نضال عبدالوهاب
تأتي ذكري ثورة ٢١ أُكتوبر في هذا العام وبلادنا تشهد ظرفاً ووضعاً غير مسبوق طوال تاريخنا الحديث، مُنذ إستقلالها، فواقع الحرب وإن لم يكُن جديداً، إلا أنه ولأول مرة تدخل الحرب في قلب الدولة ومركزها ثم تتوسع في مناطق لم تدخلها من قبل وبذلك امتدّ أثرها على كُل البلاد وفعلت ما فعلت ولا تزال.
الذي ينظُر ويرأى إلى كُل المشهد مقروناً ذلك بكُل تاريخنا السياسِي لن يستطيع تجاوز حقيقة أننا أمام نتيجة واضحة مفادها “مسيرة” مُتصلة من “الفشل” والتراجع لبلادنا وانعكاس أثر هذا على كُل السُودانيين كشعب ودولة.
كثيرون توصلوا لهذه النتيجة، فتجربة الحُكم العسكري وعن طريق الجيش جُربت كثيراً ولم تكن النتيجة غير ما نحن فيه الآن، وتجربة الديمُقراطيات الهشة والشكلية وعن طريق أحزاب “ضعيفة ” ومُنقسمة على أنفسها وغير مواكبة ولا توجد بها ديمُقراطية حقيقية سلوكاً ونظاماً وتُنتج”كوادر” لا علاقة لها بأُسس إدارة الدولة والتعدد والتنوع فيها أيضاً “فشلت”، أو أعطت مُبررات لإعادة تسويق “العسكر”، وتجربة نظام “الحزب الواحد” أيضاً فشلت فشلا ذريعا، لأنها كذلك مزجت ما بين “القبضة الأمنية للعسكر” وما بين “الأيدولوجيا المُتطرفة والإقصاء”، فكانت النتيجة أيضاً ما نحن فيه الآن…
ومع كُل “تضحيات” الشعب السُوداني، وكُل ما بذله وقدّمه لأجل تغيير حقيقي لبلد يعيش فيه الناس أحرارا وبكرامة وعدالة ومُساواة، ودفع ما دفع من أثمان، إلا أن كُل ذلك أُجهض نتيجة “للغباء السياسِي” المُتوارث في تكرار الأخطاء والفشّل والإصرّار عليه وعدم الانتقال لمسارات تخلق واقعا أفضل، نتخلص به من كُل تلك الأخطاء ونضع بها بلادنا في الطريق الصحيح وننجح به في التغلب على الضُعف، والحرب، والفساد، والفقر، ونمضي به نحو عكس كُل ذلك واستدامته وتطوره للأحسن.
بعد الثورة في ديسمبر ٢٠١٨ وبعد كُل تضحياتها وبذلها، ظننا أننا نجحنا في وضع أنفُسنا كشعب وبلد في الطريق الصحيح لتغيير مُستدام وواقع مُختلف أفضل نستحقه كدولة وشعب، شعب فعل كُل ما يُمكن فعله ليحصد ثمار دمائه وعرقه وعذاباته، ولكننا ومع أول محك حقيقي بعدها ونتيجة لذات “الأمراض” المُستعصية في “الصرّاع” و”التكالُب” على “السُلطة”، وبأي وسيلة، تقهقرّنا وتراجعنا لهذا الدرك الحالي.
والآن وبعد كُل ما حدث نسيّر بالخُطوات نفسها، والأدوات ذاتها، “الشخوص” ذاتهم، وفي “الطريق” ذاتها و”العقليات” التي تحاول “التخطّيط” و”تحتكرّه” وتظّن أنها هي وحدها التي ستغير واقع بلادنا.
ها هم “العسكر” يتحكمّون، نفس “العسكر” ، وها هُم “الكيزان”، و”الحزب الواحد” يُبرزون “أسنانهم” وبعضهم يُخرجون “ألسنتهم” ظناً منهم قد عادت لهم “سُلطة” تمترسوا و”كنكشوا” فيها لثلاثين سنة، ولايزالوا يطلبونها، بشعاراتهم ومساوئهم ذاتها، وتطرفهم، وغباؤهم، لايزالوا يعتقدون أن هذه “البلاد” ومع كُل إتساعها وتنوعها وثرواتها قد “خُلقت” لهم وحدهم، وعليهم فقط إدارتها وقيادتها و”سرقتها” و”نهبها”، وتوزيع “غنائمها” على قليل من “الحمقى” و”الدجالين” و”المخبولين” و”المرضى النفسيين” من منسوبيهم وبعض من يرتبطون معهم بالمصالح، فئة قليلة تظن نفسها أنها “المؤمنة” وأن “الدنيا” و”الجنة” هي ملكهم، وبأيديهم، والبقية مردة وكفرة وملعونين وشوية “صعاليق” ولا يستحقون غير “الدهس” و”السحق” والإخفاء من الوجود وفي أحسن الأحوال العيش “مقهُورين” وأذلاء حقيّرين!..
