تقرير سلاميديا

يتعرض المدنيين في إقليم دارفور الى انتهاكات من قبل أطراف الحرب بدعاوى التعاون مع أيٍ من الأطراف؛ صاحبها تعدي صريح على الحريات مثل الحرمان من خدمات الاتصالات وتقييد الحركة بين مناطق ومدن الاقليم.

الاعتقالات

نشر موقع سلاميديا في أغسطس هذا العام، تقريراً عن الاعتقالات التي طالت المدنيين منذ اندلاع الحرب بين القوات المسلحة والدعم السريع. وأشار التقرير إلى تجاوز جملة الاعتقالات والاحتجازات عدد (270) شخصاً؛ إلا أنها لم تتوقف عند ذلك العدد. وفي الآونة الأخيرة قامت قوات الدعم السريع في شرق دارفور باعتقال 17 من موظفي ديوان الزكاة، أربعة مدنيين من مزارعهم بمنطقة شق حسان 35 كيلومتراً شمالي مدينة الضعين، رجل أعمال معروف بمدينة الضعين وأربعة آخرين من سوق مدينة ابوكارنكا. وتواصلت اعتقالات قوات الدعم السريع في جنوب دارفور باعتقال مواطن  في مقرها بحي المطار بنيالا، والذي أفاد بعد اطلاق سراحه بأنه ترك 18 آخرين قيد الاعتقال، كما اعتقلت أحد المتطوعين في العمل الإنساني بمدينة نيالا. ونقلت دارفور 24 عن شهود عيان من نيالا ترحيل عدد من المعتقلين إلى المدينة.  لم تكن شمال دارفور في وضع استثنائي عن بقية الولايات، فقد جرى في مدينة الفاشر اعتقال أربعة أشخاص بواسطة قوات الدعم السريع؛ و12 شخص بواسطة استخبارات القوات المسلحة. ونقلاً عن سودان تربيون انه تم اعتقال 13 شخص بواسطة قوات الدعم السريع من مناطق غرب وشرق الفاشر. وسأت الأمور أكثر في محلية كبكابية، حيث لقي واحد من بين ثلاثة معتقلين مصرعه داخل معتقلات الدعم السريع، وتواصل القوات اعتقالاتها بإلقاء القبض على ما يزيد عن 20 شخصاً. وتستمر الفظائع بالعثور على جثماني شقيقين تم اعتقالهم بواسطة قوات الدعم السريع بمدينة مليط، علاوة على اعتقال 20 شابا بمحلية كتم. وتتباين الجهات المنفذة للاعتقالات، حيث  اعتقلت القوة المشتركة للحركات المسلحة ما لا يقل عن 20 شخصًا بمدينة كلبس ــ ولاية غرب دارفور.

اغلاق الطرق

منذ وقت ليس بالقصير، ظل سكان دارفور يواجهون معاناة في التنقل بين المدن والقرى؛ بسبب انتشار حالات النهب المسلح ونقاط التفتيش على عدة طرقات تربط المدن بالقرى. فقد دفعت حوادث النهب المسلح المتكررة على طريق نيالابرام، إلى إصدار أوامر بإغلاق الطريق بواسطة قوات الدعم السريع. وتضاربت المعلومات الواردة إلى سلاميديا عن عدد البوابات ونقاط التفتيش على طريق نيالا- كاس ما بين 10 إلى 40 بوابة ونقطة. و قال محمد أحمد الزين، رئيس الإدارة المدنية بجنوب دارفور، في تصريح لسلاميديا، إنه أصدر أوامراً بإزالة البوابات؛ ما أكده أحد المسافرين على الطريق أنه تم الإبقاء على أربع بوابات فقط. وفي ذات السياق، أدت توترات أمنية الى اغلاق الطريق بين كورما، طويلة وكتم بشمال دارفور. وبسبب المعارك في مدينة الفاشر تعذر على السكان الفرار، إلا عبر خمسة مسارات فقط من جملة المسارات المؤدية إلى خارج المدينة. وشكا عدد من التجار من كثرة البوابات على طول طريق الطينةكبكابية والتي يتم فيها دفع مبالغ مالية تصل إلى 50 ألف جنيه سوداني عند كل بوابة، بجانب دفع مبلغ مليوني جنيه لقوات الدعم السريع مقابل كل شاحنة.

