إنعكست آثار حرب 15 أبريل 2024م بين القوات المسلحة والقوات المساندة لها ضد قوات الدعم السريع، على النساء الحوامل في دارفور فيما يتعلق بمستوى الرعاية الصحية التي يحتاجونها خلال فترة الحمل؛ وذلك جراء الانهيار شبه الكامل للقطاع الصحي في الإقليم. وتقول الدكتورة/ جيليان بوركارت، مديرة أنشطة الصحة الجنسية والإنجابية في أطباء بلا حدود في نيالا بجنوب دارفور “لم أشهد مثيلًا لهذه الأزمة في كل حياتي المهنية، يموت الأطفال حديثو الولادة والنساء الحوامل والأمهات الجدد بأعداد هائلة جرّاء حالات كان يمكن تجنبها في كثير من الأحيان، لكن كل شيء تعطل تقريبًاً”.
في آخر تقرير لها، قدّرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة أعداد النساء الحوامل في السودان بأكثر من 160 ألف امرأة حامل، ومن المتوقع أن تحدث 54 ألف ولادة في الأشهر الثلاثة المقبلة. فيما رجح مختصون في مجال الصحة، ارتفاع نسبة وفيات الأمهات في السودان من 6.7% قبل الحرب إلى 15% بعد اندلاع الحرب.
في فترة ما قبل الحرب، سجلت البلاد أعلى معدل وفيات وسط الحوامل في العالم، تراوحت ما بين 100 الى 150 امرأة بين كل 10 ألف حالة ولادة؛ ما دفع وزارة الصحة الاتحادية آنذاك إلى وضع ثلاث استراتيجيات لخفض الوفيات، تضمنت تفعيل طوارئ الحمل والولادة، تحسين وتأهيل خدمات القبالة والتوليد ورفع معدل استخدام وسائل تنظيم الأسرة.
في هذا التقرير يرصد فريق سلاميديا أوضاع النساء الحوامل في الإقليم، واحصائيات الوفيات بينهن عقب اندلاع الحرب، واسباب الوفيات ومستوى خدمات الرعاية الصحية الأولية التي تتوفر للحوامل.
احصائيات الوفيات
تعذر الحصول على إحصائيات دقيقة لعدد النساء اللائي فقدن حياتهن أثناء الحمل بسبب انعدام الرعاية الصحية الأولية، في ظل الانهيار شبه الكامل للقطاع الصحي في الإقليم وصعوبات الوصول إلى المرافق الصحية. إلا أن منظمة أطباء بلا حدود رصدت وفاة 46 امرأة حامل في الفترة من يناير إلى أغسطس 2024م، بمستشفى نيالا التعليمي ومستشفى كاس اللذان تعمل المنظمة على تشغيلهما. وقد وثقت صحيفة سودان تريبيون ثلاث حالات وفاة لنساء حوامل في مدينة نيالا، منطقة ام جناح غربي المدينة، ومعسكر عطاش للنازحين شمال المدينة.
وذكرت مي محمد، مديرة قسم الصحة الإنجابية بوزارة الصحة بجنوب دارفور لصحيفة دارفور٢٤، إن الوزارة أجرت مسحين لرصد حالات وفيات الأمهات، الأول في أبريل 2024م، بالتعاون مع منظمة أطباء بلا حدود، شمل معسكرات كلمة، عطاش ودريج، حيث تم تسجيل حوالى الـ 70 حالة وفاة. بينما تم المسح الثاني فى أغسطس 2024م فى معسكرات عطاش، كلمة ومجوك، بالتعاون مع منظمة ألايت الدولية، حيث رصد المسح 17 حالة وفاة.
وفي ذات السياق أشارت طيبة عمر بخيت، مدير الصحة الإنجابية بجنوب دارفور، الى وفاة 4 سيدات حوامل بمستشفى نيالا التعليمي في يوليو 2024م. وكشفت أن 44 مركزاً فقط قيد الخدمة من جملة 164 مركزاً لتقديم خدمات الرعاية الصحية للنساء الحوامل. وأضافت “حتى هذه لا تستطيع الوزارة التواصل مع المراكز، بسبب عدم الإمكانيات والآليات الخاصة بالحركة التي تم حرقها وتدميرها أثناء الحرب، اضافة الى انه لا توجد شبكات للاتصالات”، وأوضحت طيبة، ان هناك 7 مستشفى ريفي تعمل على تقدم خدمات الأمومة والطفولة الآن من بين 14 مستشفى.
