تقرير سلاميديا

سيدة محمد هرديمي ذات الـ (52 عاماً) وطفلتها المعاقة التي لم تجاوز الـ 13 ربيعاً، أُجبرتا على ترك منزلهما بحي المعهد (ب) بسبب المعارك بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع بمدينة الفاشر، فلجأتا إلى معسكر زمزم للنازحين بحثاً عن الأمان. إلا أن سيدة وطفلتها عانتا مجدداً من الرعب والهلع بعد أن تعرض المعسكر للقصف المدفعي لأيام طوال من قبل قوات الدعم السريع إبتداءً من مطلع ديسمبر 2024م.  سيدة التي تعمل كأستاذة لمادة الفيزياء بالمدارس الثانوية في ولاية شمال دارفور، بعد لجوئها لمعسكر زمزم، لم تستطع هذه المرة من الفرار؛ وقالت في مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، إنها لم تتمكن هي وطفلتها المعاقة الفرار للمرة الثانية بسبب انعدام المال الذي يمكنهما من النزوح إلى مكان آخر أكثر أماناً؛ وقالت “القذائف المدفعية سقطت في الاتجاهات الأربعة بالقرب من مركز الإيواء الذي نقيم فيه مع آخرين”. وكانت أصوات المدافع المدوية كفيلة ببث الرعب في قلب سيدة وكل النازحين المتواجدين في المعسكر، مما أجبر الكثير منهم على الفرار، ولم يتبق سوى سيدة وبعض الأسر بينهم معاقين وكبار سن، أو لا يملكون إمكانيات الانتقال إلى ملاذ آمن. وأضافت سيدة “الأسر التي لديها مقدرة مالية فرت من المعسكر، بينما نحن لا نملك حق المواصلات”.

ربما تمثل دوامة الخوف والهلع التي عاشتها المعلمة سيدة، نموذجاً لحال الكثيرين الذين يحتمون بمعسكر زمزم؛ وهو أحد أكبر معسكرات النزوح بدارفور، والذى اتسع بعد اشتداد المعارك بمدينة الفاشر حيث فر إليه سكان المدينة باعتباره معسكراً يأوي نازحين عزل وتحميه القوانين الدولية من أطراف الحرب.

تمت إقامة معسكر زمزم للنازحين في العام 2004م؛ وتدفق إليه النازحين الفارين ــ من عدة مناطق بولايات دارفور ــ بسبب العنف المصاحب للنزاع المسلح بدارفور حينذاك. بلغت تقديرات النازحين بالمعسكر في العام 2013 حوالي 147 ألف نازحاً، أغلبهم من مناطق جبل مرة وشمال ولاية جنوب دارفور. ومنذ إندلاع النزاع في 2003م، وحتى الحرب الحالية، تضاعفت أعداد النازحين بالمعسكر وزادت عن الـ 500 ألف نازحاً من الولايات الأخرى وبالأخص مدينة الفاشر التي واجهت أعمال عدائية مكثفة.

في ظل هذه الظروف التي تعيشها ولاية شمال دارفور جراء المعارك بين أطراف الحرب، إلا أن بعض المؤسسات المهتمة بمكافحة العنف ضد النساء احتفلت  بـحملة الـ 16 يوم لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي. وذلك بتدشين عدد ست مساحات آمنة للنساء والفتيات بمعسكر زمزم للنازحين، الذي يشهد قصفاً مدفعياً مكثفاً في ذات الأثناء.

القصف المدفعي

لم يسلم معسكر زمزم من الاعتداءات بواسطة أطراف الحرب، في مخالفة واضحة للقانون الدولي الذي وقع عليه السودان؛ والذي يؤكد على حماية تجمعات النازحين في مناطق النزاع، ويحكم سلوك الأطراف في النزاعات المسلحة، وينص: “يحق للأشخاص المحميين بموجب هذه الاتفاقية أن تحترم حياتهم وكرامتهم وسلامتهم البدنية والنفسية ويحظر قتلهم أو إخضاعهم للتعذيب”. 

وفي صبيحة الأول من ديسمبر 2024م استيقظ النازحون على أصوات المدافع التي أدت إلى مقتل 8 أشخاص بينهم نساء وأطفال. أعقب ذلك سجال على منصات التواصل الاجتماعي بين قائد حركة تحرير السودان، مني اركو مناوي والقوات المشتركة من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، تبادلوا فيه الاتهامات بمسئولية انتقال المعارك الى معسكر زمزم. في ذات الأثناء طالبت ادارة معسكر زمزم، مجلس الأمن الدولي بتشكيل لجنة تحقيق للتقصي حول مزاعم وجود مظاهر عسكرية بالمعسكر.

