تقرير سلاميديا
تمهيد:
مع اقتراب نهاية العام الثاني لحرب السودان التي اندلعت في 15 من أبريل 2023م، تظل الأوضاع الإنسانية ماضية في التدهور المستمر على جميع الأصعدة؛ مخلفة وراءها مآسي تفوق التصوّر، وصلت حد أن توصف بالكارثة الإنسانية الأكبر في تاريخ البشرية الحديث. لم تقض هذه الحرب على البنية التحتية والعلاقات الاجتماعية فحسب، وإنما وضعت مستقبل الأجيال القادمة بأسره في مهب العواصف. لذلك، تصبح الدعوات لوقف النزيف المستمر للدماء والموارد، ذات أهمية بالغة على المستوى الإنساني والسياسي، وفي رسم أي مستقبل للدولة والمجتمع في السودان.
هذا التقرير اعتمد بشكل أساسي على تقارير سابقة لمركز سلاميديا استعرضت الأوضاع الإنسانية في دارفور و مساعي وجهود السلام التي بذلت بصدده؛ مضافاً إليها التحديثات حول الأوضاع الأمرين علاوة على النتائج والتوصيات المستنتجة من تحليل البيانات المتراكمة من التقارير السابقة والتطورات اللاحقة.
خلفية النزاع
يعود النزاع في دارفور إلى منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وتُرجح بعض المصادر بداياته الأولية إلى عامل التدهور البيئي الناتج عن موجة الجفاف والتصحر التي ضربت الحزام الأفريقي جنوب الصحراء في تلك الحقبة؛ ورغم ذلك، لم تخلو تلك البدايات من التأثير السياسي للدولة من خلال سياسات تكوين المليشيات القبلية المسلحة. إلا أن البداية الفعلية لأزمة دارفور كانت في العام 2003م وقتما ثارت مجموعات من الإقليم ضد نظام الإنقاذ. لذا يعتبر قرار نظام الإنقاذ عام 1994م القاضي بتقسيم دارفور إلى ثلاث ولايات بدلاً عن الإقليم الواحد، من الأسباب السياسية التي أدت إلى اندلاع النزاع المسلح.
حصيلة الكوارث الإنسانية
منذ بداية الحرب الحالية وإلى الآن، ارتفعت معدلات الانتهاكات بالإقليم، و تعددت أوجهها، ما بين القتل، والتشريد، وإعاقة وصول المساعدات الإنسانية، حتى تم وصفها بأكبر كارثة شهدها الإقليم. فعلي سبيل المثال لا الحصر، قُتل ما لا يقل عن 1,100 شخصاً في 20 يونيو 2023م بغرب دارفور، وفر 80% من سكان الجنينة من منازلهم. وبحسب تقرير حديث لــ هيومن رايتس ووتش، فإن قوات الدعم السريع ارتكبت أعمال نهب وحرق واسعة النطاق، ودمرت البنية التحتية الحيويّة، مثل المستشفيات، والمدارس والأسواق بغرب دارفور؛ علاوة على مخيمات مخيّمات النازحين. وكذلك تعرّضت سبع مناطق أخرى على الأقل للهجوم والحرق، خلال الفترة من أبريل إلى يوليو 2023م حيث قتل ما لا يقلّ عن 200 شخص. ومنذ ذلك التاريخ، فرّ أكثر من 300 ألف شخص إلى تشاد.
في جنوب دارفور أدي القتال ما بين طرفي النزاع والغارات الجوية في أغسطس وسبتمبر إلى مقتل 50 شخصاً على الأقلّ، وأجبر 50 ألفاً آخرين على الهروب.