الخريطة أدناه توضح مسارات الخروج من الفاشر ومواقع الارتكازات

الاتصالات

بمجرد اندلاع الحرب خرجت جميع شبكات الاتصالات عن الخدمة وحُرم سكان الإقليم من حقهم في الاتصالات والتواصل مع اقربائهم، في وضع يشهد معارك راح ضحيتها آلاف المواطنين بين قتيل وجريح. فلم يعد بإمكان من هم خارج الإقليم التواصل مع أقربائهم في الداخل والعكس. وبعد مرور أشهر قليلة من بداية الحرب ظهرت خدمات الانترنت الفضائي (استارلينك Star-link) لأول مرة في الإقليم لتلبية حاجة المواطنين للاتصالات للحصول على التحويلات عبر التطبيقات البنكية بعد توقف الخدمات المصرفية في الإقليم، لدرجة لجوء سكان بعض المناطق إلى نظام البيع بالمقايضة. والآن باتت خدمات الاتصالات هى الأخرى مصدراً للمضايقات، حيث يتم مراقبة واعتقال المدنيين من مواقع (الاستارلينك) بتهم التخابر والتعاون؛ وعليه ظل ملاك محلات الانترنت الفضائي يتلقون أوامراً بصورة مستمرة من أطراف الحرب بإغلاق محلاتهم. وقال أصحاب محلات للانترنت الفضائي بمدينة الفاشر ان استخبارات القوات المسلحة أمرت في مايو وأكتوبر 2024م بإغلاق محلاتهم دون ابداء اي اسباب. وفي مطلع أكتوبر الحالي ابلغت قوات الدعم السريع نازحي معسكر كساب بمحلية كتم بشمال دارفور بحظر خدمات الانترنت الفضائي في المعسكر بصورة نهائية.

تعددت صور وأوجه الإنتهاكات الواقعة على المدنيين في دارفور، إبتداءاً بالإعتقالات إلى إغلاق مسارب البحث عن ملاذات آمنة وانتهاء بقطع سبل الاتصال والتواصل. أصبحت تهمة التخابر، حجة يستخدمها كل طرف لاعتقال المدنيين، فمن هم في منطقة سيطرة الجيش والقوات المشتركة متهمون بالتخابر لصالح الدعم قوات السريع، والعكس يحدث في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع؛ والنتيجة أن الضحايا هم المدنيين في نهاية المطاف، وعلى خلفية ذلك يلقي الكثيرون حتفهم في معتقلات جميع الأطراف بلا استثناء.

أجبرت  ظروف الحرب القاسية الكثيرون للبحث عن ملاذات آمنة، ولكن لم تكتب لهم النجاة؛ ففي طريقهم للخروج تغلق الطرق أمامهم، ويتعرضون لعمليات النهب ودفع أموال لا قبل لهم بها، مما يصعّب وصولهم إلى مناطق آمنة. وأخيراً أطلت ظاهرة قطع الإتصالات وإقفال مكاتب الانترنت الفضائي التي ظلت المصدر الوحيد لإنسان دارفور في التواصل مع ذويهم لمدهم بالمساعدات المالية ومعرفة أخبارهم بعد توقف شركات الإتصالات.

تكالبت كل تلك الانتهاكات لتجعل من حياة إنسان دارفور جحيماً على الأرض قبل يوم الحساب، لأن استمرارية الإنتهاكات لن تفضي إلا إلى هلاك المدنيين في نهاية المطاف. وعليه، نجدد دعوتنا مرة أخرى  للمجتمع الدولي بالعمل على إيقاف هذه الانتهاكات بما يحفظ حياة المدنيين.