النزوح

بحسب مصفوفة النزوح، في يومي 6 و7 ديسمبر 2024، نزحت حوالي 739 أسرة من مخيم زمزم، بسبب المخاوف الأمنية المتزايدة في أعقاب القصف على المخيم. وأشارت المصفوفة إلى أن معظم الأسر نزحت إلى محليتي طويلة ودار السلام بشمال دارفور؛ بينما تواجه مئات الأسر الفارة من المعسكر، أوضاعًا مأساوية في قرى متفرقة في الريف الشمالي الغربي للفاشر.

وأشار تقرير صادر عن المنسقية العامة للنازحين واللاجئين بدارفور، ان محلية طويلة بشمال دارفور استقبلت في يوم 6 ديسمبر 2024م عدد 510 أسرة من النازحين الفارين من معسكر زمزم نتيجة للقصف المدفعي الذي تعرض له المعسكر.

القرار 1325 والنزاع

بالرغم اجازة الحكومة السودانية خطة عمل وطنية لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1325 المتعلق بالمرأة والسلام والأمن؛ إلا أن ما يتعرض له معسكر زمزم من انتهاكات يتنافى مع مرتكزات القرار. وقعت الهجمات على المعسكر الذي يضم أعداد كبيرة من النساء والأطفال رغماً عن نص القرار 1325 على ضرورة حماية المرأة من العنف الجسدي، وتجنب العفو عن الجرائم التي تقع ضد النساء أثناء الحروب. ويقول المدافع عن حقوق الإنسان، المحامي/ وليد آدم النور تقل، ان القصف الذي يتعرض له معسكر زمزم يعتبر إنتهاكاً صريحاً للقانون الدولي الإنساني وانتهاك لمبادئ الحروب التي تقتضي تجنيب المدنيين آثار النزاعات. وقال تقل إن معيار القضاء الجنائي  في القانون الدولي الإنساني ينص على أنه إذا كان هناك 50% من المدنيين متواجدين في منطقة نزاع والـ 50% الآخرين عسكريين متقاتلين؛ وعليه يستوجب القانون معاملتهم جميعاً كمدنيين تجب حمايتهم. وأشار أن النساء والأطفال هم النسبة الأكبر من سكان المعسكر، وأن استهدافهم يعتبر مخالفةً للقرار 1325 وخرقاً للقانون الإنساني الدولي. واتفق معه المحامي/ عبدالله محمد إبراهيم، على خلفية اعتبار القرار 1325 ملزماً سياسياً وقانونياً لكل الأطراف في الحرب؛ فإن ما يحدث من قصف لمعسكر زمزم للنازحين من قبل قوات الدعم السريع يعتبر خرقاً واضحاً للقرار.

فيما أكدت رابحة إسماعيل محمد، ناشطة نسوية  أن القصف الذي يتعرض له معسكر زمزم ليس منافياً للقرار 1325 فقط، وإنما منافياً لكل المواثيق الدولية، لجهة أن المعسكرات لها وضعها الخاص. وأشارت إلى أن أحد مرتكزات القرار 1325 هي وقاية وحماية النساء خاصة في معسكرات النزوح. واضافت “القرار يشكل حماية للنساء بمعسكر زمزم لانه قرار صادر من مجلس الأمن”. وذكرت أنه إذا التزم أطراف الحرب بالقرار بصورة حقيقة فبإمكانه أن يجنب النساء الانتهاكات التي يتعرضن لها أثناء الحروب.

بصورة عامة، تظل الإنتهاكات سمة ملازمة للحروب، غير أن ما يثير القلق حيالها، هو اتساع نطاق ضحاياها من المدنيين خاصة النساء. وبالرغم من أن القوانين والأعراف الدولية، حددت بشكل قاطع وحاسم كيفية التعامل مع المدنيين في حالات النزاع، ألا أن الشواهد دللت على أن ما يحدث في معسكر زمزم وما يتعرضن له النساء هو دليل على عدم اكتراث الأطراف المتحاربة بهذه القوانين، ويعزز ذلك الأرقام المتزايدة لعدد الضحايا. إن المجتمع الدولي والمؤسسات ذات الصلة مطالبة، بتفعيل آليات العدالة الدولية لوقف الحرب الدائرة حالياً، التي تصعّب وتعقّد من عمليات إحلال السلام وإنصاف الضحايا.