تأثير النزاع على مسار التقاضي في السودان

لم تتصور (أ، ل، م) يوماً أن تتسبب رصاصة ووصفة طبية كانت تحتفظ بهما في حقيبتها في إدانتها والحكم عليها بالإعدام. (أ، ل، م) أجبرتها المعارك وتدهور الأوضاع الأمنية في شرق النيل بالخرطوم على الفرار برفقة عدد من افراد اسرتها الى مدينة الدامر بولاية نهر النيل. يقول شقيقها الذي كان برفقتها لـ (سلاميديا)، عند وصولهم مدينة الدامر توقف البص الذي يقلهم في إحدى ارتكازات القوات المسلحة، وتم سؤاله عن قبيلته قبل أن يأمره عنصر الأمن بالنزول. وقال “أنزلني وسألني عن قبيلتي، وعندما أخبرته قال لي لو في زول جا معاك خليه ينزل، ومن ثم أمر سائق المركبة بالتحرك بعد انزالنا من السيارة”. ويضيف “قاموا بتفتيش حقائبنا؛ فوجدوا رصاصة بحقيبة شقيقتي الصغرى و وصفة طبية، كلفتاها الإدانة تحت المواد 50/ 51 والحكم عليها بالإعدام”.هذا علاوة على قضائه هو ثلاثة أشهر في السجن؛ في حين لم يستبعد أن يكون توقيفهم تم على أساس قبلي. تشابهت هذه القصة مع قصص عدد من الضحايا الذين تم الحكم عليهم بالإعدام في ظروف مماثلة.
*****
خلفت الحرب التي دخلت عامها الثالث في السودان، آثاراً كارثية على مؤسسات تحقيق العدالة في البلاد ــ اطلع على تقرير سلاميديا حرب السودان تلوي عنق العدالة. ولم يتوقف الأمر عند ذاك الحد؛ بل بمحاذاة القتل بسلاح أطراف الحرب هناك احكام بالاعدام لا حصر لها في المحاكم، دون أن تتوفر لها مقومات المحاكمة العادلة. فقد كشف مرصد الجزيرة لحقوق الإنسان في بيان، عن شروع السلطات بولاية الجزيرة في محاكمة أكثر من 950 شخصاً، لاتهامهم بالتعاون مع قوات الدعم السريع التي تخوض حرباً ضد القوات المسلحة السودانية منذ 15 أبريل 2023م. وبدأت المحاكمات في ظرف أقل من ثلاثة أسابيع بعد بسط القوات المسلحة سيطرتها على ولاية الجزيرة في منتصف يناير هذا العام.
وأكد وكيل النيابة الثاني عضو اللجنة الوطنية لانتهاكات الدعم السريع، سهيل الطاهر، أن كل من تثبت إدانته أثناء التحري سيقدم للمحاكمة. وطمأن المتهمين أن كل من لم تثبت إدانته سيتم إطلاق سراحه بكفالة حسب البينات المتوفرة في محاضر التحري. وفي وقت سابق أصدرت المحاكم الجنائية في عدد من الولايات أحكاماً بلغ بعضها الإعدام أو السجن لفترات متفاوتة، وذلك بعد إدانة المتهمين بالتعاون مع قوات الدعم السريع.
ظلت الأحكام الصادرة تثير العديد من التساؤلات حول ما إذا اتبعت فيها المحاكم الجنائية شروط المحاكمة العادلة؟ وكيفية وصول المتهمين إلى قاعات المحاكم في ظل التوترات والتهديدات الأمنية الماثلة؟ وهل تتوافق الأحكام الصادرة مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان وبروتوكولات جنيف؟ وما هي القوانين التي اعتمدت عليها هذه المحاكم ؟ مما قد يسفر عن محاكمات غير عادلة كما أوردنا في تقرير سابق لسلاميديا (حرب السودان تلوي عنق العدالة).
الخلايا الأمنية:
بعد اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023م، طفى على السطح مصطلح (الخلايا الأمنية)، وبحسب القرارات التي صدرت لتشكيلها في الولايات تحت سيطرة القوات المسلحة – هي قوة تضم فصائل من الاستخبارات العسكرية، جهاز الأمن والمخابرات وشرطة المباحث الجنائية. وهي التشكيلات الأمنية المعنية بالقبض على المتهمين بالتعاون مع قوات الدعم السريع وإجراء التحري معهم وتقديمهم للمحاكمات. ووفقاً للخلية الأمنية بولاية البحر الأحمر، في تنوير صحفي، فإن مهام هذه الخلايا تتمثل في رصد ومتابعة المجرمين والقبض عليهم وعلى كل الشبكات الإجرامية المرتبطة بهم؛ ولها أدوار فعالة في القبض على من يشك في انتسابهم وتعاونهم مع قوات الدعم السريع ومد السلطات بكل المعلومات المتعلقة بهم للمساهمة في القضاء على ما وصفته بـ (التمرد في السودان).
