جراء تدمير القطاع الصحي بالمدينة ومعسكرات النزوح التي حولها.

وقالت منظمة أطباء بلا حدود  قبل إعلان المجاعة بمعسكر زمزم الذي يقطنه حوالي 500 ألف نسمة، أن معدلات الوفيات بسوء التغذية في المعسكر منذ يناير 2024م بلغت حالتين وسط 10 ألف شخصاً يومياً، ما يعني أن الوضع تفاقم بعد اشتداد المعارك والحصار على المدينة. وبحسب وسائل إعلام محلية، فأن المعارك والحصار المفروض على الفاشر أديا الى انعدام الأدوية، إرتفاع أسعار السلع الاستهلاكية إلى أكثر من ثلاثة أضعاف، إغلاق معظم أسواق المدينة، انعدام السيولة النقدية، هذا بجانب تدمير أعداداً كبيرة من منازل المواطنين.

موجات النزوح

ووفقا لبيانات المنظمة الدولية للهجرة، فقد نزح حوالي 1.5 مليون شخص في ولاية شمال دارفور منذ بداية الحرب، وشملت الاحصائيات حوالي 18 مدينة من مدن الولاية.

 

مساعي تجنب الأزمة

ضمن المساعي المحلية، الإقليمية والدولية، جاءت مبادرة الأستاذ عالم عباس، ومبادرة حركة تحرير السودان قيادة عبدالواحد محمد نور، لتدارك الوضع الإنساني المتدهور بالفاشر. ودعت المبادرتين إلى خروج جميع أطراف الحرب من المدينة. ذلك بالاضافة الى المبادرة الإنسانية المشتركة بين حركة تحرير السودان، ورموز من قادة المجتمع السوداني، وعدد من أبناء مدينة الفاشر؛ علاوة على ذلك جاءت دعوات الأمم المتحدة للمفاوضات حول الملف الإنساني التي تستضيفها العاصمة السويسرية جنيف حالياً، ومساعي هيئة ايقاد والاتحاد الأفريقي والمبعوث الأمريكي توم بيرلو.

بناء على تحليل وقراءة البيانات التي وردت في هذا التقرير، فأن استمرار القتال في الفاشر ربما يؤدي إلى المزيد من القتلى والجرحى، زيادة حركة النزوح، بالإضافة إلى تدمير وانهيار المرافق المدنية، مما يزيد من حجم الكارثة. وبالنظر إلى طبيعة تكوين القوات المتقاتلة في المدينة فإن استمرار هذا الصراع على هذه الوتيرة ربما يؤدي إلى نشوب حرب إثنية بين المكونات الاجتماعية المختلفة، ذلك، لأن بعض أطراف الصراع عمدت إلى زيادة حدة الاستقطاب الاثني.

كل تلك المؤشرات تتطلب التدخل العاجل لإيقاف الحصار على المدينة، ووقف القصف المدفعي والجوي، وهو ما يحتاج إلى ضغط أكبر من المجتمع الدولي على جميع الأطراف، مع التزامه بتنفيذ تعهداته و قراراته التي أصدرها بخصوص إقليم دارفور.