سلاميديا: تقرير- فريق التحرير

يخرج الصديقان فتح الرحمن وعبدالحليم كل يوم عند السادسة صباحًا، يلتقيان عند زاوية بيت الأول في إحدى حارات “حي الثورة” في محلية كرري بمدينة أمدرمان شمال العاصمة الخرطوم، ومن هناك يذهبان راجلين في جولة قد تستغرق يومهما بأكلمه، متجولان من حارة إلى أخرى يتخيران الأشجار الباسقة التي يمكن أن تهبهما أغصانا وفروعا نابضة بالحياة تصلح للتحول إلى “حطب نار” بعد قطعها وجزها.

تكايا الثورات

يقول المتطوع الشاب فخري إبراهيم، إن حارتين فقط من حارات “حي الثورة” بأمدرمان تضمان أكثر من عشرة مطابخ جماعية أو كما تعرف محليا بـ”التكايا”.

ويضيف فخري في حديثه لـ”سلاميديا”: أعداد الناس الموجودين داخل حارات الثورة كبير جدا مقارنة بمن تمكنوا من النزوح إلى مناطق أخرى، إضافة إلى أن أعداد العائدين تزداد في كل يوم.

ويتابع قائلا: نعم الظروف المعيشية قاسية، وأسعار المواد التموينية فوق المتناول، والكل مغلول اليد بلا مال أو موارد، لكن تكاتف أبناء الثورة وتراحمهم فيما بينهم لم يدع أحدا في عراء الفاقة أو تحت رحمة الجوع.

يضيف فخري: في كل صباح تستقبل أي تكية من تكايا “الثورة” ما بين ثلاثمئة إلى أربعمئة شخص، يحظون جميعهم بـ”وجبة” تساعدهم في قطع مشوار يوم الحرب الطويل.

الحطابان

قال فتح الرحمن، وهو يشرح لـ”سلاميديا” ما يؤديانه هو وصديقه عبدالحليم: لجأنا إلى هذا العمل بعد تعطلنا بسبب الحرب. لا يوجد غاز للطهي في أمدرمان وإن وجد فبأسعار خرافية، كما أن أسعار الفحم تفوق الإمكانيات وغير متوفر أيضا، ولحل هذه المشكلة لجأ المواطنون ومشرفو المطابخ الجماعية إلى استخدام الحطب في إيقاد النيران للطهي، لذا ترانا في كل يوم نتجول من مكان إلى آخر لجمع الحطب الذي يساعد هذه المطابخ والتكايا على الاستمرار.

الحطاب الآخر عبدالحليم، أوضح لـ”سلاميديا” إنهم يدركون جيدا قيمة الأشجار وأهميتها، لذا فإنهم لا يقطعون الشجرة من جذعها ولا يؤذونها ويكتفون فقط بقطع الأفرع والأغصان الزائدة، أو كما يقول: “نهذبها ونحلق لها”.

المطابخ الجماعية

فطن السودانيون، لاسيما في العاصمة الخرطوم، في وقت مبكر بعد اندلاع الحرب إلى أن الحل الأمثل لمواجهة آثارها الاقتصادية السالبة على المواطن العادي هو العمل الجماعي، فكانت فكرة “التكايا – المطابخ الجماعية” التي انتشرت بشكل سريع بعد أربعة أو خمسة أشهر من اندلاع الحرب في كافة أنحاء الخرطوم.

وبحسب عضو لجان طوارئ أمدرمان “م. ف” فإن المطابخ الجماعية تعتمد بشكل أساسي على دعم السودانيين الموجودين في الخارج، مع إسهامات من هم بالداخل حسب مقدرته.

وقال “م.ف” لـ”سلاميديا” إن اعتماد المطابخ الجماعية على التحويلات البنكية عرضها للتوقف أكثر من مرة بسبب انقطاع الإنترنت وتوقف “تطبيق بنكك” للتحويلات البنكية.

وأشار إلى أن التوقف شبه الجماعي لهذه المطابخ في شهر مارس وأبريل الماضيين كان بسبب مشاكل التمويل، قبل أن تعاود العمل مرة أخرى بعد حل إشكالات التحويلات البنكية.

وعن مساهمات المواطنين والمواطنات المكتوين بنار الحرب في مناطق النزاع، قالت المواطنة “ف. ح” لـ”سلاميديا”: بعض الشباب يعمل في جمع المواد ونقلها كـ”الحطب والفحم وتحميل الجوالات”، وفي إعداد الطعام وتوزيعه وتنظيم الصفوف، أما النساء فيساعدن أيضا في إعداد الطعام وتجهيز الأواني وتنظيفها وتنقية الطعام “العدس والفول” وغيرهما، فالكل يحاول العمل وتقديم يد العون. وأضافت بنبرة حزن: “كلنا في الهم سوا”.

تحذيرات المجاعة

حذرت الأمم المتحدة في شهر يونيو الماضي من أن نحو 18 مليون شخص في السودان يعانون من الجوع الشديد، وأن 3.6 مليون طفل يواجهون خطر الإصابة بسوء التغذية الحاد.

وبحسب موقع منظمة اليونسيف، “حذرت ثلاث وكالات تابعة للأمم المتحدة وهي منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) وبرنامج الأغذية العالمي من التدهور السريع في أوضاع الشعب السوداني، وخصوصاً الأطفال، مع انهيار الأمن الغذائي جراء الحرب التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عام”.

ويضيف الموقع: “عمدت الوكالات المذكورة بشكل جماعي إلى حشد مساعدات إنسانية واسعة النطاق داخل السودان وفي البلدان المجاورة التي لجأ إليها أكثر من مليوني نسمة بحثاً عن الأمان”. إلا أن المواطن محمد خليل، من أبناء أمدرمان، يقول إنه لم يشاهد حتى الآن أي مساعدات أو مواد إغاثة.

 ويضيف في إفادة قصيرة لـ”سلاميديا”: هنا الناس يعتمدون على أنفسهم، نأكل من المطابخ الجماعية، ونساعد بالممكن، فـ”الجود بالموجود”.

نار التكايا

ارتبطت التكايا في الميراث الثقافي السوداني بخلاوى القرآن وبيوت المشايخ والأولياء. فنار “التكية – المطبخ” مثلها مثل نار “التقابة – القراءة” تظل موقدة لا تنطفئ أبدا. وإذا حضر إلى المكان أي شخص، سواء كان طالبا أو ضيفا عابرا سيجد المأوى والطعام المشبع وحماية العائلة الكبيرة.

يعود الحطابان عبدالحليم وفتح الرحمن كل يوم عند الساعة السادسة مساء، قبل أن تغيب الشمس. يدوران بما يحملانه من حطب على المطابخ الجماعية المنتشرة في حارات “حي الثورة” الكبير في محلية بحري بأمدرمان.

يقولان إنهما لا يأخذان مالا في مقابل جمع الحطب، ومثلهما مثل غيرهما يكتفيان بـ”الوجبات” التي تقدمها هذه المطابخ. ويضيف عبدالحليم: الحمدلله، نعمل ونأكل ونساعد الآخرين، ونواجه قذائف المدافع في صبر واحتساب”.

#الاحتطاب #أمدرمان #التكايا #حارات_الثورة