سلاميديا: 10 يناير 2025

قامت الحكومة السودانية بتنفيذ تغيير العملة السودانية، بعد اتخاذها القرار في نوفمبر من العام المنصرم؛ حيث تم تبديل فئة الألف جنيه فقط من الفئتين المقرر استبدالها من العملة الوطنية. وشملت عملية التبديل -التي انتهت في السادس من يناير 2025م- سبع ولايات من جملة ولايات البلاد الـ 18. وأكد بنك السودان المركزي أن تأجيل استبدال العملات في 11 ولاية هو إجراء استثنائي لضمان تنفيذ الخطة بدقة والحفاظ على حقوق المواطنين، مشدداً على أن العملات القديمة تظل مبرئة للذمة حتى يتم استبدالها لاحقا. وأكد البنك المركزي التزامه بعدالة وشمولية العملية رغم التحديات. وجاءت ولايات دارفور من بين الولايات التي لم يشملها التبديل، بناءً على رفض  قوات الدعم السريع التعامل بالفئات الجديدة واعتبارها غير مبرئة للذمة؛ مصدرة قرارات بمنع دخول هذه الفئات الى الاقليم، فيما سمحت بتداول العملات الأجنبية.

في هذا التقرير يرصد مركز سلاميديا الآثار التي ترتبت على تبديل العملة، وقانون حظر التعامل بالفئات الجديدة في مناطق سيطرة الدعم السريع. 

حقوقياً

يأتي قرار تبديل فئات العملة في بعض الولايات الواقعة تحت سيطرة القوات المسلحة متجاهلاً حقوق مواطني الولايات التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. ووفقاً للمادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنص على أن

لكل إنسان الحق في العيش الكريم ومن حقه أن توفر له الدولة الحقوق الاقتصادية التي لا غنى عنها لكرامته“.

اضافة الى لما ورد في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية، بأن تتعهد الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذ حق كل شخص في مستوى معيشي كافٍ له ولأسرته.

و يرى الخبير القانوني، عزالدين المربوع،

أن قرار تغيير العملة ما هو إلا قراراً سياسياً أكثر من كونه قانونياً؛ نسبة لعدم اتساقه مع القوانين الدولية، قانون البنك الدولي وسياسات بنك السودان المركزي

. وأكد أن القرار فيه اجحاف وانتهاك لحق شعب في دولة واحدة يجب أن يستمتع بكل حقوقه وواجباته التي نص عليها القانون الدولي. وأشار المربوع إلى أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 11 من العهد الدولي للحقوق المدنية والاقتصادية تحدثت عن حق المواطن في العيش الذي يحفظ كرامته، ويتضمن ذلك واجب الدولة في توفير الحياة الكريمة والمستوى المعيشي للأفراد. وأضاف

أن تبديل العملة يعد من الحقوق التي من المفترض أن يتمتع بها كل المواطنون السودانيون دون تمييز، بمن فيهم المتواجدين في مناطق سيطرة قوات  الدعم السريع؛ وأن الحق في تبديل العملة هو أحد الحقوق الاقتصادية المرتبطة بعيش المواطن في إطار الدولة الواحدة

. وفي تعليقه على القانون الذي سنته الإدارة القانونية التابعة للمجلس الاعلى لتأسيس الادارات المدنية بمناطق سيطرة الدعم السريع، الذي اعتبرت فيه إدخال الفئات الجديدة للإقليم أو تداولها جريمة يحاسب عليها القانون، بالسجن أوالغرامة أو العقوبتين معاً؛ قال المربوع، أن حرمان مجتمعات بعينها من تداول العملة الجديدة يعتبر انتهاكاً صريحاً لحقوق هذه المجتمعات وللقوانين الدولية. وأضاف

“اعتقد ان تبديل العملة واحد من الحقوق التي يفترض أن يتمتع بها مواطن إقليم دارفور، طالما أنها  تؤثر على معيشته اليومية ووضعه الاقتصادي“.

