تقرير: سلاميديا

شكلت الإنتهاكات الجسيمة التي تم ارتكابهافي دارفو  منذ مطلع 2003 م، صدمة كبيرة للضمير الإنساني العالمي، مما دفع المؤسسات الدولية في ذلك الوقت، إلى اتهام رأس النظام ورموزه العسكرية والمليشيات التي تعمل تحت إمرته، بارتكاب جرائم إبادة جماعية، وتطهير عرقي بالإقليم المنكوب. وبعد عقدين من ذلك التاريخ، دخلت البلاد بأسرها في حرب طاحنة تمددت إلى كافة أقاليمه، اُرتكبت فيها فظائع ــ ومازالت ــ فاقت حد الوصف. يربط بعض المتابعين للنزاع في دارفور العنف الذي صاحبه بحزمة عوامل بيئية، سياسية، اجتماعية وتاريخية متداخلة. شملت تلك العوامل إهمال الإقليم المتراكم من قبل الحكومات المركزية، موجة الجفاف التي اجتاحته في منتصف ثمانينيات القرن الماضي؛ ونتيجة لذلك بدأ تمزق النسيج الاجتماعي في دارفور. ذلك، مع اعتبار النمو المضطرد في عدد السكان، بسبب ارتفاع معدل المواليد، وهجرة مجموعات البدو الصحراويون المنتشرون على الحزام جنوب الصحراء حتى دارفور، بحثاً عن الأراضي نتيجة للجفاف. ومنذ تلك اللحظة، بدأت العلاقة الهشة بين المزارعين والرعاة بدارفور في الانهيار، مما أدي إلى أدت نشوب الصراعات العرقية بين مكونات الإقليم.

تصاعد العنف، وبلغ ذروته في صراع 2003م، الذي أودى بحياة أكثر من 300 ألف شخص (أليكس دي وال، 22 سبتمبر 2023). وبتطور الحرب التشادية في 1996م، وتأثر إقليم دارفور بها كنتيجة للامتدادات الإثنية، وتسرب السلاح، أصبحت النزاعات المحلية التقليدية أكثر فتكاً. وكذلك عززت السياسة التي اتبعتها السلطة المركزية بالخرطوم من تفاقم النزاعات المحلية، وذلك باستغلال مجموعات بعينها لقمع الحركات المسلحة التي نشأت بدارفور في ذلك التوقيت، ما أدي للتعاون بين حركتي تحرير السودان وحركة العدل والمساواة في 2003م وشن هجمات على القوات المسلحة.

وعلى خلفية تسلسل النزاعات في السودان وحجم الدمار والكارثة الإنسانية التي خلفتها، يرى البعض الحرب الحالية، كمحصلة نهائية لجميع حروب السودان منذ إستقلاله في منتصف القرن الماضي.

يستعرض هذا التقرير الكوارث الإنسانية التي سببتها الحرب الحالية خلال الستة أشهر الماضية، بالتركيز على إقليم دارفور.

يعتمد هذا التقرير على ملخص حصيلة المعلومات المشورة في تقارير سابقة لسلاميديا، خلال الفترة من يوليو وحتى ديسمبر 2024م. مثلت تلك التقارير مصدر أولي للبيانات، إضافة إلى التحديثات التي طرأت على الأوضاع الإنسانية، والتي تم استقاؤها من التقارير الحديثة لشركاء سلاميديا في مشروع “دارفور تتحدث إلى العالم“، والمصادر المفتوحة. اتبع التقرير من خلال مراكمة ملخصات التقارير السابقة، منهجية هي مزيج من المنهج الوصفي والتاريخي.

تم تقسيم التقرير على عدة قضايا/ محاور، وفق التشابهة في الموضوع، بحيث يعطي الكم التراكمي لجميع محاور التقرير الصورة الكلية للأوضاع الإنسانية بدارفور.