ويقول عضو المكتب التنفيذي لمجموعة محامي الطوارئ والمتحدث باسمها، مصعب صباحي، إنّ كل الذين اعتُقلوا من قبل ما يعرف بـ (الخلية الأمنية) التي تهيمن عليها شخصيات من الحركة الإسلامية، أُودعوا في سجون تابعة للقوات المسلحة دون أن تتوفر لهم شروط العدالة. وأضاف صباحي أنّ عملية القبض على المتهمين بالتخابر أو التعاون لصالح الدعم السريع تتم من دون اتباع الإجراءات القانونية السليمة، ويودع المتهمون في السجون فترات طويلة تمتد أشهراً عدة وبعضهم تجاوزت مدة حبسه العام.
محاكم في ظل الحرب
بحسب ما تم رصده في وسائل الإعلام خلال الفترة من يونيو 2024م وحتى مارس 2025م، فقد بلغ عدد المحاكمات بحق المقبوضين بواسطة الخلية الأمنية بتهم تتعلق بالتعاون مع قوات الدعم السريع أكثر من 48 محاكمة في ولايات (نهر النيل، القضارف، شمال كردفان، كسلا، النيل الأبيض والمناقل بولاية الجزيرة) – وهي الولايات التي ظلت تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية. بدأت المحاكم في إصدار أحكام الإعدام والسجن لفترات طويلة متفاوتة بحق المتهمين؛ بعد توجيهات أصدرها عضو مجلس السيادة ومساعد القائد العام للقوات المسلحة، الفريق/ ياسر العطا، للنائب العام ووزارة العدل في 29 مارس 2024م؛ والتي تقضي بفتح بلاغات في مواجهة من وصفهم بالخونة والعملاء والمرتزقة. ومن الملاحظ أن هذه المحاكم أصدرت عدة أحكام بالإدانة ضد نساء بتهم تتعلق بالتعاون مع قوات الدعم السريع وتقويض النظام الدستوري، في قضايا أثارت جدلاً واسعاً. ففي محكمة جنايات الأبيض، صدر حكم بالسجن لمدة ستة أشهر على المتهمة (م ع ح خ) بتهمة مساعدة قوات الدعم السريع، في حين أصدرت محكمة جنايات كرري حكماً بالإعدام شنقاً على كل من (ح/م/ق)، (س ت ر ا) و(ح/م/ق) بتهم التعاون وتقويض النظام الدستوري وإثارة الحرب ضد الدولة. وتوالت المحاكمات بإصدار محكمة الجنايات بمدينة عطبرة، ثلاثة أحكام بالإعدام شنقاً على المتهمات (أ أ م)، (ر ع ع) و(ن أ أ ج )، وحكم بالسجن المؤبد علي (ف ش ج ش) بعد إدانتهن بتهم متفاوتة بين التعاون وتقويض النظام الدستوري وإثارة الحرب ضد الدولة.
ويؤكد المتحدث باسم مجموعة محامي الطوارئ مصعب صباحي أن المتهمين تم القبض عليهم بواسطة الخلية الأمنية وتم تحويلهم إلى النيابات والمحاكم الموجودة في مناطق سيطرة القوات المسلحة بشكل جزافي، مشيراً الى أنه صدرت بحقهم أحكام بلغت الإعدام على كثيرين منهم. وأضاف صباحي “غالباً ما يحاكمون بدوافع سياسية، بتهمة الجرائم الموجهة ضد الدولة، من دون تمثيل للدفاع، وبإجراءات غير مكتملة الضمانات القانونية مع طول فترة الحبس”. وأردف “للأسف معظم الاعتقالات في مناطق سيطرة الجيش تتم بنهج تحريضي في كثير من الأحيان، أو بناءً على تصنيف جهوي أو قبلي في أحيان أخرى، وليس بناءً على أدلة قانونية محددة، ولا تتوفر لهم ضمانات التحري القانونية”
وقالت رحاب المبارك، عضو المكتب التنفيذي لمحامي الطوارئ، إن هناك الكثير من المحاكم قامت بتوظيف المحاكمات لتصفية الخصومة السياسية، وإن معظم القضاة الذين يصدرون أحكام الإعدام، هم ممن تم فصلهم سابقاً بواسطة لجنة التفكيك؛ وبالتالي عمدوا على التشدد في العقوبات بحق السياسيين وفئة المهنيين ولجان المقاومة وغرف الطوارئ. وذكرت لسلاميديا، أن المحاكمات التي تمت خلال الفترة السابقة تحت المواد المرتبطة بالحرب، لم تتوفر فيها إجراءات المحاكمة السليمة، خاصة أن المحامين لا يقابلون موكليهم إلا في المحكمة، ولا يسمح لهم بالاطلاع على محضر التحري إلا في المحاكمة. كما أن المحامين يتحولون أحياناً إلى أهداف، مشيرة إلى أن هناك الكثير من النماذج. وأضافت رحاب “العدالة صارت عقبة تواجه المحامين بسبب تمكن عناصر النظام البائد من المؤسسات القضائية والعدلية في الدولة مثل الشرطة، القضاء والنيابة العامة”.
