تقرير سلاميديا
إبراهيم آدم، رجلٌ في السابعة والخمسين من عمره، لم يكن يتخيل يوماً أن يتحول  منزله في مدينة مليط بشمال دارفور إلى ساحة حرب. أجبرته المواجهات المسلحة والغارات الجوية التي شنها سلاح طيران القوات المسلحة السودانية على الرحيل. ليصبح إبراهيم واحداً من آلاف الذين نزحوا من المناطق الشمالية بشمال دارفور (محور الصحراء)؛ بينما وجد الذين لم يتمكنوا من مغادرة المدينة، أنفسهم مجبرين على الصمود للبقاء على قيد الحياة في وجه الضربات المتكررة للطيران. فابتكروا حيلة بسيطة وفعالة للمحافظة على حياتهم وحياة أسرهم. فكانت الملاجئ الصغيرة التي حفروها في منازلهم وأمام متاجرهم، ملاذاً يهرعون إليه للاحتماء عند سماعهم أزيز طائرة تحلق في سماء المدينة أو دوي المدافع أثناء الاشتباكات العسكرية. وبذلك صارت الملاجئ مأمناً مؤقتاً يحتمي به الناس من الموت. ويروي إبراهيم كيف يتسابق الناس إلى الملاجئ بمجرد سماعهم أزيز الطائرات، وكمية الرعب الذي يخيم على المدينة.

تطورات المعارك 

أشعل الهجوم الذي شنته القوة المشتركة للحركات المسلحة على منطقة الزرق بشمال دارفور في 22 من ديسمبر 2024م، فتيل المعارك بين أطراف الحرب، ونقلها الى مناطق الصحراء شمال إقليم دارفور. عقب ذلك الهجوم توسعت دائرة القتال بين قوات الدعم السريع والقوة المشتركة لتشمل مناطق مدو، الصياح، دريشقي، حلف ومو، فضلا عن تكثيف الطيران العسكري التابع للقوات المسلحة السودانية غاراته الجوية لتغطي عدة مناطق من بينها مليط، الكومة ومعسكر فتابرنو وغيرها من المناطق.

وتشير المتابعات إلى قابلية توسع رقعة المعارك بين الأطراف المتقاتلة في شمال دارفور، بسبب التهديد الذي أطلقته قوات الدعم السريع باستلام الفاشر بالقوة في حال رفض القوات المسلحة وحلفائها الانسحاب من المدينة؛ علاوة على عمليات التحشيد والحشد المضاد المتواصل في المناطق الصحراوية شمال الإقليم.

نزوح متكرر

أنتجت المعارك بالمناطق الصحراء شمال الإقليم حركة نزوح متكررة لسكان منطقة الصياح، الذين نزحوا في مطلع أكتوبر 2024م إلى تقابو، مو، مدو، المالحة، ام هجيليجة وغبيش. وجراء معارك منتصف يناير هذا العام اضطروا للنزوح مرة أخرى إلى وجهات مختلفة، من بينها الدبة بالولاية الشمالية، المالحة وبعض قرى جنوب الصياح، بالاضافة الى المثلث الحدودي بين السودان، ليبيا ومصر. وبحسب يوسف محمد المصطفى، أحد سكان منطقة الصياح، فإن المنطقة البالغ تعدادها 12 ألف نسمة استقبلت في أكتوبر 2024م عدد 210 أسرة قبل أن يضطروا جميعهم  إلى النزوح مرة أخرى. وفي ذات السياق شهدت مناطق شمال شنقل طوباي نزوح نحو 300 أسرة الى مناطق مختلفة بسبب الهجمات التي تعرضت لها القرى من قبل مجموعات مسلحة. 

ويقول عبد العزيز مادبو، مسئول البرامج بغرفة طوارئ مدينة كرنوي بشمال دارفور، أنه بعد توسع رقعة المعارك في الولاية، اكتظت كرنوي بالنازحين من الفاشر، الضعين ونيالا. اضافة الى استقبال 124 أسرة من قرى انكا، بير مزة وام مراحيك. وأشار في تصريح لسلاميديا، أن النازحين يعيشون اوضاعاً إنسانية وصفها بالصعبة. وأوضح أن غرفة طوارئ كرنوي وجهت نداءات للمنظمات الإنسانية لكنها لم تستجب. وعلى صعيد آخر شهد معسكر كساب تدفقاً للنازحين من مدينة كتم وعدد من القرى المحيطة لها. وذكر أحد أعضاء غرفة طوارئ المعسكر، أنهم لم يستطيعوا حصر أعداد النازحين بسبب الظروف المحيطة بالمعسكر وانعدام وسائل التواصل.

ووفق مصفوفة تتبع النزوح بمنظمة الهجرة الدولية،  فإن زيادة عدد النازحين من مناطق شمال دارفور فاقت الـ 39,477 أسرة. وبينت أن إجمالي النازحين في 17 من ديسمبر 2024م، بلغ حوالي 6,134,746 نازحاً،بينما بلغ 6,333,980 نازحاً في  14 يناير هذا العام.

تدخلات إنسانية  

لم تحصل سلاميديا من خلال بحثها على أي معلومات حول التدخلات المباشرة للمنظمات الإنسانية لمساعدة المدنيين الفارين من جحيم المواجهات العسكرية التي ارتفعت وتيرتها منذ الأسابيع الأخيرة من العام الماضي حتى يناير هذا العام. إلا أن فريق سلاميديا رصد عدداً من الجهود المبذولة من قبل غرف الطوارئ في عدد من المناطق التي استقبلت نازحين؛واستمرار تقديم المساعدات خاصة من قبل المطابخ الجماعية بالاعتماد على العون الذاتي.

مع ازدياد وتيرة المعارك واتساع رقعتها، يواجه المدنيون نزوحًا متكررًا وظروفًا معقدة، في ظل تضاؤل الدعم الإنساني، ما يضعهم أمام مصير مجهول يزيد من معاناتهم. هذا الوضع يتطلب تدخلًا دوليًا عاجلًا، لأن الجهود التي تبذلها غرف الطوارئ غير كافية لتغطية الحاجة الانسانية التي أفرزتها المعارك المستمرة بين الأطراف في محور الصحراء بشمال دارفور. إن تضاؤل الدعم الإنساني يضع مسئولية توفير الغذاء والمأوى والاحتياجات الانسانية على عاتق المبادرات المحلية وغرف الطوارئ التي لا تمكنها قدراتها المحدودة من الإيفاء بالاحتياجات المتزايدة للنازحين.