في شمال دارفور خلفت المعارك المستمرة منذ بداية الحرب أعداداً كبيرة من القتلى بلغت حوالي الـ 750 شخصاً و4700 مصاباً، ونزوح ما يقدر بـ 90 ألف مواطناً. عانت مدينة الفاشر على وجه التحديد، حصاراً طويلاً منذ مايو 2024م ممتداً لما يزيد على الستة أشهر، وخلال تلك الفترة، تعرضت المدينة لدمار واسع النطاق في بنيتها التحتية، من مرافق صحية وتعليمية وطرق وغيرها، نتيجة للقصف المدفعي المتبادل بين طرفي النزاع، وطلعات الطيران التابع للقوات المسلحة. نتجت عن الحصار والقصف المتبادل بين أطراف النزاع حركة نزوح كبيرة، بلغت حوالي 1.5 مليون شخص في ولاية شمال دارفور وحدها ـــــ وفقاً لبيانات المنظمة الدولية للهجرة، إضافة إلى مجاعة وانتشار واسع لسوء التغذية الحاد وسط الأطفال، المسنين، النساء الحوامل والمرضعات. في آخر تحديث لحركة النزوح بدارفور، أشارت منظمة الهجرة الدولية خلال الفترة من 7 إلى 21 نوفمبر 2024م إلى نزوح 783.053 من غرب دارفور، 1,601,353 من شمال دارفور، 1,830,930 من جنوب دارفور، 310,402 من وسط دارفور، ليفوق إجمالي النزوح حوالي الـــ 4,5 مليون نازح، وهو رقم قياسي خلال ستة أشهر ( مايو إلى نوفمبر 2024م) من الحصار على مدينة الفاشر، حيث تصاعدت حدة المواجهات بين أطراف النزاع بالإقليم.
دعوات السلام:
مع استمرار الحرب، وتفاقم الأوضاع الإنسانية، برزت جهود ومبادرات محلية، إقليمية ودولية لدفع إيقاف الحرب وإحلال السلام. سنستعرض في هذا الجزء من التقرير المبادرات، وما طرحته من مقترحات حلول، ونستكشف ردود الفعل حولها.
المبادرات المحلية: المبادرة الشعبية بمدينة الضعين 14 أكتوبر 2023م:
انطلقت مبادرة شعبية في مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور، لمحاربة مظاهر حمل السلاح، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة والدعوة لقبول الآخر. وأشارت المبادرة الى حدوث فراغ كبير أحدثه غياب أجهزة الشرطة والأمن بعد اندلاع الحرب التي أنتجت اختلالات أمنية كثيرة؛ الأمر الذي دفع شباب الضعين ورجال الإدارة الأهلية للسعي لتوفير الأمن في المدينة.
مبادرة الفاشر أغسطس 2024م:
أعلنت شخصيات وطنية وسياسية وأكاديمية ورموز اجتماعية وثقافية ورياضية وقيادات محلية وشبابية عن مبادرة الفاشر. وقامت تلك الشخصيات بمراسلة قيادتي القوات المسلحة وقوات الدعم السريع من أجل وقف الحرب وإهدار الدماء، وبحث السبل الناجعة لحماية المدنيين. ضمت المبادرة عبد الواحد محمد نور رئيس حركة جيش تحرير السودان، بروفيسور صديق تاور عضو مجلس السيادة السابق، الشريف صديق الهندي رئيس الحزب الاتحادي التيار العام، الأستاذة سارة نقد الله، الأستاذ عالم عباس، الأستاذة درة قمبو، د. إيمان عبد الرحمن، الأستاذ مدثر فضل موسى، الأستاذ أحمد السنهوري، السفير إبراهيم جعفر السّوري وآخرون. وجاءت مبادرة د. الهادي إدريس عضو مجلس السيادة السابق في ذات الاتجاه، وعلى خلفية تدهور الأوضاع الإنسانية بمدينة الفاشر عقب الحصار، داعيةً لفتح ممرات آمنة بمدينة الفاشر لإيصال المساعدات الإنسانية ومواد الإغاثة للمواطنين.
المبادرات القومية: إعلان أديس أبابا ديسمبر 2023م:
يعتبر إعلان أديس أبابا من الناحية الجوهرية امتداداً للمبادرات القومية السابقة له والتي طرحتها جهات مختلفة، أبرزها مبادرة دعم التحول المدني أو ما عرف بمبادرة أساتذة جامعة الخرطوم، التي ضمت تجمع اساتذة من جامعة الخرطوم، جامعة السودان، جامعة النيلين، جامعة الجزيرة، مركز ساس الحقوقي وتجمع العاملين بقطاع النفط؛ وقد جاءت المبادرة كخطوة استباقية لتجنب الحرب. وبعد نشوب الحرب أطلق التكتل المدني ـــ الذي ضم منظمات من المجتمع المدني ـــــ في 24 يوليو 2023م مبادرة نصت على تأسيس حكم مدني وإبعاد الطرفين المتحاربين من العمل السياسي، وتكوين جيش وطني موحد.
