تقرير سلاميديا

تنص الفقرة الثانية من إعلان جده للمبادئ الإنسانية، على ضرورة احترام أطراف الصراع للقانون الإنساني الدولي والقانون  الدولي لحقوق الإنسان، ويشمل ذلك التمييز في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، الامتناع عن أي هجوم من المتوقع أن يتسبب في أضرار مدنية عرضية والتي تكون مفرطة مقارنة بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة. رغم ذلك فإن قصف الطيران الحربي التابع للقوات المسلحة منذ بدء الحرب في السودان في 15 أبريل 2023م، تواصل مدن وولايات السودان المختلفة، بما في ذلك إقليم دارفور، مسبباً خسائراً في الأرواح والممتلكات والبنى التحتية.

يسلط هذا التقرير الضوء على عمليات القصف التي تعرضت لها ولاية جنوب دارفور والخسائر الناتجة عنها في الأرواح، الممتلكات والأعيان المدنية خلال الفترة من يوليو إلى ديسمبر 2024م.

الغارات الجوية

شهدت ولاية جنوب دارفور وقوع أربعة غارات جوية خلال الشهرين الأخيرين، والتي تركزت على أحياء مدينة نيالا، حيث وقعت معظم الغارات الجوية ليلاً أو في ساعات الصباح الأولى. وأشارت بيانات المنظمات والتقارير الصحفية إلى أن معظم هذه الغارات نفذتها طائرات من طراز انتنوف، حيث أسقطت هذه الطائرة في أخر عملية قصف للمدينة أكثر من ثمانية براميل متفجر على مطار نيالا وحده.

الضحايا المدنيين

من خلال تتبع بيانات القصف الجوي الذي طال المدينة، فأن نيالا كانت الأكثر عدداً في ضحايا الغارات الجوية بين مدن الإقليم منذ بدء الحرب. وخلال الفترة من يوليو حتى كتابة هذا التقرير، فقد قتل وجرح عددا من المدنيين نتيجة القصف؛ ففي 16 سبتمبر الجاري قتل 8 أشخاص وجرح 25 آخرين وفق دارفور24.  وفي ذات السياق ذكر المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام إن معتقلين بواسطة قوات الدعم السريع في مقر جهاز المخابرات السابق بالمدينة، تعرضوا للقصف داخل المقر من قبل طيران القوات المسلحة.  ولدى حديث المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام مع أحد الناجين الذين فروا من مبنى جهاز الأمن والمخابرات العامة بعد الهجوم الذي شنه طيران القوات المسلحة في 16 سبتمبر 2024م، أفاد الشخص الناجي:” لقد تم اعتقالي في جهاز الأمن والمخابرات الوطني مع أكثر من 50 معتقلا ًآخرين، وكان من بين المعتقلين مدنيون وأعضاء من قوات الدعم السريع تم اعتقالهم واحتجازهم بتهمة عدم الانضباط، وفي ذلك اليوم سقطت قنبلة في ساحة وسط المبنى مما أدى إلى تدمير بعض أجزاء المبنى ومقتل 16 معتقلا ًبينهم خمسة مدنيين”.

 

استهداف البنى التحتية

استهدف الطيران الحربي التابع للقوات المسلحة البنى التحتية الحيوية بالمدينة، حيث طالت عمليات القصف مستشفى نيالا للنساء والولادة، مركز الغاز الرئيسي بمدينة نيالا، ومقر جهاز المخابرات العامة السابق، وآخرها قصف مطار نيالا، وأظهرت صوراً تحقق منها فريقنا دماراً واسعاً في المطار، بجانب إنهيار الصالة الرئيسية.

خريطة توضح المناطق التي قام الطيران بقصفها في مدينة نيالا.

 

ردود الفعل

تباينت ردود الفعل الداخلية والخارجية حول قصف الطيران الحربي للمدن التي لا توجد بها معارك ومنها مدينة نيالا، حيث أعلنت  القوى المدنية المتحدة في بياناً لها تضامنها مع ضحايا القصف الجوي، داعية المجتمع الدولي للقيام بمسؤولياته تجاه حماية المدنيين، وحظر الطيران الحربي في كافة المدن والمناطق التي لا توجد بها معارك عسكرية. وفي ذات السياق أدانت تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) عمليات القصف الجوي التي قام بها طيران القوات المسلحة، وأعلنت تضامنها مع الضحايا، بينما دعت حركة تحرير السودان المجلس الإنتقالي، طرفي النزاع إلى إيقاف استهداف البنى التحتية والمناطق الحيوية بالبلاد؛ وطالبت الحركة المجتمع الدولي بحظر الطيران في السودان.

 رغم ذلك لا يزال القصف متواصل وسط إنسداد في الأفق وفشل جميع جولات السلام التي دعا إليها المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي. وعلى النقيض من ذلك، ازدادت وتيرة المعارك بين طرفي الصراع ، حيث كثفت قوات الدعم السريع هجومها على مدينة الفاشر، ما أدى إلى  تفاقم الأزمة الإنسانية وسط مطالبات من قبل منظمات الأمم المتحدة لقوات الدعم السريع بوقف الهجوم على الفاشر. وفي ذات الوقت، كثف الجيش السوداني غاراته الجوية على جميع مدن الإقليم، حيث سجل مشروع بيانات أحداث النزاع 50 غارة جوية للقوات المسلحة السودانية في جميع ولايات دارفور في الفترة من 1 أغسطس إلى 6 سبتمبر 2024م،

 

عبر تتبع البيانات الواردة في هذا التقرير ومقاربتها مع نصوص إعلان جدة الموقّع بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، والذي ينص عموماً على التزام الطرفين بالقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان من خلال: “التمييز في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، الامتناع عن أي هجوم من المتوقع أن يتسبب في أضرار مدنية عرضية والتي تكون مفرطة مقارنة بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة”؛ نجد أن الطرفين قاما بخرق هذا الإتفاق بينهما والعهد الدولي المشار إليه، فبينما تقوم القوات المسلحة عبر الطيران الحربي بقصف أحياء مدنية مأهولة بالسكان، إضافة إلى قصف المرافق الصحية والخدمية مثل مستشفى الولادة ومركز الغاز الرئيسي، بالمقابل تقوم قوات الدعم السريع بعمليات عسكرية برية وقصف مدفعي على نفس المواقع. النتيجة النهائية على الأرض هي تفاقم الأزمة الإنسانية في الإقليم واتساع رقعتها الجغرافية والإجتماعية، مما يتطلب تدخلاً عاجلاً من المجتمع الدولي من أجل إيقاف هذه الحرب وحماية المدنيين بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاصة  بدارفور.