بقلم: عادل عبدالله نصرالدين

الغرق الذي تعانيه الجزيرة أبا يعكس بوضوح أن الحرب الدائرة في السودان منذ الخامس عشر من أبريل، بين جنرالا الدم والدمار تحت رعاية الحركة الإسلامية، تفتقر إلى أي معايير أخلاقية للحروب. بل يمكن اعتبارها إحدى أكثر الحروب دموية في التاريخ، حيث استخدم الطرفان كل ما يتجاوز توقعات الشخص الطبيعي من أحداث. إن التشريعات التي يستندون إليها في هذه الحرب مستخلصة من ضمائرهم، ومن الوجدان المريض لكل منهم، إضافة إلى القواعد التي يستندون إليها مثلاً (لتمطر حصو – شووت تو كل – أبيد تلتين الشعب بفتوى شيخ الضلال عبدالحي يوسف – امسح اكنس آكلو نئ م تجيبو حي – ما عايزين لا قطية لا راكوبة واقفة و… و….. و….. و…).

بناءً على ذلك، فإن الأصل المتبع من قبل الأطراف المتصارعة وراعيها هو إباحة العنف الجنسي، والنهب، وإهانة كرامة البشر، بالإضافة إلى الإبادة الجماعية والتهجير القسري. ويتاح لأي من هذه الأطراف استخدام أي وسيلة، مهما كانت قاسية، لتحقيق هدفهم المتمثل في استعادة سلطتهم. وهذا ما ينفذونه على الأرض حالياً. فقد أدت خططهم إلى استخدام الجوع كسلاح للإبادة الجماعية، وآخرها استخدام الإغراق كوسيلة لطرد سكان الجزيرة ابا قسر من مدينتهم. فما هي الجزيرة ابا؟ تُعتبر الجزيرة ابا إحدى أبرز الجزر في السودان، وهي الأكبر من حيث المساحة، إذ تبلغ حوالي 132 ميلاً (بطول 33 ميلاً وعرض 4 أميال). يُقدّر عدد سكانها في عام 2017 بنحو 4,926,555 نسمة، وتبعد عن الخرطوم بمسافة 150 ميلاً.

الجاسر يُعتبر المدخل الوحيد للجزيرة أبا إلى اليابسة، ويقع في الجهة الشرقية منها. وهو جسر ترابي يربط الجزيرة بشارع الزلط الذي يأتي من الخرطوم. حالياً، تتعرض الجزيرة أبا لخطر الغرق والنزوح الجماعي نتيجة فيضان النيل الأبيض، والذي يحدث بسبب إغلاق خزان جبل أولياء من قبل مليشيا الدعم السريع وعدم تشغيله. ورغم أن تلك القوات أكدت في بيان صدر بعد يوم من سيطرتها على الخزان في ٢٠ نوفمبر ٢٠٢٤، حرصها على أمن وسلامة الخزان، إلا أن الوضع لا يزال حرجاً.

لم يتمكن العمل الفني المتعلق بعمليات الرصد المائي على النهر من البدء؛ بسبب غياب الفرق الفنية المسؤولة عن التشغيل والصيانة في الخزان. لذلك، لم تتم إجراءات الملء والتفريغ الروتينية هذا العام عند ارتفاع وانخفاض مستوى المياه. نتيجة لذلك، ارتفع منسوب المياه في الجزء الجنوبي من الخزان، مما تسبب في حدوث فيضانات اجتاحت العديد من المدن والقرى على ضفتي النيل الأبيض، بما في ذلك مدينة الجزيرة أبا في ولاية النيل الأبيض. وقد أدى ذلك إلى تعريض سكان المدينة للخطر، حيث غمرت المياه العديد من الأحياء، مما نتج عنه نزوح عشرات الأسر وظهور حالات من وباء الكوليرا في صفوفهم. إن ما يعانيه مواطنو الجزيرة أبا من تهجير قسري ونزوح وأمراض وبائية وموت بسبب الفيضانات ليس بالأمر الغريب، إذ يمكن اعتباره نوعاً من الأسلحة الجديدة التي تستخدمها مليشيا الدعم السريع في هذه الحرب، في إطار قاعدة مشروعية استخدام جميع الأساليب الممكنة لتحقيق الانتهاكات المستهدفة لكل طرف.

تتحمل مليشيا الدعم السريع المسؤولية عن غمر الجزيرة أبا وما نجم عنه من تهجير قسري وأمراض وبائية ووفيات، حيث إنها تتحكم في خزان جبل أولياء، وقد أكدت ذلك في بيانها السابق. ومن ثم، فإنها تتحمل المسؤولية الكاملة عن جميع الانتهاكات المتعلقة بالقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان التي يتعرض لها سكان الجزيرة. كما أن حكومة الأمر الواقع تتحكم في المناطق المتضررة من الفيضانات، لذا فإنها مسؤولة عن اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة لتفادي المخاطر المرتبطة بإغلاق الخزان وعدم تشغيله في المناطق التي تسيطر عليها، مثل الجزيرة أبا.

إن مسؤولية حكومة الأمر الواقع تتجلى هنا بشكل سلبي، إذ تترك أهل الجزيرة ابا يواجهون مصائرهم القاسية من تهجير قسري وأمراض وبائية مثل الكوليرا، ويواجهون الموت بمفردهم، دون أن تفي الحكومة بواجباتها تجاههم. وهذا يعني قبولها لنتيجة تلك الكارثة. لذلك، تبرز أهمية مساعدة المجتمعين المحلي والدولي لمواطني الجزيرة ابا من خلال تقديم العون الإنساني والفني للخروج من هذه الكارثة الإنسانية.