شكلت جميع المبادرات السابقة بصورة أو أخرى، الأساس الذي استند عليه إعلان أديس أبابا، والذي أطلقته تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية (تقدم) في ديسمبر من العام 2023 م؛ حيث دعت عبره إلى عقد لقاء مباشر بين قائد العام للقوات المسلحة وقائد قوات الدعم السريع. تلخصت القضايا الرئيسية التي حواها إعلان أديس في:
- وقف العدائيات وإيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين.
- قضايا إنهاء الحرب وتأسيس الدولة السودانية.
- والاتفاق على مشروع خارطة طريق وآليات للتنفيذ.
مبادرة الآلية الوطنية لدعم التحول المدني الديمقراطي بالسودان 4 أكتوبر 2023م:
قدمت الآلية التي ضمت شخصيات سياسية سودانية برئاسة عضو مجلس السيادة السابق؛ الأستاذة عائشة موسى، الدعوة للفريق عبد الفتاح البرهان لأجل إيقاف الحرب الطاحنة بالبلاد. وتضمنت المبادرة خارطة لوقف الحرب، وتكوين حكومة طوارئ تضطلع بمهام تنفيذ الالتزامات الوطنية فيما يتعلق بالتنمية والعمران وإغاثة السودانيين المتضررين من الحرب وفتح ممرات للأغراض الإنسانية ودخول المساعدات لولايات الخرطوم ودارفور.
المبادرات الإقليمية والدولية: دعوة الأمم المتحدة:
في 5 يوليو 2024م دعت الأمم المتحدة، القوات المسلحة وقوات الدعم السريع إلى عقد مباحثات غير مباشرة خلال نفس الشهر بجنيف، لبحث تسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين من القتال وحماية المدنيين. وأرسل المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، رمطان لعمامرة، خطاباً إلى القائد العام للقوات المسلحة، الفريق عبد البرهان في 26 يونيو ، مقترحاً إرسال وفد محدود رفيع المستوى إلى جنيف في العاشر من يوليو 2024م، لبدء نقاشات مع الدعم السريع تحت رعاية الأمم المتحدة. ركزت دعوة الأمم المتحدة للطرفين على أهمية ضمان توزيع المساعدات الإنسانية وبحث خيارات حماية المدنيين. وطلب مجلس الأمن من الأمين العام بالتشاور مع السلطات السودانية وأصحاب المصلحة الإقليميين، تقديم توصيات إضافية لحماية المدنيين في السودان، بالاستناد إلى آليات الوساطة والمساعي الحميدة القائمة. كما حث أطراف النزاع على السعي لوقف فوري للأعمال العدائية مما يؤدي إلى حل مستدام للنزاع من خلال الحوار.
كانت جنيف هي أخر الدعوات للتفاوض بين أطراف الصراع الجاري، حيث رحب الدعم السريع بقبول الدعوة وفق بيان على حساب قائده في منصة إكس، بينما غرد قائد القوات المسلحة أنه تحدث مع وزير الخارجية الأمريكي وأبلغه بضرورة معالجة شواغل الحكومة السودانية قبل بدء أي مفاوضات.
مبادرة الجامعة العربية مارس 2024م:
دعت المبادرة إلى الوقف الفوري لكافة الأعمال القتالية في السودان، من دون قيد أو شرط، وتعزيز الالتزام بالهدنة، سعياً نحو عدم تفاقم الأوضاع الإنسانية والمعيشية للشعب السوداني، والحفاظ على مكتسباته وسلامة الدولة السودانية ومؤسساتها ومنشآتها وأكد استعداد الدول الأعضاء لتوفير جميع أشكال الدعم الإنساني الطارئ والمساعدات الطبية والغذائية من خلال المجالس الوزارية المتخصصة وبالتنسيق مع الجهات السودانية الوطنية والمنظمات الدولية والإقليمية.
مبادرة ليبيا فبراير 2024م:
أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة مبادرة لإحلال السلام ووقف إطلاق النار في السودان، وذلك من خلال تقريب وجهات النظر بين الطرفين المتحاربين.
