بلغت الغارات الجوية للطيران الحربي التابع للقوات المسلحة السودانية على محلية الكومة بولاية شمال دارفور أكثر من 20 غارة في غضون خمسة أشهر؛ على الرغم من اتخاذ السكان قراراً بتبني موقف الحياد وعدم تأييد أيّاً من طرفي الحرب، بعد ثلاثة أيام فقط من اندلاع الحرب في اجتماع بمسجد المدينة.
مع بدء الحرب أصبحت مدينة الكومة قبلة ومأوى للنازحين من الخرطوم، نيالا، ام كدادة، الفاشر، وغيرها من المناطق التي شهدت مواجهات بين القوات المسلحة والدعم السريع. تجاوزت احصائيات النازحين- بحسب السكان المحليين- أكثر من 40 ألف أسرة، يقيمون في 23 معسكراً ومركزاً للإيواء. وذكرت منظمة مناصرة ضحايا دارفور، أن مدينة الكومة تأوي حوالي 350 ألف نازح، أغلبهم من النساء والأطفال والمسنين. لم تشهد المدينة أي اشتباكات بين الأطراف المتحاربة منذ اندلاع الحرب، بحكم أنه لا توجد بها حاميات للقوات المسلحة وقوات الدعم السريع.
تقع مدينة أو محلية الكومة على بعد 76 كيلومتراً شرقي مدينة الفاشر على الطريق القومي الذي يربط إقليم دارفور بالعاصمة الخرطوم. وتضم المحلية أربعة وحدات إدارية (الكومة، سارى أم هجيليج، الكِبير وغبيش) وأغلب سكانها من القبائل العربية الرعوية.
في هذا التقرير يرصد فريق سلاميديا عدد الغارات الجوية التي تعرضت لها المحلية، أعداد القتلى والجرحى، ويبحث كذلك عن الأسباب وراء استهداف الطيران للمنطقة بهذا الكم من الغارات الجوية منذ اشتداد المعارك في شمال دارفور في مايو 2024م.
عدد الغارات
تشير الإحصائيات التي رصدها مركز سلاميديا من المصادر المفتوحة إلى نحو تسع غارات جوية، بينما يقول مواطنو المحلية أن عدد الغارات التي ضربت المنطقة تجاوزت الـ 20 غارة جوية في الفترة من 10 مايو 2024م الى 4 اكتوبر 2024م.
القتلى والجرحى
حسب الإحصائيات التي ذكرها سكان المدينة، فإن الغارات الجوية التي شنها طيران القوات المسلحة منذ اندلاع الحرب، أدت الى مقتل 68 شخصاً. وذكر الناشط المجتمعي بالمدينة صالح حريرين (لسلاميديا) “الغارة الأخيرة في هذا الشهر قتلت 61 شخصاً وجرحت 215 آخرين” في حين أن الغارات السابقة أدت إلى سقوط سبعة قتلى ونفوق حوالي 351 رأس من الماشية، على حد قوله.
وفي ذات السياق، تظهر الإحصائيات التي حصل عليها فريق سلاميديا من المصادر المفتوحة، ارتفاع حصيلة قتلى الغارة الاخيرة ــ التي استهدفت السوق الأسبوعي الذي يقصده آلاف المواطنين ــ إلى أكثر من 65 شخصاً. وبحسب منظمة اليونسيف إن الغارة الأخيرة أودت بحياة 13 طفلاً وأصابت أربعة بجراح. ورصدت سلاميديا مقتل خمسة اطفال واصابة ستة آخرين في الغارات السابقة على المنطقة.
دمار البنية التحتية
خلّف القصف الجوي الذي تعرضت له محلية الكومة دماراً في البنية التحتية، باستهدافه سوق المدينة تدميره بالكامل. ويشكل سوق مدينة الكومة نافذة معيشية للنازحين، حيث يوفر لهم فرص عمل يحصلون منها على قوتهم وبعض احتياجاتهم. كما دمر الطيران المسجد الكبير في المدينة، وأعداداً كبيرة من منازل المواطنين ومراكز الإيواء،تاركاً مئات الأسر بلا مأوى، بينما لم ترد إحصائيات دقيقة حول أعداد المنازل والمؤسسات التي تأثرت بالقصف. وبحسب منظمة مناصرة ضحايا دارفور، فان القصف أدى إلى تدمير المرافق الصحية، مخلفاً نقصاً حاداً في الإمدادات الطبية والرعاية الصحية الطارئة في المنطقة، ما نتج عنه وفاة المصابين بجروح خطيرة.
ردود الأفعال
وجدت الغارات الجوية التي شنها الطيران الحربي التابع للقوات المسلحة على محلية الكومة استنكاراً من قطاعات واسعة من المجتمع السوداني والمؤسسات الدولية، حيث شددت منظمة اليونيسف على ضرورة إنهاء العنف المستمر ضد الأطفال في السودان، ووضع حداً لتجاهل سلامتهم وحقوقهم؛ في إشارة إلى الغارة على سوق المدينة. وفي ذات السياق صدرت بيانات من تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) وحزبي المؤتمر السوداني والأمة القومي؛ مستنكرين جريمة قصف طيران القوات المسلحة للمدنيين في سوق مدينة الكومة وتدمير المرافق المدنية بها، وسط حملات المناشدات والمطالب المتكررة بضرورة حماية المدنيين وتجنيبهم مخاطر القصف الجوي والمدفعي.
إن إستهداف مدينة الكومة الواقعة شمالي الفاشر بالغارات الجوية التي يقوم بها طيران القوات المسلحة ليس الوحيد، وإنما سبقته سلسلة من الغارات في مناطق متعددة من إقليم دارفور. والملاحظة في جميع هذه الغارات أنها ظلت تستهدف التجمعات السكنية مخلفة خسائر المدنيين، الذين حالت أوضاعهم المادية وظروف الحرب دون أن يلوذوا إلى مواقع آمنة. وقد أثرت تلك الغارات بشكل كبير على الفئات المستضعفة في المجتمع من نساء وأطفال وعجزة. تأتي خصوصية مدينة الكومة من كونها واحدة من المدن التاريخية التي ارتبطت بالمجموعات العربية الرعوية، والتي ربما تعتبرها القوات المسلحة من الحواضن الاجتماعية لخصومهم في قوات الدعم السريع. لكن مهما يكن من أمر، فإن إستهداف المدنيين بأي صفة كانوا، هو أمر ترفضه القوانين الدولية والأعراف المحلية؛ وإن إستمرار مثل هذه الاعتداءات تزيد من وتيرة الحرب. وعليه فإننا نظل نناشد المجتمع الدولي والإقليمي والأطراف المتحاربة بضرورة حماية المدنيين من كافة الانتهاكات بما فيها الغارات الجوية.