تقرير: سلاميديا

تنتهي بحلول منتصف نوفمبر الجاري، فترة الثلاثة أشهر المحددة بواسطة الحكومة السودانية لتشغيل معبر أدري الحدودي بين السودان وتشاد. وقد استبق دكتور/ جبريل ابراهيم، وزير المالية السوداني، هذا الموعد بتغريدة على حسابه بمنصة اكس قال فيها “يجب اغلاق المعبر اليوم قبل الغد”، مستدركاً بوضع شرطين لتمديد فتح المعبر، هما: وجود طاقم من شرطة الجمارك، هيئة المواصفات والمقاييس وجهاز المخابرات في المعبر، إضافة إلى وضع أجهزة المسح بالأشعة السينية لتُسهِل التعرف على البضائع العابرة. تزامن ذلك مع تصريحات لمسؤولين حكوميين بعدم وجود مجاعة في إقليم دارفور الأمر الذي يشير الى نية الحكومة بإغلاق المعبر مرة أخرى، وفي هذا الصدد نفى وزير الزراعة السوداني أبو بكر البشرى، وجود مؤشرات مجاعة بالسودان. وقال “إن كل ما يثار عن وجود مجاعة في السودان الغرض منه فتح الحدود واستغلال ذلك لإدخال الأسلحة والعتاد لقوات الدعم السريع والتمهيد لدخول قوات أجنبية، وهذا يضر بسيادة السودان”. يأتي ذلك في ظل دعوات من المجتمع الدولي بالإبقاء على المعبر مفتوحاً لدخول المساعدات الى الاقليم، وقال برنامج الغذاء العالمي إنه بحاجة إلى إمكانية الوصول الآمن، وتدفق المساعدات عبر كل المعابر الحدودية.

في هذا التقرير يرصد مركز سلاميديا كميات الإغاثة التي استقبلتها ولايات دارفور عبر معبر أدري في الفترة من الأول من سبتمبر 2024م، حتى الآن، اكمالاً لعملية الرصد التي قام بها المركز منذ فتح المعبر في الفترة من 15 إلى 30 أغسطس 2024م. اضافة الى البحث في ما قد يترتب على إغلاق المعبر من آثار على الأوضاع الإنسانية

(الخريطة)

الاحصاءات

وفقاً لتقرير سابق لسلاميديا، تم نقل 1,814 طن متري من المساعدات الإنسانية محملة على 59 شاحنة عبر معبر أدري ما بين 20 الى 30 أغسطس 2024م، لمساعدة نحو 195 ألف شخص، أي ما يعادل 45% من جملة الأشخاص الواقعين في المرحلة الخامسة من المجاعة بإقليم دارفور. ومنذ الأول من سبتمبر 2024م، وصلت حوالي  3000 و 100 طن متري على دفعتين من برنامج الغذاء العالمي، اضافة الى 23 شاحنة، 16 شاحنة، و25 شاحنة بواسطة وكالات الامم المتحدة والمنظمات الدولية . أشارت الأمم المتحدة إلى أن جملة المساعدات التي وصلت منذ فتح المعبر بلغت 200 شاحنة مستهدفة نحو 615 ألف شخص؛ إلا أنه في  آخر تحديث في 24 أكتوبر 2024م، قدر برنامج الغذاء العالمي أعداد المستفيدين من جملة المساعدات منذ فتح المعبر بنحو 360 ألف شخص في الإقليم.

العقبات

خلال شهرين ونصف من فتح معبر ادري، واجهت المنظمات الأممية والدولية الكثير من العقبات لادخال المساعدات الانسانية للإقليم، من بينها الظروف الطبيعية الناتجة عن جرف السيول للطرق الداخلية في الاقليم، اضافة الى صعوبة حصول موظفي المنظمات الإنسانية على تأشيرات الدخول من السفارة السودانية بتشاد، حيث صرح أحد المسؤولين بولاية جنوب دارفور لسلاميديا ـــــ فضل حجب اسمه ــــــــ بأن وفد من إحدى المنظمات الدولية اُضطر الى دخول دارفور دون تأشيرات، الأمر الذي أكده تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية في السودان OCHA “في الآونة الأخيرة، لم يتم إصدار تصاريح السفر لعمال الإغاثة بالسرعة المطلوبة، خاصة في المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث لا تزال العديد من تأشيرات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية معلقة”.