اتفاق المنامة يناير 2024م:
بحسب صحيفة الشرق الأوسط، وقع كل من مساعد القائد العام للقوات المسلحة، الفريق شمس الدين الكباشي، نائب قائد قوات الدعم السريع، الفريق عبد الرحيم دقلو، على وثيقة اتفاق في العاصمة البحرينية المنامة في 20 يناير 2024م. حوى الاتفاق 22 بنداً، ونص في نقاطه الرئيسية على:
- تكوين جيش وطني مع الدعم السريع وحركات الكفاح المسلح.
- بناء وإعادة تأسيس القوى الأمنية النظامية (جهاز الشرطة والمخابرات)، واعتماد مبدأ عدالة توزيع الفرص بين السودانيين.
- القبض على المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية.
- تفكيك نظام الإسلاميين الذي حكم البلاد في العقود الثلاثة الماضية.
- نص الاتفاق على ضرورة رفع المعاناة عن كاهل الشعب.
- الوصول لحلول للأزمة تنهي الحرب عبر حوار سوداني- سوداني.
مبادرة دول جوار السودان يوليو 2023م:
دعت مصر في 13 يوليو 2023م رؤساء دول وحكومات جمهورية أفريقيا الوسطى، تشاد، إريتريا، إثيوبيا، ليبيا وجنوب السودان، في قمة لدول جوار السودان بالقاهرة، بحضور رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، لبحث كيفية معالجة الأزمة السودانية، وقد توافقت هذه الدول على حزمة مبادئ مثلت إطار مبادرة لحل أزمة الحرب في السودان، تلخصت نقاطها في التالي:
- مناشدة الأطراف المتحاربة على وقف التصعيد والالتزام بالوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار لإنهاء الحرب.
- التأكيد على الاحترام الكامل لسيادة ووحدة السودان وسلامة أراضيه، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، والتعامل مع النزاع القائم باعتباره شأناً داخلياً، والتشديد على أهمية عدم تدخل أي أطراف خارجية في الأزمة.
- التأكيد على أهمية الحفاظ على الدولة السودانية ومقدراتها ومؤسساتها، ومنع تفككها أو تشرذمها وانتشار عوامل الفوضى بما في ذلك الإرهاب والجريمة المنظمة في محيطها، وهو الأمر الذي سيكون له تداعيات بالغة الخطورة على أمن واستقرار دول الجوار والمنطقة ككل.
- التعامل مع الأزمة الراهنة وتبعاتها الإنسانية بشكل جاد وشامل.
- .تسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية المقدمة للسودان عبر أراضي دول الجوار، وذلك بالتنسيق مع الوكالات والمنظمات الدولية المعنية.
الوساطة السعودية الأمريكية (منبر جدة) مايو 2023:
منذ بدء الحرب دعت الوساطة السعودية الأمريكية والأمم المتحدة، القوات المسلحة والدعم السريع إلى سبع جولات من المحادثات، لم تسفر جميعها عن نتائج ملموسة، رغم توقيع الطرفين في مدينة جدة في 21 مايو 2023م على وقف إطلاق نار. حوت البنود الرئيسية لاتفاق جدة الموقع في السابع من نوفمبر 2023 م على التزامات طرفي الحرب التي وردت في إعلان وقف إطلاق النار، والتي اشتملت على:
- الانخراط في آلية إنسانية مشتركة بقيادة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة لمعالجة معوقات إيصال المساعدات الإغاثية.
- تحديد جهات اتصال لتسهيل مرور وعبور العاملين في المجال الإنساني والمساعدات.
- تنفيذ إجراءات بناء الثقة فيما يخص:
- إنشاء آلية تواصل بين قادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.
- احتجاز الهاربين من السجون.
- تحسين المحتوى الإعلامي لكلا الطرفين، وتخفيف حدة اللغة الإعلامية.
- اتخاذ إجراءات حيال الأطراف المثيرة للتصعيد والمأججة للصراع.
مبادرة الإتحاد الإفريقي:
طرح الإتحاد الإفريقي خارطة طريق أفريقية كإطار لحل الأزمة المتفاقمة في السودان في مايو 2023 وأعلن مجلس السلم والأمن الأفريقي التابع للاتحاد الأفريقي، تمسكه بالخارطة المكونة من 6 نقاط والتي شملت:
- وقف إطلاق النار الدائم، وتحويل الخرطوم لعاصمة منزوعة السلاح.