وأفادت وزارة الصحة بوسط دارفور، أن الولاية بها أكثر من 20 مركزاً للرعاية الصحية الأولية. ووفقاً لمدير عام وزارة الصحة بالولاية محمد أمين رزق الله، أنه توجد حالة وفاة واحدة قبل الولادة وسط كل 40 حامل، لأسباب تتعلق بتسمم الجنين، النزيف المفاجئ، فقر الدم نتيجة لسوء التغذية وحالات أخرى غير معروفة؛ وكذلك حالة وفاة واحدة بعد الولادة بين كل 25 امرأة نتيجة للنزيف الحاد بعد العمليات الجراحية، أمراض الدم، والأمراض المزمنة. وذكرت أن تدخل المنظمات أسهم في خفض عدد الوفيات خاصة ما بعد الولادة، وذلك بفضل دعمها للعمليات الجراحية ومجانيتها، واهتمامهم بقسم التغذية.
في ولاية شرق دارفور، أدى تسرب خام النفط من أنابيب البترول في منطقة جاد السيد بمحلية أبوكارنكا إلى تعرض سبع نساء حوامل للإجهاض.
أشارت وزارة الصحة بشمال دارفور إلى وفاة تسع نساء حوامل في منطقة كفوت شمال غرب مدينة الفاشر نتيجة لعدم قدرتهن على الوصول إلى الخدمات الصحية. وبحسب حليمة آدم عبد الله سليمان، قابلة تعمل في معسكر ابوشوك، أنه خلال الثلاثة أشهر السابقة لمايو 2024م، “حدثت حالات وفاة أثناء الولادة بسبب ضعف الدم والنزيف، ولم نتمكن من إنقاذ الأمهات في كثير من الأحيان”؛ إلا أنها لم تبين إحصائيات دقيقة لعدد الوفيات “تأتينا ما بين ثلاثين إلى أربعين امرأة بينهن خمس حالات نزيف ومضاعفات كثيرة بينها فقر الدم”.
اسباب الوفيات
بحسب مقابلة أجرتها دارفور 24 مع طيبة عمر بخيت، مدير الصحة الإنجابية بجنوب دارفور، فإن أبرز أسباب وفيات النساء الحوامل تتمثل فى النزيف قبل الولادة والالتهابات والإكلامسيا؛ بجانب أن ظروف الحرب أفقدت النساء الحوامل القدرة على الوصول لمواقع تقديم خدمات الرعاية الصحية. و أوضحت أن أغلب المستشفيات الريفية تعاني من نقص حاد في خدمات الصحة الإنجابية، في وقت تواجه فيه الأسر ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة، ما يضاعف معاناة الحوامل في توفير الغذاء المتكامل لهن وأجنتهن. وأضافت طيبة لمركز سلاميديا، أن هناك تلوثاً بيئياً ناتج عن الحرب تسبب في وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة بالمراكز، إضافة إلى تأخر الإحالة بسبب صعوبة الترحيل ووعورة الطرق المؤدية إلى بعض المستشفيات.
وفي ذات السياق، تعزو وزارة الصحة بشمال دارفور، أسباب الوفيات وسط النساء الحوامل، إلى المعارك المستمرة والحصار المضروب على مدينة الفاشر منذ شهر مايو 2024م؛ وذلك بناءً على التقارير التي ظلت تتلقاها باستمرار من المستشفيات والمراكز الصحية الريفية.
تضاف مسألة الوفيات وسط النساء الحوامل بدارفور، إلى سلسلة المآسي الإنسانية التي يواجهها إنسان الإقليم بصورة يومية؛ وأن تزايد الوفيات يوماً بعد يوم وسط النساء الحوامل ولا سيما الأطفال حديثي الولادة؛ يدخل الأمر حيز الأزمة التي يصعب حلها. وإن الأرقام التي أوردها هذا التقرير نقلاً عن المنظمات الدولية والمقابلات التي أجراها فريق سلاميديا، لا تشير إلى حوادث ظرفية تصنعها آثار الحرب الجارية؛ وإنما يتمدد لما يمكن أن نطلق عليه “إعدام المستقبل”. فهل يمكن إضافة ذلك إلى قائمة الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها أطراف الحرب؟ والتي ربما تتطلب التحقيق فيها؟ إن سلاميديا ومن خلال هذا التقرير تلفت الإنتباه إلى خطورة تزايد الوفيات وسط النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة.