تقرير سلاميديا
يُعتبر التعليم حقاً معترفاً به وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي تنص المادة 26 فيه “لكل شخص الحق في التعليم”. وبالرغم من ذلك، لم يتبقى سوى أيام قليلة على موعد امتحانات الشهادة السودانية (المؤجلة) من العام 2023م؛ والتي أعلنت وزارة التربية والتعليم الاتحادية قيامها في 28 ديسمبر 2024م. جاء إعلان قيام الامتحانات رغم عدم الوضوح المصاحب لمستقبل الطلاب في عدة ولايات بالسودان وبخاصة دارفور؛ والذي ربما يؤدي إلى حرمانهم من حقهم في المنافسة مع زملائهم في الولايات المستقرة (نسبياً)، وبالتالي سيؤثر ذلك على حقهم في التعليم. إن حرمان طلاب دارفور من المشاركة في امتحانات الشهادة السودانية يعتبر انتهاكاً صريحاً للحق المكفول بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
في هذا التقرير، يستعرض فريق سلاميديا العقبات التي تواجهة طلاب ولايات دارفور في سبيل التقديم ومن ثم الجلوس لامتحانات الشهادة السودانية؛ وذلك بسبب انقطاع التواصل بين المؤسسات الاتحادية والمستويات الأدنى في المناطق خارج سيطرة القوات المسلحة. التي تسيطر عليها قوات الدعم.
أعداد الممتحنين
حرمت الحرب أعداداً مقدرة من الطلاب بولايات جنوب وشرق ووسط دارفور من الجلوس لأداء امتحانات الشهادة السودانية في العام 2023 م. ووفق إفادات المسؤولين بالإدارات المدنية التابعة لقوات الدعم السريع بتلك الولايات، فإن إجمالي الطلاب المحرومون بولاية جنوب دارفور وحدها يفوق الـ 35 ألفاً، شرق دارفور ستة ألفاً وفي وسط دارفور 12 ألف طالب ينحدرون من ست محليات تسيطر عليها قوات الدعم السريع وثلاث أخرى تحت سيطرة حركة تحرير السودان ـ عبد الواحد نور. وقال مسؤول الإعلام بوزارة التربية والتعليم عبر الهاتف من بورتسودان، أن الوزارة لا تملك إحصاءات دقيقة عن الطلاب المتوقع جلوسهم لامتحانات الشهادة السودانية هذا العام من إقليم دارفور؛ وأرجأ ذلك إلى استمرار حركة النزوح والتنقل بين الولايات، مما استدعى تمديد فترة تسجيل وحصر الطلاب عدة مرات لضمان لتسجيل أكبر عدد من طلاب دفعة 2023م. وقد أغلقت الوزارة باب تسجيل وحصر الطلاب في 17 نوفمبر 2024م، وبناء عليه تم إخطار إدارات التعليم في الولايات أن رفع الكشوفات الموجودة ووقف عملية تسجيل وحصر الطلاب بعد التاريخ المحدد.
وتجدر الإشارة أن عدد الطلاب المسجلين قبل الحرب للجلوس لامتحانات الشهادة 2023م في كل السودان، بلغ 535,848 طالباً وطالبة ــ وفقاً لوزير التربية والتعليم الإتحادي، أحمد الخليفة. وأوضح الوزير أن العدد النهائي للطلاب والمراكز سيتم تحديده بعد انتهاء التسجيل.
جدل المراكز
ويواجه الطلاب المتواجدين بمناطق سيطرة الدعم السريع في ولايات دارفور مصيراً مجهولاً حول إمكانية جلوسهم لإمتحانات الشهادة أم لآ! وذلك لما قطعه مسؤول الإعلام بوزارة التربية والتعليم الاتحادية، بأن الوزارة لن تقيم مراكزاً للامتحانات في الولايات خارج سيطرة القوات المسلحة؛ بالإشارة إلى أن الوزارة وضعت ترتيباتها على أساس جلوس الطلاب في الولايات تحت سيطرة القوات المسلحة فقط. بينما أفاد أحمد خليفة، وزير التربية والتعليم الاتحادي المكلف، إن الوزارة شكلت لجنة للامتحانات في الولايات غير الآمنة، لتحديد إمكانية استضافتهم في الولايات الآمنة، وتسهيل مشاكل السكن والإعاشة ليتمكن أي طالب من الجلوس لأداء الامتحانات، سواء داخل أو خارج السودان. في تلك الأثناء، أعلن ولاة ولايات شمال، وسط، جنوب، غرب وشرق دارفور المتواجدين في بورتسودان، أنه على الطلاب السفر الى الولايات التي تسيطر عليها القوات المسلحة لأجل الجلوس لأداء امتحانات الشهادة السودانية.
وبحسب القرار الصادر من مكتب تنسيق وزارة التربية والتوجيه لولاية جنوب دارفور بالعاصمة بورتسودان، تم تحديد الأول من ديسمبر 2024م، كآخر موعد لكيما يحدد الطلاب المراكز التي بإمكانهم أداء الامتحانات منها. وجاء في القرار أن الطلاب الذين لم يتمكنوا من تحديد المراكز حيث يمكنهم الجلوس للامتحان في 28 ديسمبر 2024م، أن لديهم فرصة للجلوس في مارس 2025م.
إلا أن الإدارات المدنية التابعة لقوات الدعم السريع بولايات دارفور، ترى أن ترحيل الطلاب الى الولايات تحت سيطرة القوات المسلحة أمر غير ممكن. وعليه قال محمد الزين، رئيس الادارة المدنية بجنوب دارفور لسلاميديا، إنهم لا يزالون يبحثون عن سبل لتمكين طلاب الولاية من أداء الامتحانات، مستبعداً خيار نقلهم للولايات تحت سيطرة القوات المسلحة. فيما طالب مدير التربية والتعليم بالإدارة المدنية لشرق دارفور بإقامة مراكز لامتحانات طلاب الولاية في دولة جنوب السودان. ومن جانبه وصف التجاني كرشوم، رئيس الادارة المدنية بغرب دارفور، عملية تنظيم الامتحانات في ظل هذه الحرب “بعملية سياسية غير مهنية” فيها ظلم كبير لأبناء الشعب السوداني.
طباعة الامتحانات
شرعت وزارة التربية والتعليم الاتحادية في أكتوبر 2024م، في إجراءات طباعة الامتحانات. وقال مدير الإمتحانات الإتحادي، عماد عبد القادر، في تصريحات سابقة ـ أن الوزارة طرحت عطاءات لطباعة الامتحانات وفق إجراءات يتم من خلالها اختيار المطبعة التي تقوم بعملية الطباعة. ومنذ ذلك الحين، لم ترد أي أنباء توضح اكتمال عملية الطباعة وما الجهة التي قامت بها (المطبعة).
المخاطر والمخاوف
تظل الظروف الأمنية المتدهورة بشكل عام، هي العامل الرئيسي الذي يحد من قدرة طلاب الشهادة السودانية بدارفور من الجلوس لأداء الامتحانات. فإن استمرار المواجهات العسكرية بين الأطراف المتحاربة، إضافة إلى قصف الطيران، كلها ظروف تجعل من إمكانية الوصول إلى مراكز الإمتحانات وحمايتها أمراً في غاية الصعوبة؛ هذا إضافة إلى الظروف النفسية. إن عملية أداء الإمتحانات يجب أن تتم تحت ظروف ملائمة، أهمها الشعور بالأمان. فعلى خلفية هذه المخاطر، فإن كثير من الأسر بولايات دارفور باتت متوجسة من خيار نقل أبنائها إلى مناطق سيطرة القوات المسلحة لأداء الامتحانات، خوفاً من ملاقاة مصير الطالب عمر أحمد عبد الهادي الذي انتقل من مدينة (الخوي) بغرب كردفان الى الولاية الشمالية من أجل الجلوس للامتحانات، ليجد نفسه في قبضة القوات المسلحة، ومن ثم الحكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع. استبعد رئيس الادارة المدنية بغرب دارفور التجاني كرشوم، أن تسمح أي أسرة لإبنها بالسفر لمناطق سيطرة القوات المسلحة لأداء الإمتحانات، قائلاً “لا نرى مكاناً امناً يسافر إليه الطلاب لأداء الامتحانات خارج الولاية بعد أن شهدنا ما جرى لطالب غرب كردفان”. وعلى خلفية انعدام الأمن، اضطرت نهال آدم شين إلى منع ابنتها (عُلا) من الذهاب الى المدرسة بسبب كثافة الغارات الجوية على مدينة نيالا، رغم استعدادها لأداء الامتحان. وذكرت نهال انها لو كانت تملك مالاً لخرجت من السودان من أجل أن تجد ابنتها فرصة لإكمال تعليمها. بينما قرر الطالب حسين آدم المتواجد في مناطق جبل مرة ترك الدراسة بصورة نهائية والتوجه إلى سوق العمل بعد فقدانه أمل الجلوس للامتحانات.
مما لا شك فيه أن هذه الحرب لها تأثيراً مباشراً على جلوس طلاب دارفور لأداء امتحانات الشهادة السودانية لهذا العام. وتشير الإحصاءات إلى أن ما يزيد عن الـــ 104 ألف طالباً هم آخر من جلسوا لأداء إمتحانات الشهادة السودانية بالإقليم في العام الدارسي (2021م – 2022م)؛ وبمقارنة ذلك مع عدد الطلاب المحصورين لإمتحانات (2023 – 2024)، البالغ 60 ألف طالباً تقريباً، نجد أن الفارق حوالي 44 ألف طالباً، وعملياً هم من فقدوا حقهم في الجلوس لأداء الإمتحانات. إضافة إلى أن من ضمن المحصورين، هناك من هم عرضة لفقدان فرصة الجلوس للامتحانات بسبب العوامل المذكورة في هذا التقرير. وبالتالي يعتبر كل من فقد حق الجلوس للامتحانات هم في نهاية المطاف إمتداد لقطار الفاقد التربوي الذي ستنتهي رحلته عند محطة التجنيد في صفوف أطراف الحرب. وعليه، فإن لابد من مواصلة الدعوات من أجل إيجاد بدائل تمكّن هؤلاء الطلاب من الجلوس لأداء الامتحانات، هي ليست دعوات لإكمال دورة العملية التعليمية فقط؛ بقدر ما هي من أجل الحفاظ على حق هؤلاء الطلاب في التعليم، وفي ذات الوقت إنذاراً مبكراً لتجنيبهم أن يصبحوا وقوداً للحرب.