وفي ذات سياق العقبات التي تضعها الأطراف المتحاربة في السودان، قامت جهات رسمية في بورتسودان بإصدار أوامر في مواجهة وفداً للأمم المتحدة في طريقه إلى ولايتي جنوب وشرق دارفور، بعد اكماله لجولة في ولايتي غرب ووسط دارفور، تطالبه بمغادرة الأراضي السودانية. فيما اتهم المبعوث الأمريكي للسودان، توم بيرييلو، السلطات السودانية بعرقلة وصول 90% من مواد الإغاثة الطارئة القادمة لمتضرري الحرب في البلاد، وأكد في الوقت نفسه بأن التجويع لا يمكن أن يكون سلاحاً في الحرب. من جانب آخر أعرب ماثيو ميلر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية عن قلق بلاده مما وصفها بــ “البيروقراطية التي تمنع وصول المساعدات الإنسانية الى السودانيين”. وشدد على أن وصول المساعدات الإنسانية الى السودان بلا عوائق أمر بالغ الأهمية لإنقاذ الأرواح.

دعوات التمديد

مع اقتراب موعد انتهاء فترة السماح للمساعدات الإنسانية بالمرور خلال معبر ادري، تتعالى الدعوات الى ضرورة تجديد فترة السماح لتتمكن المنظمات ووكالات الأمم المتحدة من اغاثة المدنيين الذين يواجهون خطر المجاعة في دارفور بسبب الحرب التي تشهدها البلاد. ووجهّت مجموعة متحدون التي تضم الولايات المتحدة، الإمارات العربية، المملكة العربية السعودية، مصر، سويسرا، الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، دعوة الى مجلس السيادة السوداني للإبقاء على معبر أدري لضمان استمرار تدفق الإغاثة. فيما حث السيد، أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، السلطات السودانية على تمديد فتح المعبر الحدودي بعد 15 نوفمبر القادم.

في مقابل ذلك يزعم أبو بكر البشري وزير الزراعة السوداني أن 755 ألف من المواطنين الذين يتهددهم خطر المجاعة في السودان، لا يشكلون نسبة كبيرة مقارنةً بإجمالي سكان البلاد. وبالتالي؛ لا يمكن وصف ذلك بالمجاعة -على حد قوله. لكن بمقارنة هذا الرقم بعدد الواقعين تحت تصنيف المرحلة الخامسة بحسب التصنيف المرحلي، والبالغ عددهم 430 ألف نسمة، فإنهم يمثلون حوالي 60% من جملة الـــ 755 ألف التي ذكرها وزير الزراعة في تصريحه!

لقد أسهم معبر أدري بقدر وافر في إنقاذ حياة الكثير من المدنيين بمواقع مختلفة بإقليم دارفور من خطر الموت بالجوع على الرغم من عدم كفاية المساعدات لكل المتأثرين؛ إلا أنه مع اقتراب المدة المتبقية لإغلاق المعبر حسب اتفاق فتح المعابر، تصدرت المشهد دعوات رسمية بإغلاق المعبر أمام دخول المساعدات الإنسانية. وتأتي دعوات إغلاق المعبر بذريعة انقضاء الأجل، أو دعاوى دخول أسلحة؛ أو ربما يرتبط ذلك بنوايا حكومية بفرض الرقابة على المعابر وحركة المواد؛ في خطوة غير متسقة أخلاقياً مع حجم المأساة والخطر الذي يتهدد حياة الملايين من المدنيين بالإقليم. وتظهر هذه الدعاوى وكأنما تسعى الحكومة لاستخدام الجوع كسلاح في الحرب. وبالمقابل استبق المجتمع الدولي هذه الدعاوى مشدداً على الأهمية القصوى لبقاء المعبر مفتوحاً أمام تدفق المساعدات الإنسانية، وعليه؛ فإن الحرب، العوامل الطبيعية، توقف الإنتاج الزراعي و انعدام مصادر الدخل، علاوة على قفل المعبر أمام المساعدات لا تترك للمدنيين خياراً سوى الموت.