النزوح بسبب الحرب:

يعتبر تغيير موقف حركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق سلام جوبا 2020م، من الحياد للقتال إلى جانب القوات المسلحة فارقاً في تطور حرب ١٥ أبريل بإقليم دارفور. نتج عن موقف الحركات المسلحة، قيام قوات الدعم السريع بفرض حصار على مدينة الفاشر منذ 10 مايو 2024م، مع استمرار المعارك داخل وخارج المدينة؛ ما أدى إلى نزوح قرابة 689,913 فرداً من سكان الفاشر وحدها حتى ديسمبر 2024م ــــــــــ بحسب مصفوفة تتبع النزوح الصادرة عن منظمة الهجرة الدولية. وذكر الدكتور/ ابراهيم عبد الله خاطر، مدير عام وزارة الصحة بشمال دارفور، إن أعداد القتلى من المدنيين بسبب المواجهات المستمرة في مدينة الفاشر في الفترة من 10 مايو إلى 19 يونيو 2024م بلغت حوالي 346 شخصاً فيما بلغ عدد الجرحى 2,200. وافاد تقرير صادر عن منظمة أطباء بلا حدود بتاريخ 14 يونيو 2024م، وصول 1,418 جريحاً إلى المستشفى الجنوبي والمستشفى السعودي على حدٍ سواء، فيما وصل عدد الوفيات 226 شخصاً في الفترة ما بين 10 مايو إلى 11 يونيو.

أجربت المعارك بمدينة الفاشر السكان على الفرار نحو مناطق جبل مرة في أكتوبر 2024م بلغ عددهم نحو 2500 شخصاً/ 502 أسرة. وجاء في تقرير آخر صدر في ديسمبر 2024م، إن 510 أسرة/ 2550 فرداً نزحوا من من أحياء مدينة الفاشر الطرفية إلى منطقة طويلة وإستقروا بمعسكراتها الستة.

النزوح بسبب الكوارث الطبيعية:

إضافة لعامل النزوح بسبب الحرب، فقد أجبرت السيول التي اجتاحت أجزاء واسعة من دارفور خلال موسم أمطار 2024م آلاف الأسر على النزوح. وبحسب مصفوفة تتبع النزوح بسبب السيول التابعة لمنظمة الهجرة الدولية، في الفترة من 1 يونيو الى 12 اغسطس 2024م، أدت السيول والفيضانات إلى نزوح 37,500 فرداً. في غرب دارفور وحدها نزح ما لا يقل عن 20,025 شخصاً من مناطق الجنينة، بيضة، كلبس، كرينك وفوربرنقا. بينما نزح 12,925 شخصاً في ولاية شمال دارفور من الفاشر، طويلة، سرف عمرة، الكومة، كتم، دار السلام، كبكابية، كرنوي، الطينة والسريف. أما في ولاية وسط دارفور فقد نزح حوالي 4550 فرداً من نيرتتي، سلو، وادي صالح، وبندسي.

 تأثرت بعض معسكرات النزوح في دارفور بالسيول والفيضانات خلال الموسم الماضي، من بينها معسكري ابوشوك وزمزم. وقدرت مصفوفة المنظمة الدولية للهجرة المنازل التي تدمرت بصورة كلية بمعسكر زمزم  بنحو 1,113 منزلاً، بينما تضرر بشكل جزئي 913 منزلاً. وقدرت الخسائر في معسكر أبو شوك بدمار كلي لـ 170 منزلاً، و251 منزلاً ومبناً بشكل جزئي. كما اجتاحت السيول معسكر شنقل طوباي للنازحين بشمال دارفور ودمرت نحو 500 منزلاٍ و600 مرحاضاٍ بصورة كلية، في حين تعرض 700 منزلاً و200 مرحاضاً لأضرار جزئية بالمعسكر. بينما قدرت الخسائر في معسكر فتابرنو بنحو 181 منزلاً. وأبلغ سكان من مدينة نيرتتي أن السيول دمرت حوالي 1100 منزلاٍ في المعسكرات الشمالية والجنوبية من المدينة في الفترة من أواخر يوليو  إلى أوائل أغسطس 2024م.