ويرى الخبير المصرفي عمر إسماعيل، أن الظروف غير مواتية حالياً لاستبدال العملة، سواء كانت ظروفاً سياسية، اقتصادية، أمنية أو حتى الوحدة الجغرافية للبلاد. ورجح أن تكون دوافع استبدال العملة سياسية أكثر منها اقتصادية، لأن عملية الاستبدال لا تستجيب للشروط الاقتصادية والمالية لعمليات الإصلاح النقدي التي يتم في إطارها استبدال العملة، والتي تتمثل في السيطرة على معدلات التضخم المفرطة، التدهور المستمر لقيمة العملة وانخفاض القوة الشرائية في إطار الإصلاح النقدي الشامل.

آثار تبديل العملة

بعد صدور قرار تبديل العملة من بنك السودان في التاسع من نوفمبر 2024م، شهدت أسواق المحاصيل والماشية في دارفور ركوداً، بينما واجهت بعض الأسواق شحاً في بعض المواد التموينية بسبب ارتفاع أسعارها. ومع بدء عمليات تبديل العملة في العاشر من ديسمبر 2024م، شهدت الأوضاع في دارفور انفراجاً ملحوظاً وفقاً لمقابلات أجراها فريق سلاميديا مع عدد من المواطنين والتجار بولايات شرق، جنوب وغرب دارفور، حول آثار تبديل العملة على الأسواق في الإقليم. وأفاد التاجر حسن السوار من نيالا بأن تبديل العملة الذي تم في بعض ولايات السودان لم يكن له أي تأثير سلبي على أرض الواقع في دارفور، وقال انهم منذ اندلاع الحرب بدلاً التعامل النقدي لجأوا للتعامل عبر التطبيقات البنكية في شراء البضائع من مناطق مثل الدبة بالولاية الشمالية وتشاد. وذكر السوار أن إجراءات تبديل العملة لم تؤثر على أسعار السلع في أسواق الإقليم.

بينما أوضح الصحفي المقيم بمدينة الضعين محمد صالح البشر أن استبدال العملة كان له أثر إيجابي على الأوضاع في دارفور، حيث انخفضت عمولة تبديل العملة من التطبيقات البنكية إلى النقد من 25% إلى 5% في نيالا والضعين، و7% في مدينة الجنينة. مشيراً الى أنه بعد إجراءات تبديل العملة أصبحت الكتلة النقدية متوفرة في الإقليم بصورة كافية جداً؛ مضيفاً

الخطوة ساهمت في توفير النقد في دارفور”


وفي حديث لـ سلاميديا عزا الخبير في السياسات المالية (طلب حجب اسمه)، عملية تراجع عمولة الاستبدال من التطبيقات البنكية إلى النقد في الإقليم، إلى أسباب تتعلق بمخاوف المواطنين واهتزاز ثقتهم تجاه السياسات النقدية التي تحكم التعاملات. ولم يستبعد الخبير، أن يتراجع حجم عمولة الاستبدال بصورة عكسية، بأن يدفع صاحب المبالغ النقدية عمولة مقابل إيداع أمواله في التطبيقات البنكية. وأشار الى أن الآثار الإيجابية التي طرأت على الواقع في دارفور بعد تغيير العملة قد تتحول تدريجياً الى سلبية بسبب زيادة الكتلة النقدية الذي ربما يؤدي إلى التضخم والارتفاع في أسعار السلع. ونبه إلى احتمال تسرب الكثير من الكتلة النقدية القديمة من الولايات التي تم فيها تغيير العملة  إلى دارفور. وبمرور الوقت قد تتآكل العملة الورقية، الأمر الذي قد يدفع البعض إلى إدخال الفئات الجديدة المحظورة الي دارفور. وأشار الخبير المالي، إلى أن خطورة هذه الخطوة تكمن في تعريض المواطنين إلى انتهاكات من قبل السلطات المسيطرة على الإقليم. ونوه إلى أن السلطات المركزية قد تذهب في اتجاه حظر الحسابات البنكية ومصادرة أرصدتها بدواعي جغرافية أو اثنية.

الأثر على سعر الصرف

من خلال متابعة فريق سلاميديا، لأسعار صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار الأمريكي، اتضح أن هناك تبايناً ما بين الأسعار في النظام المصرفي مقارنةً بالسوق الموازي. حيث ظلت الاولى ثابتة منذ منتصف شهر أكتوبر الماضي وحتى إعداد هذا التقرير. بينما شهدت الأسعار في السوق الموازي تصاعداً مستمراً خلال شهري ديسمبر 2024 م إلى يناير الحالي، وهي الفترة ما بين صدور وتنفيذ قرار تغيير فئات من العملة الوطنية.