- إخراج قوات طرفي القتال إلى مراكز تجميع تبعد 50 كيلومترا عن المدن.
- نشر قوات أفريقية لحراسة المؤسسات الاستراتيجية في العاصمة.
- معالجة الأوضاع الإنسانية السيئة الناجمة عن الحرب.
- إشراك قوات الشرطة والأمن في عملية تأمين المرافق العامة.
- البدء في عملية سياسية لتسوية الأزمة بشكل نهائي.
مبادرة هيئة إيقاد أبريل 2023م:
مع اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023م أطلقت الإيقاد مبادرة بهدف تقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة في السودان، أملاً في تسوية أزمة تقاسم السلطة بين العسكريين والمدنيين والوصول إلى حكم مدني. تضمنت تلك المبادرة مقترحات مقتضبة لحل الأزمة المشتعلة في السودان.
بعثة تقصي الحقائق:
أنشأ مجلس حقوق الإنسان بعثة لتقصي الحقائق بموجب القرار الصادر في أكتوبر 2023م؛ وشملت مهام البعثة التحقيق في جميع الانتهاكات والتجاوزات المزعومة لحقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك تلك المرتكبة ضد اللاجئين، والجرائم ذات الصلة في سياق النزاع المسلح المستمر الذي بدأ في 15 أبريل 2023، بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع وغيرهما من أطراف النزاع، وإثبات الوقائع والظروف والأسباب الجذرية لها. توصلت البعثة في تقريرها الى ان طرفي الحرب في السودان ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ما يعد انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني والميثاق الدولي لحقوق الإنسان. أوصت البعثة في تقريرها بنشر قوة مستقلة ومحايدة مكلفة بحماية المدنيين، وتوسيع نطاق حظر السلاح ليشمل كل السودان، وإلزام الفاعلين الدوليين و الإقليميين بالقرار 1556 الصادر من مجلس الأمن الدولي والخاص بحظر السلاح في دارفور والقرارات اللاحقة له. كما أوصت مجلس الأمن بتوسيع نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ليشمل كامل أراضي السودان؛ والنظر على وجه السرعة في إنشاء آلية قضائية دولية منفصلة تعمل جنباً إلى جنب مع المحكمة الجنائية الدولية، واستكشاف مسارات أخرى للعدالة لضمان مساءلة الجناة على جميع المستويات.
تلخيص المبادرات:
من الملاحظ أن هنالك تشابه كبير في بنود كافة دعوات ومبادرات السلام المحلية، الإقليمية أو الدولية؛ في التركيز على ثلاثة قضايا مركزية، هي: وقف إطلاق النار، إيصال المساعدات للمتضررين وحماية المدنيين. غير أن الحل السياسي للأزمة اتخذ مداخل مختلفة، فبينما فصل منبر جدة بين مسارات العمل الإنساني والحل السياسي، نجد إن المبادئ التي طرحتها وثيقة اتفاق دول جوار السودان تحت الرعاية المصرية، قامت بدمج كافة المسارات في حزمة واحدة وركزت على قضايا مثل عدم التدخل في الشأن الداخلي السوداني، والسيادة، وشمولية المشاركة والقضايا الإنسانية..
جاءت أبرز ملامح اتفاق المنامة بالتركيز على القضايا الأمنية والعسكرية من خلال قضية دمج الجيوش وإصلاح الأجهزة الأمنية كمحور للاتفاق. في الإطار السياسي، دعا الاتفاق إلى حوار سوداني ــ سوداني كأساس للحل السياسي.
لقد ركزت المبادرات الدولية، خاصة الأمم المتحدة على المدخل الإنساني وتوفير الدعم للمتضررين وتأمين مسارات توصيل الإعانات إلى المتضررين في ولايات السودان المختلفة كأولوية. أيضاً طرحت مبادرة الاتحاد الأفريقي وقف إطلاق النار، وإخلاء المدن من المظاهر العسكرية وفصل القوات، التدخل الإنساني، والبدء في خطوات الحل السياسي كعتبة أخيرة. بشكل عام هناك اتفاق بين جميع المبادرات على الأهمية القصوى لوقف القتال وتوفير المساعدات الإنسانية كمدخل لأي عمليات سلام.