المستشفيات والمراكز الصحية:

منذ بداية حصار مدينة الفاشر في مايو 2024م، تعرضت البنية التحتية للقطاع الصحي لدمار واسع. وقد رصدت سلاميديا وجود ما لا يقل عن 28 مرفقاً صحياً بمدينة الفاشر لكلا القطاعين الحكومي والخاص (14 مستشفى ومثلها من المراكز الصحية).

المستشفيات الأكثر تأثراً بالفاشر

المرفق الصحيتاريخ التعرض للتدميرخارج الخدمةفي الخدمة 
مستشفي بابكر نهار11 مايو 2024خارج الخدمة غارة جوية
مركز سيد الشهداء خارج الخدمة قصف مدفعي
المستشفى الجنوبي2024مايو  24  خارج الخدمة قصف مدفعي
المستشفى السعودي2024يونيو    27 في الخدمةقصف مدفعي
المستشفيات الأكثر تأثراً بالفاشر

أسفرت المعارك الدائرة في مدينة الفاشر عن خروج أغلب المرافق الصحية من مستشفيات ومراكز صحية عن الخدمة، وهو ما أكده مدير وزارة الصحة بالإقليم، بقوله ” إن المعارك التي تدور في المدينة منذ مايو الماضي أدت الى خروج كل المستشفيات عن الخدمة، ما عدا المستشفى السعودي للنساء والتوليد، والذي أصبح المستشفى الوحيد الذي يتعامل مع كافة الحالات الجراحية، بما في ذلك جراحة العظام والنساء والتوليد”. وفي ذات الإتجاه، مضت ردود الفعل الدولية مؤكدة على الاستهداف الذي وقع على المرافق الصحية بمدينة الفاشر منذ بدء حصارها، الذي كان من الأسباب التي ساهمت في  صدور قرار مجلس الأمن مطالباً قوات الدعم السريع برفع الحصار عن المدينة.

دمار مستودعات الأدوية:

تعرضت مخازن ومستودعات الدواء بولايات دارفور المختلفة إلى تدمير ونهب لكل محتوياتها من الأدوية والمستلزمات الطبية. ففي غرب دارفور تم تدمير مستودعي الدواء الدوار، ومستودعات التأمين الصحي، الإمدادات الطبية، الصيدلية المركزية لمستشفي زالنجي التعليمي، ومخازن منظمتي IMC ، NCA في وسط دارفور. وكذلك تم تدمير مستودعات الإمدادات الطبية، الدواء الدوار ومخزني وزارة الصحة وحي السكة حديد بنيالا جنوب دارفور. وكذلك تعرضت المرافق الصحية بولاية شرق وشمال دارفور لقصف بالطيران الحربي التابع للقوات المسلحة ومدفعية طرفي الصراع. وذكرت إدارة الطوارئ و الأوبئة بوزارة الصحة بجنوب دارفور، ان الوزارة لم يصلها الإمداد الدوائي الخاص بطوارئ الخريف منذ اندلاع الحرب في العام 2023م، فيما قالت إدارة مستشفى رهيد البردي أن آخر كمية وصلتها من أدوية طوارئ والأدوية المنقذة للحياة كانت في أواخر عام 2022م. أشارت وزارة الصحة الاتحادية، إنها تمكنت في يونيو 2024م، من إيصال 20 طنًا من الأدوية المنقذة للحياة إلى ولاية شمال دارفور عبر الإسقاط الجوي بواسطة الطيران الحربي التابع للقوات المسلحة، شملت (محاليل وريدية، أدوية منقذة للحياة، أدوية تخدير، مستهلكات طبية أخرى متعددة). وكشفت عن ترتيبات لإيصال 30 طنًا  اضافية من أدوية الملاريا، ،الدرن، الإيدز، السرطان ومستهلكات غسيل وزراعة الكلى.