الأثر على المساعدات الانسانية 

لم يرصد فريق سلاميديا اي تأثيرات لقرار تبديل العملة على حركة المساعدات الإنسانية النقدية التي توزعها بعض المنظمات على سكان الإقليم. وأفاد عبد الرحيم ادم محمد،  النازح بمعسكر عطاش – جنوب دارفور، أن النازحين استلموا مساعدات نقدية بفئات العملة القديمة في الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر 2024م. بينما رجح مراقبون عدم تأثر تدفق المساعدات المالية في الاقليم بتغيير العملة، لجهة أن المنظمات العاملة في توزيع المساعدات الإنسانية تبدأ عملياتها من مدينة أدري على الحدود التشادية مع اقليم دارفور وبالتالي لا تحتاج إلى أموال نقدية بالفئات الجديدة.

البدائل النقدية

كانت البدائل النقدية في الإقليم قبل اجراءات تغيير العملة موجودة، حيث لجأ المواطنون إلى التطبيقات البنكية بجانب تداول بعض العملات الأجنبية في مواجهة أزمة الشح النقدي. وفي ظل هذه التطورات عمدت بعض ولايات دارفور اعتماد العملات الأجنبية لمواجهة أي آثار سلبية متوقعة من خطوة تغيير العملة التي اتخذتها الحكومة في بورتسودان. لكن الصحفي محي الدين زكريا المتواجد في مدينة الجنينة، قال في حديث مع سلاميديا، إنه لم يلحظ أي آثار سلبية لتبديل العملة على الأسواق بغرب دارفور. وأشار إلى أن المواطنين اعتمدوا على العملات الأجنبية في تبادلهم التجاري خاصة الفرنك التشادي؛ وذلك ما أكدته مصادر أخرى لسلاميديا من بقية الولايات في إقليم دارفور. بينما يرى خبير السياسات المالية أن اعتماد تداول العملات الأجنبية في أجزاء من البلاد قد يعرض العملة الوطنية إلى مزيد من التراجع أمام العملات الاجنبية، وبالمقابل سترتفع القدرة التنافسية وعائدات المنتجين في الاقليم بسبب التعامل بالعملة الأجنبية.

ردود الأفعال:

تباينت ردود الأفعال خارج إقليم دارفور بين الرافض والداعم، إلا أن فريق سلاميديا لم يلاحظ أي ردود أفعال من قبل المواطنين داخل الإقليم، غير التي صدرت إثر رفض المجلس الأعلى للإدارات المدنية في دارفور للتعامل بالفئات الجديدة. اضافة الى ان قوات الدعم السريع ذهبت في اتجاه صرف أجور جنودها بالعملة الأجنبية (الدولار). 

يمثل تغيير العملة الوطنية انتهاكاً إضافيا في سلسلة الانتهاكات التي يرتكبها أطراف الحرب في السودان، بحرمان قطاعات واسعة من الشعب السوداني من التمتع بالحقوق الاقتصادية. وأصبح مواطنو دارفور ما بين استثناء الحكومة ببورتسودان من عملية التبديل؛ وقرارات السلطة المدنية التابعة لقوات الدعم السريع بتجريم إدخال وتداول الفئات الجديدة في الإقليم. إلا أنه رغم تلك الانتهاكات فإن الواقع في الإقليم يعكس آثاراً ايجابية لعملية تغيير العملة، وذلك من خلال استقرار الاسعار بالاسواق، ووفرة الكتلة النقدية التي أدت بدورها إلى انخفاض عمولات استبدال الأموال من التطبيقات البنكية إلى النقد؛ عكس ما يحدث في الولايات التي جرت فيها عملية التبديل من شح في الأوراق النقدية وزيادة عمولة الاستبدال من التطبيقات البنكية الى النقد مقابل نسب كبيرة تجاوزت ال30% في بعض الولايات. لذلك وجب على اطراف الحرب الالتزام بسياسات مالية نزيهة تضمن الحقوق الاقتصادية والعيش الكريم للمواطن السوداني.