ردود الفعل المحلية على مبادرات السلام المختلفة:
تباينت آراء أطراف النزاع والقوى السياسية السودانية حول المبادرات المختلفة؛ ويمكن رصدها على النحو التالي:
- القوات المسلحة: ظل موقفها متأرجحاً وغير ثابت من كل المبادرات التي طُرحت، رغم الموافقة عليها جميعها والتوقيع على بعضها، لكنها لم تلتزم بتنفيذ البنود المتفق عليها في غالب الأحوال. فعلي سبيل المثال وقعت القوات المسلحة على إعلان جدة، ولم تلتزم بتنفيذه، لا وبل وجهت إليه نقداً لاذعاً في أكثر من مناسبة. كما وقعت على اتفاق المنام وتملصت منه في نهاية المطاف، وكذلك وافقت على مقترح الاتحاد الأفريقي، ولم تلتزم به؛ علاوةً على موافقتها على مقترحات دول جوار السودان وأيضاً لم تلتزم بها.
- الدعم السريع: ينطبق نفس الحال على قوات الدعم السريع، حيث كانت طرفاً في كل الاتفاقيات ولم يلتزم بتنفيذ بنودها، على الرغم من إعلانها المتكرر بالسعي لتحقيق السلام، عكس القوات المسلحة التي ظلت على الدوام تقدم الحل العسكري على الحل السياسي المتفاوض عليه.
- حركات الكفاح المسلح: وقفت بعض من الحركات بجانب القوات المسلحة؛ كحركة العدل والمساواة بقيادة د. جبريل إبراهيم، حركة تحرير السودان جناح مناوي، الحركة الشعبية لتحرير السودان جناح مالك عقار. بينما وقفت حركات أخري على الحياد مثل حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور بجانب اخريات.
- انقسمت القوى السياسية وتباينت مواقفها ما بين مؤيد للحل التفاوضي، والتي تقف على رأسها تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) التي تدعو إلى المفاوضات كأساس للحل؛ أو مؤيد للقوات المسلحة مثل حزب المؤتمر الوطني والكتلة المدنية الديمقراطية.
توصيات التقرير:
لطرفي الصراع:
- الالتزام باتفاقيات جنيف الأربعة خاصة البرتوكول الرابع المتعلق بحماية المدنيين.
- فتح الممرات والمعابر لتوصيل المعونات الإنسانية للمتضررين في دارفور ومناطق السودان الأخرى.
للمجتمع الدولي:
- وضع أمر إغاثة المتضررين في مناطق النزاع والضغط على الطرفين لتأمين توصيل المساعدات وفتح الممرات، ضمن الأولويات القصوى.
- إنشاء آلية لحماية المدنيين في مناطق النزاع وفقاً للقانون الدولي الإنساني الذي يخول للمؤسسات الدولية ذات الصلة بحماية المدنيين الذين تؤكد كافة التقارير باستمرار تعرضهم لانتهاكات جسيمة من الطرفين المتقاتلين.
- دعم ومناصرة دعوات حظر الطيران.
- توفير الدعم والموارد للمنظمات الأممية ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل في مساعدة المدنيين في مناطق النزاع ومعسكرات النازحين واللاجئين في دول الجوار.
المجتمع الإقليمي:
- توحيد كافة الجهود والمبادرات الإقليمية تحت منبر واحد، فتعدد المبادرات والمنابر مكن طرفي النزاع من المناورة والتبضع في سوق المبادرات، وهو ما زاد من أمد الحرب ومعاناة المدنيين.
- تسهيل مرور المعونات الإنسانية من خلال المعابر الحدودية، خاصة لدول جوار السودان.
- توفير حماية اللاجئين والفارين من الحرب في دول الجوار.
منظمات المجتمع المدني:
- العمل على رصد وتوثيق كافة الانتهاكات التي ترتكبها أطراف النزاع.
- العمل على توحيد الجهود والتنسيق بين كافة منظمات المجتمع المدني.
- التركيز على حماية المدنيين وتقديم العون للمتضررين داخل مناطق النزاع وفي معسكرات النازحين واللاجئين بدول الجوار.