تقرير: سلاميديا
لم يسلم النازحين في المعسكرات بولايات دارفور من جحيم الحرب الحالية، رغم وجود نصوص واضحة بالقانون الدولي الإنساني تقضي بحمايتهم. فقد تعرضت المعسكرات التي نشأت بسبب حرب 2003م، ومراكز الإيواء التي لاذ إليها المواطنون بعد اندلاع حرب 2023م، الى هجمات وقصف مدفعي وجوي، بواسطة أطراف الحرب؛ ما ادى الى سقوط مئات القتلى والجرحى وتدمير كامل لبعض مراكز الإيواء، اضافة إلى عدد من المنازل والمرافق الخدمية بالمعسكرات. بلغ عدد معسكرات النزوح بدارفور نحو 176 معسكراً موزعة على ولايات الإقليم الخمس.
في هذا التقرير، يرصد فريق سلاميديا أعداد القتلى والجرحى بمعسكرات (ابوشوك، زمزم، الحصاحيصا، خمسة دقايق، وعطاش). وينحصر الرصد في الفترة ما بين أبريل إلى نوفمبر 2023م لمعسكرات ولايتي جنوب ووسط دارفور، ومن ابريل الى نوفمبر 2024م لمعسكرات ولايتي شمال وشرق دارفور؛ وهي الفترات التي ارتفعت فيها وتيرة المعارك بين أطراف الحرب في مدن الإقليم.
الضحايا والانتهاكات
شهدت معسكرات النزوح ومراكز الإيواء أكثر من 45 حادثة قصف مدفعي، وثلاث غارات جوية استهدفت معسكري زمزم بشمال دارفور، خمسة دقايق بوسط دارفور ومركز إيواء بشرق دارفور. وأسفرت الهجمات عن مقتل 377 نازحاً وإصابة نحو 970 آخرين بينهم نساء وأطفال، إضافة الى تدمير كامل لمعسكرات النزوح ومراكز الإيواء بمدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور، والتي وجد فريق البحث صعوبات في الحصول على إحصائيات دقيقة لعدد ضحاياها. بينما أشارت الإحصاءات التي حصل عليها مركز سلاميديا، إلى أن معسكر ابوشوك شهد أكثر من 25 حادثة قصف مدفعي وقتل برصاص أطراف الحرب. ويتواصل الموت بمقتل 28 نازحاً وإصابة 47 آخرين برصاص طائش، خلال الفترة من أبريل إلى سبتمبر 2023م بمعسكر عطاش بنيالا، وأكثر من 202 قتيلاً ونحو 534 مصاباً في الفترة من ابريل الى اغسطس 2023م بمعسكرات النازحين بمدينة زالنجي؛ بما في ذلك معسكر الحصاحيصا الذي شهد مقتل نازح واحد اصابة 13 آخرين جراء قصف مدفعي في أكتوبر 2024م، تعرض
تنوعت الانتهاكات في مواجهة المدنيين بمعسكرات النازحين، جراء المواجهات المسلحة بين أطراف الحرب، ما بين القتل والإصابة، إضافة إلى هدم المنازل بالقصف المدفعي أو الجوي. تزامن ذلك مع حدوث جرائم اختطاف واغتصاب بواسطة مجموعات مسلحة مجهولة الهوية؛ طالت 11 نازحاً من مختلف المعسكرات خلال شهر أكتوبر 2024م فقط وفقاً لتقرير صادر عن الناطق باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين بدارفور.
معسكر أبوشوك
يتضح من خلال الإحصاءات أن معسكر ابوشوك هو الأكثر تأثراً بالقصف والانتهاكات، حيث شهد ما يزيد عن 25 حادثة قصف مدفعي نتج عنها ما يزيد عن 133 قتيلاً و 382 جريحاً، وهو أكبر عدد من ضحايا مقارنة ببقية معسكرات الإقليم خلال الفترة من أبريل إلى نوفمبر 2024م. ويعد معسكر ابوشوك أحد أكبر معسكرات النزوح في الإقليم منذ حرب 2003م، حيث يقع في الجانب الشمالي الغربي من مدينة الفاشر، ويقدر عدد سكانه بحوالي 120 ألف نسمة قبل الحرب، إلا أنه استقبل موجات من النازحين بعد اشتداد المعارك بمدينة الفاشر في أبريل 2024م، كما فر قرابة الـ 60% من سكانه بسبب الحرب والدمار الواسع الذي ألحقته الأمطار والسيول بمنازل النازحين.
ردود الأفعال
لاحظ فريق سلاميديا أن ردود الأفعال الدولية والمحلية على استهداف معسكرات النازحين بدارفور بواسطة أطراف الحرب، لم تكن بالقدر الذي يتناسب وحجم الانتهاكات. ورصد مركز سلاميديا أن رد الفعل الدولي الوحيد صدر عن السيدة، كلیمنتین نكویتا سلامي، منسق الشؤون الإنسانية في السودان، والتي أدانت مقتل ستة نازحين وتشريد حوالي 2,300 آخرين، بعد إحراق ملاجئهم أثناء الاشتباكات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بالقرب من معسكر الحصاحيصا بوسط دارفور. محلياً أصدرت تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية تقدم بياناً أدانت فيه عملية قصف معسكر زمزم بشمال دارفور. ووصف البيان الأحداث بعدم التزام بإعلان جدة، تضمنت بنوده حماية المدنيين. وفي ذات السياق أدانت المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين القصف الجوي والمدفعي الذي يتعرض له النازحين؛وطالبت المجتمع الدولي والأمم المتحدة بالتحرك العاجل لمراقبة الوضع في دارفور.
لقد أفرزت الحروبات الطويلة في دارفور منذ 2003م وحتى الحرب الحالية، حالات نزوح كبيرة جداً. وازداد الأمر سوءاً بعد الحرب الحالية، حيث ظهرت مراكز الإيواء بجانب معسكرات النزوح، كآخر مظاهر الانتهاكات الصارخة للفارين من المدن الغارقة في جحيم المواجهات المسلحة. رغماً عن هروب المدنيين في دارفور إلى معسكرات النزوح ومراكز الإيواء بحثاً عن الأمان، إلا أن المعارك والمواجهات المسلحة بمختلف أنواعها، بما فيها القصف الجوي، ظلت تقتفي أثرهم أينما حلوا، ممتدة حتى المعسكرات التي لجأوا إليها، وكأنما هدف هذه الحرب هو المدنيين. نتيجة لتكرار هذا الإستهداف بدليل ضخامة أرقام الضحايا وسط المدنيين في معسكرات النازحين ومراكز الإيواء، نجد أنه من الضرورة بمكان التشديد على الأهمية القصوى للمطالبة بإجراءات الحماية لهؤلاء الضحايا من وحشية الهجمات التي لا تفرق بين النساء والأطفال وكبار السن.