لم يتعلموا من كُل تلك الأخطاء والفشل، ولا يُريدون التعلُّم، وفي المُقابل، ظللنا نرى، ما تُسمى بالقوى المدنية، وبعض “الحركات”، في نفس الطريق ناحية “الصرّاع” على السُلطة والتكالب عليها، لا يهم كيف السبيل إلى ذلك، يستخدمون ذات أدوات العسكر، فالعمالة مثلاً وإرتهان قرارنا السياسِي ، و”مرمطة” سيادة البلد ، كُلها وسائل يتم إتباعها ، مروراً بالإرتشاء وبيّع الذّمم ، ومُمارسة كُل ماهو قبيّح وسيئ من أجل تلك السُلطة وكراسيها ، ونفوذها…
ظلّلنا ومن بعد الثورة وحتي لحظة الحرب الحالية ، نري ذات “الوجوه” ، وذات “العقليّات” وذات الخطوات والأدوات ، لا إختلاف ، إصرّار غريب علي مُداورة “الفشّل” وصُنعه ، إحتكار للقيادة ، والمُشاركة في صُنع القرارات السياسِية وإقصاء مُتعمّد للآخرين ، وللأحق بالتواجد بصورة “مُقرفة” ، وفي سبيّل ذلك يتم إستخدام كافة الأساليب القذرة ، وكُل وجوه “التلون” و “النفاق” السياسِي والكذب الصرّيح والمُستتر ، وتُمارس “حروب” لاتقل بشاعة عن الحرب التي تدور الآن ، ويا ليت كُل ذلك لصالح البلاد وشعبها حقيقةً وواقعاً ونتائجاً وفعلاً ، ضحكت حقيقةً عندما رأيت “حمدوك” كمثال ، يخرج بخطاب “مُسجل” ليخاطبنا كشعب ، ويتحدث عن الثورة والثوار وهو لايعلّم عنها شئياً ، ويقول “سنظل أوفياء ونعاهدكم ووو…. ، هذا الرجل “المصنوع” والذي ساهم مع آخرين عسكر ومدنيين في “الإجهاز” علي أعظّم ثورات القرن العشرين ، حق له الجلوس في بيته في “الإمارات” أو مايختاره ويترك شعبنا وبلادنا ، “فالمصنوعين” إنتهت مُدة صلاحيتهم ، و لم يعطوا لهذه البلاد أو يجرّوا عليه غير كُل الذي حدث ولايزال يحدّث فيها ، عفواً نعم أنتم مواطنين سُودانيون ، ولكن هذه البلاد لاتريدكم في قيادتها ، وقد جربتكم وفشلتم ، و قد إنتهت مرحلتكم بخيرها وشرّها وآن أوان غيركم شخوصاً وعقليّات وسياسات.
أذكر أنه قد رأيت يوماً تسجيلاً لندوة كان يتحدث فيه الأخ “خالد سلك” وكان وقتها يُبرر للمُشاركة في إنتخابات ٢٠٢٠ ، ويتهكم علي بعض من “جماهيّر” خرجت في تظاهرة تريد التغيير لنظام البشير والكيزان ، فقال “سلك” ( إن المُظاهرة لم تتجاوز أعداد قليلة كانوا يعرفون أنفسهم في المُظاهرة فرداً فرداً ، ويعلون أصواتهم بالسّلام ومُصافحة بعضهم البعض “إزيك يا فلان” بالإسم) ، كان هذا علي فكرة قبل ثورة ديسمبر ٢٠١٨ بفترة زمانية قليلة جداً ، وأنا الآن أسأل “سلك” ، ( يا خالد في ذمتك دي ، هسا إنتوا في مؤتمراتكم ، وورشكم “الكتيرة” دي وسفرياتكم المُتكررة وإجتماعاتكم ، مُش ياكم نفس “الناس” ، والوجوه ؟؟ ) مُش ياهم ( ال ٧ أو ١٠ ) أنفار ديل ؟؟؟ البقعدوا عشان يقرروا نعمل شنو ولا ما نعمل شنو ؟؟ عشان السُلطة أقصد عشان البلد؟؟؟) ، لا أنتظر إجابتك لنفسي لأنني أعلمها ، ولكن في ذات الوقت علي ال ( ٧ أو ١٠ ) “أنفار ديل” ، الإقتناع أنفهم جُربوا وفشلوا ، وإعادة تدويرهم أيضاً قد إنتهت صلاحيتها ، علي الأقل في المرحلة القادمة ، التي تحتاج رجالاً ونساءاً حقيقين ، قيادات ، و عقليات أخري ، قادرين علي صُنع الإختلاف لبلادنا. في ذكري ثورة ٢١ أُكتوبر نحتاج للتغيير في كُل المنظومة وسياساتها وشخوصها ، و ليس الإصرّار علي الفشل وتدويره ( عسكر ، كيزان ، حمدوك ، مدنيين مُجربيّن فشلوا ) ، في ذكري ٢١ أُكتوبر نقول وبكل صدق و وضوح اللحظة الحالية هي وقت التغيير ، سواء في مرحلة وقف الحرب ومابعدها ، لبلاد تعبت حقيقةً وأهلها من الفشل المُجرّب والإصرّار عليه.