التدخلات لتوفير الأدوية:

ذكرت منظمة الصحة العالمية إن 26 منظمة دولية تعمل في المجال الصحي في دارفور قامت بتقديم الدعم لأكثر من 420 مرفقاً صحياً في 47 محلية، من بينها 115 مرفقاً في وسط دارفور، 114 في شمال دارفور، 76 مرفقاً في غرب دارفور، إضافة الى 64 في جنوب دارفور ,53 مرفقاً في شرق دارفور. وأوضحت الصحة العالمية أن 70% من المرافق المدعومة تعمل بشكل كامل و18% منها تعمل بشكل جزئي؛ معربةً عن تخطيطها لاضافة 6% أخرى لقائمة التشغيل، بينما هناك 5% من المرافق الصحية متوقفة تماما عن العمل. وبيَّنت في ذات الوقت، أن دعم المنظمات شمل 58% من مراكز العناية الطبية الاولية، 14% من وحدات العناية الصحية الاولية، اضافة الى 11% من المراكز الصحية في الاحياء، 8% من العيادات المتنقلة و6% من المستشفيات.

في ذات الأثناء أعلنت منظمة كونسيرن في سبتمبر 2023م، أنها أوصلت 9 أطنان من المعينات الطبية الى 10 مرافق صحية في محليتي كلبس وجبل مون بولاية غرب دارفور. وكشفت لويز فوستر، مديرة المنظمة في السودان، أن المرافق الصحية التي وصلت إليها المنظمة بعد أربعة أشهر من بدء الحرب لم تحتوي على أي مخزون من الإمدادات منذ بدء القتال في 15 أبريل، حيث كان الكثير منها خالياً من الأدوية الأساسية والمواد اللازمة لعلاج سوء التغذية. من جانب آخر أبرمت منظمة سودو اتفاقاً  بهدف توفير الأدوية والمستلزمات الطبية، التحويل النشط للحالات، صيانة المراكز، دفع حوافز للعاملين وتوفير خدمات العلاج المجانية للنازحين والمجتمع المحلي ولاجئي سنتر صفر (Zero) بمعسكر كلمة الذي يضم لاجئين من جنوب السودان.

وفيات النساء الحوامل والأطفال:

جراء الانهيار شبه الكامل للقطاع الصحي بإقليم دارفور، تعذر الحصول على إحصائيات دقيقة لعدد النساء اللائي فقدن حياتهن أثناء الحمل خلال الفترة الماضية بسبب انعدام الرعاية الصحية الأولية. بالرغم من ذلك تمكنت منظمة أطباء بلا حدود من رصد وفاة 46 امرأة حامل في الفترة من يناير إلى أغسطس 2024م بمستشفى نيالا التعليمي ومستشفى كاس اللذان تعمل المنظمة على تشغيلهما. وقد وثقت صحيفة سودان تريبيون ثلاث حالات وفاة لنساء حوامل في مدينة نيالا، ومعسكر عطاش للنازحين شمال المدينة. وظهرت حالات لوفيات بأسباب مختلفة في كل من ولاية شرق دارفور بسبب تسرب نفطي،  وبشمال دارفور بسبب عدم القدرة على الوصول للخدمات الصحية.

محور المجاعة:

جاء الإعلان عن المجاعة مع بداية أغسطس 2024م إستناداً على تفشي المجاعة وسوء التغذية بمعسكر زمزم الذي يقطنه نحو 500 ألف نازح.. و في بيان لمنسقية النازحين واللاجئين تمت الاشارة إلى أن الوضع في جميع معسكرات النزوح البالغ عددها 171 معسكراً شبيهاً بالوضع في معسكر زمزم، وذكرت أن 20 الى 25 شخصاً يموتون يومياً في المعسكرات. وبالبحث في التقارير الأممية والصحفية فقد قدّر حدوث مجاعة في أجزاء واسعة من دارفور. وتوقع التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي إلى أنه خلال الفترة من يونيو 2024م إلى سبتمبر من نفس العام، سيدخل أكثر من 430 ألف شخص في ولايات دارفور الخمس المرحلة الخامسة (الكارثة). تلخصت أسباب المجاعة في إقليم بحسب تصريحات لموظفين أمميين أبتداءً من استمرار القتال، عرقلة وصول المساعدات الإنسانية بواسطة الحكومة، إضافة إلى العوامل الطبيعية والمشاكل المتعلقة بالمعابر، وفي ذلك أشار إيديم ووسورنو، مدير العمليات في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في جلسة مجلس الأمن إلى: “أن المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة كانت جاهزة للشحن والإرسال إلى مخيم زمزم للنازحين بشمال دارفور، لكن الأطراف المتقاتلة لم يسمحوا لها بالمرور، ولم يعد بوسع العاملين في المجال الإنساني الوصول إلى إمدادات إضافية في شرق تشاد بعد أن غمرت الأمطار الغزيرة آخر طريق عبر الحدود سمحت به السلطات السودانية لنقل المساعدات من معبر الطينة، لإنقاذ الأرواح ومكافحة المجاعة”.

الجهود الدولية لمجابهة المجاعة:

منذ بدء الحرب تمت مساعي وجهود دولية لكنها لم تكن كافية لمواجهة خطر المجاعة في السودان؛ وبحسب توبي هارورد نائب ممثل الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الانسانية، فإن المنظمة الدولية على عدة مستويات محلية ووطنية وعالمية طالبت بالوصول غير المقيد إلى جميع الأشخاص الأشد ضعفًا. وفي ذات السياق قال كارل سكاو نائب المديرة التنفيذية لبرنامج الغذاء العالمي، أن هناك حاجة ماسة إلى بذل المزيد من الجهود الدبلوماسية لتعزيز الاستجابة الإنسانية. في الأثناء أشارت إيديم ووسورنو، مديرة العمليات في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إلى أن النداء الإنساني للسودان ممول بنسبة 32% فقط؛ حيث تلقى 874 مليون دولار من أصل 2.7 مليار دولار المطلوبة. (لمزيد من التفاصيل راجع تقرير سلاميديا)

محور الإنتهاكات:

صاحبت الحرب السودانية الحالية عدة عمليات قتل، اعتقال، احتجاز وإختفاء قسري من قبل أطراف الحرب؛ وبحسب فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان إنه “منذ اندلاع القتال في 15 أبريل 2023م، تعرض كثير من المدنيين للإختفاء القسري والاعتقال التعسفي، فضلاً عن وجود تقارير حول ممارسة التعذيب بحق هؤلاء من قبل كل الطرفين”. وقد طالت الإنتهاكات عدداً كبيراً من المدنيين في مختلف أنحاء البلاد، تحت ذرائع مختلفة شملت الاتهام بالتعاون مع أي من أطراف الحرب، الظواهر السالبة الدوافع الإثنية والجهوية وغيرها.

الإعتقال:

من خلال الرصد والبحث الذي أجراه فريق سلاميديا في تقارير منشورة سابقاً؛ فقد تبين أن الجهات التي مارست عمليات الاعتقال والاحتجاز والاختفاء القسري في اقليم دارفور، تعددت وفقاً لتعدد الجيوش والفصائل المسلحة في الإقليم. وشملت الاعتقالات الصحفيين والمحامين والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان في منظمات المجتمع المدني؛ وامتدت لتشمل زعماء القبائل، والنازحين والموظفين الحكوميين وغيرهم. فمنذ اندلاع الحرب لقي نحو تسعة من الصحفيين السودانيين مصرعهم، وتعرض العشرات منهم للاعتقالات والتهديد. وبحسب نقابة الصحفيين السودانيين، فإن أكثر من 40 صحفياً تعرضوا للاعتقال والاحتجاز منذ اندلاع الحرب.

طالت الاعتقالات التي تمارسها أطراف الحرب في السودان عدداً من المحامين والمعلمين بولايات دارفور، ففي 2 مايو 2024م قالت لجنة المعلمين السودانيين في تصريح صحفي إن قوات الدعم السريع اعتقلت الدكتور آدم إسحق إدريس، وفي 3 أغسطس 2023م أورد راديو دبنقا نقلاً عن هيئة محامي دارفور قولها، إن قوات الدعم السريع اعتقلت رئيس فرعيتها بجنوب دارفور المحامي ادم شريف. وفي منتصف مايو الماضي، اعتقلت استخبارات القوات المسلحة البروفيسور عبدالله موسى يعقوب مدير جامعة الفاشر، والدكتور عيسى داؤود رئيس مركز الدعوة والإرشاد والمصالحاتً بالجامعة وفقاً لصحيفة دارفور24.

أيضاً تعرض ناشطين وقادة سياسيين ومواطنين بمدينة الفاشر لحملات اعتقالات نفذتها استخبارات القوة المشتركة للحركات المسلحة. ففي مقابلة أجرتها صحيفة دارفور24 مع مهيمن يوسف، ذكر أنه أمضى 47 يوماً معتقلاً بالمقر السابق لبعثة (يوناميد)، وأنه شهد وفاة سبعة من المحتجزين معه في الغرفة بسبب الجوع والمرض والتعذيب. وأضافت صحيفة دارفور24، إن 34 محتجزاً لدى قوات الدعم السريع تمكنوا من الفرار بعد اعتقالهم من الأحياء الشرقية الجنوبية بالفاشر في فترات متفرقة منذ اشتداد المعارك في العاشر من مايو الماضي. بينما أوردت صحيفة سودان وور مونيتور، إن قوات الدعم السريع بمدينة نيالا اعتقلت ما يزيد عن 80 شخصاً خلال أسبوعين بتهمة الموالاة للقوات المسلحة.   

إعلان الطوارئ و الإنتهاكات:

تسبب تجديد أمر الطوارئ بواسطة السلطة المدنية التابعة لقوات الدعم السريع بجنوب دارفور في انتهاكات عديدة، من الانفلات الأمني مثل النهب والاعتداءات داخل أحياء نيالا والطرق الرابطة بين المدينة ومحليات الولاية الأخرى. وفقاً لصحيفة دارفور24، نشطت بمدينة نيالا  عصابات مسلحة في النهب تحت تهديد السلاح، بجانب حوادث قتل ونهب . الأمر الذي أدي إلى ارتفاع معدلات الجريمة بالمدينة. أيضاً من الإنتهاكات الأخرى تزايد وتيرة الاعتقالات وسط المدنيين تحت دعاوى مكافحة ما يسمى بالظواهر السالبة، وتهم تتعلق بالتعاون مع القوات المسلحة

قصف معسكرات النازحين:

شهدت معسكرات النزوح ومراكز الإيواء أكثر من 45 حادثة قصف مدفعي، وثلاث غارات جوية استهدفت معسكري زمزم بشمال دارفور، خمسة دقايق بوسط دارفور ومركز إيواء بشرق دارفور. وأسفرت الهجمات عن مقتل 377 نازحاً وإصابة نحو 970 آخرين بينهم نساء وأطفال، إضافة الى تدمير كامل لمعسكرات النزوح ومراكز الإيواء بمدينة الجنينة غرب دارفور. بينما أشارت الإحصاءات التي حصل عليها مركز سلاميديا، أن معسكر ابوشوك هو الأكثر تأثراً بالقصف والانتهاكات، حيث شهد ما يزيد عن 25 حادثة قصف مدفعي نتج عنها ما يزيد عن 133 قتيلاً و 382 جريحاً، وهو أكبر عدد من الضحايا مقارنة ببقية معسكرات الإقليم خلال الفترة من أبريل إلى نوفمبر 2024م. ويعد معسكر ابوشوك أحد أكبر معسكرات النزوح في الإقليم منذ حرب 2003م، حيث يقع في الجانب الشمالي الغربي من مدينة الفاشر، ويقدر عدد سكانه بحوالي 120 ألف نسمة قبل الحرب، إلا أنه استقبل موجات من النازحين بعد اشتداد المعارك بمدينة الفاشر في أبريل 2024م، كما فر قرابة الـ 60% من سكانه بسبب الحرب والدمار الواسع الذي ألحقته الأمطار والسيول بمنازل النازحين.

إنتهاك حق التنقل:

ظل سكان دارفور أثناء فرارهم من جحيم الحرب، يواجهون معاناة في التنقل بين المدن والقرى؛ بسبب انتشار حالات النهب المسلح ونقاط التفتيش على عدة طرقات تربط المدن بالقرى. فقد دفعت حوادث النهب المسلح المتكررة على طريق نيالا– برام، قوات الدعم السريع إلى إصدار أوامر بإغلاق الطريق. وتضاربت المعلومات الواردة عن عدد البوابات ونقاط التفتيش على طريق نيالا- كاس ما بين 10 إلى 40 بوابة ونقطة. وبسبب المعارك في مدينة الفاشر تعذر على السكان الفرار، إلا عبر خمسة مسارات فقط من جملة المسارات المؤدية إلى خارج المدينة. وشكا عدد من التجار من كثرة البوابات على طول طريق الطينة – كبكابية؛ والتي يتم فيها دفع مبالغ مالية تصل إلى 50 ألف جنيه سوداني عند كل بوابة، بجانب دفع مبلغ مليوني جنيه لقوات الدعم السريع مقابل كل شاحنة.

قطع الاتصالات:

بمجرد اندلاع الحرب خرجت جميع شبكات الاتصالات الوطنية عن الخدمة، وبالتالي، حُرم سكان الإقليم من حقهم في التواصل مع اقربائهم. وبعد مرور أشهر قليلة من بداية الحرب ظهرت خدمات الانترنت الفضائي (استارلينك Star-link) والتي أسهمت في حل إشكاليات التواصل والتحويلات المالية عبر التطبيقات البنكية؛ غير أن هذه الخدمة باتت هي أيضاً مدخلاً للانتهاكات، حيث يتم مراقبة واعتقال المدنيين من مواقع (الاستارلينك) بتهم التخابر والتعاون. وذكر أصحاب محلات للإنترنت الفضائي بمدينة الفاشر، ان استخبارات القوات المسلحة أمرت في مايو وأكتوبر 2024م بإغلاق محلاتهم دون ابداء اي اسباب. وفي مطلع أكتوبر الحالي ابلغت قوات الدعم السريع نازحي معسكر كساب بمحلية كتم بشمال دارفور بحظر خدمات الانترنت الفضائي في المعسكر بصورة نهائية.

أوجه أخرى للانتهاكات:

الحق في التعليم:

مثلها مثل بقية البنى التحتية بالإقليم، تعرضت المدارس للدمار بسبب الحرب، وتوقفت ما يزيد على الــــ 4000 مدرسة بجميع مراحل التعليم العام عن العمل. ومؤخراً برزت إشكالية عدم قدرة طلاب الشهادة السودانية بولايات دافور على الجلوس للامتحانات بسبب الظروف الأمنية، وتواجد معظم مراكز الامتحانات في ولايات أخرى بعيدة، أغلبها في مناطق تحت سيطرة القوات المسلحة.

على صعيد التعليم العالي فقد تأثرت الدراسة بمعظم الكليات والجامعات بالمدن الرئيسية بولايات دارفور الخمس؛ ففي ولاية جنوب دارفور يوجد أكثر من 22,000 طالب/ة يدرسون في ثماني جامعة/ كلية. وتوجد في شمال دارفور 33 جامعة/ كلية يدرس بها ما يقارب الـ 20,000 طالب، أما في ولاية شرق دارفور فيوجد أكثر من 14,438 طالب/ة بجامعة الضعين، بحسب الدكتور/ الصادق عبد الله، نائب مدير الجامعة. بينما هناك 12,000 طالب/ة في جامعتي زالنجي والسودان المفتوحة بوسط دارفور ويدرس ما يزيد عن الـ 5000 طالب/ة في جامعة الجنينة بولاية غرب دارفور.

التضييق الاقتصادي:

أثار قرار بنك السودان المركزي بتاريخ التاسع من نوفمبر 2024م، والقاضي بتغيير العملة جدلاً واسعاً لما له من تبعات اقتصادية وسياسية مرتبطة بالحرب التي تشهدها البلاد. ورغم أن البنك المركزي صاغ جملة من المبررات لطباعة العملة الجديدة، من بينها تجفيف الأسواق من العملات المزورة والمنهوبة من البنوك، المصارف، الشركات، المحلات التجارية والمنازل. غير أن الشاهد في الموضوع، أن القرار ربما يتسبب في معاناة معيشية إضافية للمدنيين في المناطق المتأثرة بالنزاع خاصة إقليم دارفور. هذا التأثير والمعاناة المتوقعة، تأتي نتيجة لفقدان البنك المركزي لآلية وقنوات تبديل العملات النقدية في معظم ارجاء البلاد، نتيجة لخروج معظم الجهاز المصرفي عن الخدمة بسبب الحرب. وقد تلاحظ أنه ونتيجة للدمار الذي طال القطاع المصرفي بدارفور، زاد اعتماد المدنيين على التطبيقات البنكية (المعاملات الإليكترونية)، والتي أتاحت لهم استقبال وإرسال التحويلات والمعاملات المالية. هذا الاعتماد الجماعي على التطبيقات البنكية واجه عقبة تمثلت في التناقص المستمر في حجم السيولة النقدية، بسبب عدم وجود منافذ لاستبدال العملات أو سحبها وضخ فئات نقدية من خارج الإقليم؛ مما دفع أصحاب الحسابات على التطبيقات البنكية العاملين في مجال التحويلات المالية إلى فرض نسب وصلت الى 30% من المبالغ المحولة، مقابل دفعها لمستقبليها نقداً في أغلب أرجاء الإقليم، مستغلين الندرة في السيولة النقدية؛ وبذلك تضاعفت معاناة المواطنين الذين يعتمدون على التحويلات. في المقابل أصدرت الإدارات المدنية المكونة بواسطة قوات الدعم السريع بولايتي وسط وجنوب دارفور، وكذلك الإدارة المدنية في مناطق سيطرة حركة تحرير السودان ــ قيادة عبد الواحد نور، قرارات خفضت بموجبها نسبة الخصم إلى 7% في جنوب دارفور، 10% في وسط دارفور، 10% في مناطق سيطرة حركة تحرير السودان؛ إلا أن تلك القرارات لم يتم الالتزام بها، وفق متابعات سلاميديا. وقد أجبرت أزمة شح السيولة النقدية، سكان بعض المدن والمناطق في الإقليم لإتباع نظام المقايضة (التبادل السلعي). فيما اعتمدت الأسواق بمدينة الجنينة بغرب دارفور عملات أجنبية مثل الدولار الأمريكي والفرنك الأفريقي للتداول التجاري ومواجهة شح السيولة النقدية.

من الآثار الاقتصادية لتغيير العملة على الإقليم، هو إيقاف التعامل بالجنيه السوداني بعد صدور قرار تغيير العملة خاصة مع دول الجوار حيث أشترط تجار جنوبيين وتشاديين التعامل بالفئات الجديدة فقط، وهو ما وضع عبئاً على المواطنين له تبعات إقتصادية وسياسية واجتماعية مميتة في حال حدوثه بغير شروطه المتعارف عليها عالمياً.

إن الملاحظات التي يمكن تدوينها من خلال مراكمة الكوارث الإنسانية التي حاقت بالإقليم منذ بدء الحرب، لا تؤشر على تناقص ضغط الكوارث على المدنيين، وإنما العكس، فخلال الستة أشهر الماضية، ظلت الأوضاع الإنسانية في تدهور مستمر على كافة المستويات، فمعدلات النزوح في تزايد مستمر، رقعة المجاعة تتسع، ربما بمعدلات أقل من السابق، نتيجة لتدخلات المجتمع الدولي، لكنها تظل مهدد قائم بسبب قلة الموارد وشحها، الإنتهاكات تتضاعف وتتنوع. وبالتالي، فإن النتيجة النهائية، هي أن تفاقم اتساع حجم الكوارث الإنسانية التي يواجهها المدنيين بالإقليم؛ حيث أصبحت قضية ربما يصعب تفاديها، خاصة في مواجهة انعدام أي أفق حل سياسي للحرب في السودان. لذلك، فإن المدخل الذي ظل منذ بدء النزاع، هو الدعوة للضغط من أجل إيقاف الحرب كحجر زاوية لأي مجهودات لتقديم اعانات إنسانية وحماية للمدنيين والوصول تسوية نهائية في اخر المطاف.