محاكمة الوجوه الغريبة
بعد تتبع فريق سلاميديا سير المحاكمات في ولايات سيطرة القوات المسلحة؛ اتضح أن المحاكم اعتمدت في أحكامها على عدة قوانين منها القانون الجنائي السوداني أو قانون مكافحة الإرهاب والجرائم الموجهة ضد الدولة، اضافة الى ما يعرف مجاراً بقانون الوجوه الغريبة الذي سنته السلطات السودانية في عدد من الولايات الواقعة تحت سيطرة القوات المسلحة، وهو القانون الذي تتم بموجبه تنفذ الخلايا الأمنية عمليات القبض على المتهمين وتقديمهم للمحاكمة. اضافة الى ذلك جاء قرار رئيس مجلس السيادة، الفريق أول ركن/ عبد الفتاح البرهان، بتشكيل لجنة لجرائم الحرب وانتهاكات وممارسات قوات الدعم السريع، برئاسة النائب العام المكلف لكي تقوم بحصر الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع منذ بداية الحرب؛ واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في مواجهة المتورطين. لم تقتصر القوانين التي لا توفر العدالة في تلك التي تقضي بها المحاكم في مناطق سيطرة القوات المسلحة فحسب، فبالمقابل سنت قوات الدعم السريع قانون الظواهر السالبة في مناطق سيطرتها التي دُمرت فيها مقرات الشرطة والنيابة والمحاكم جراء الحرب. وقد أعلن قائد الدعم السريع، الفريق أول/ محمد حمدان دقلو، في يونيو 2024م عن تشكيل لجنة مكافحة الظواهر السالبة وتشكيل محكمة ميدانية لمحاكمة المتورطين في الانتهاكات ضد المواطنين. بينما سعت الإدارات المدنية في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع الى استعادة النظام القضائي من خلال تفعيل الشرطة والنيابة والمحاكم، إلا أن هذا النظام يعمل وفق قوانين الطوارئ ويبت في القضايا المدنية فقط؛ في ظل ارتفاع معدلات القضايا الجنائية كواحدة من إفرازات الحرب.
وبحسب متابعات سلاميديا فإن هذا النظام القضائي يفتح الباب واسعا أمام بقاء المعتقلين في السجون لفترات طويلة خاصة أن لجنة الظواهر السالبة تقوم بعمليات اعتقالات واسعة بتهم يتعلق بعضها بجرائم جنائية. لكن الأستاذ عبد الله موسى جبير، وكيل النيابة بجنوب دارفور، قال لسلاميديا إن المحاكم بالولاية تعمل بكل الدرجات، وإن هنالك قضايا جنائية تمت إحالتها بواسطة النيابة، بعضها صدرت فيه أحكام والبعض الاخر قيد النظر. وأكد أنه حتى الآن لم تصدر محاكمات في قضايا تصل عقوبتها إلى الإعدام، ونبه في ذات الوقت إلى أن فرص الاستئناف موجودة حيث توجد محكمة استئناف ورئيس جهاز قضائي. مشيراً إلى أن المحاكم تعمل وفق القانون الجنائي والقوانين الاخرى المعمول بها في السودان.
وفيما يتعلق بالأشخاص الذين يتم القبض عليهم بحجة انتمائهم للقوات المسلحة السودانية، فقد نفى جبير، هذا الأمر وقال “بالنسبة للمتهمين بحجة انتمائهم للجيش لا يوجد، إذ أنه لا توجد قوانين من شأنها منع التعامل مع الجيش”
قانونية محاكمات الجزيرة:
أبدى مرصد الجزيرة لحقوق الإنسان مخاوفاًبسبب التسرع في بدء محاكمة المتهمين بالتعاون مع قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة دون إعطاء الوقت الكافي لتحضير الدفاع، وقال المرصد “بالنظر إلى تعقيد القضايا والعدد الكبير للمتهمين، فإن سرعة بدء المحاكمات تثير مخاوف حول ما إذا كان المتهمون قد مُنحوا الوقت الكافي لإعداد دفاعهم بشكل مناسب، خاصةً إذا كانت التهم تتطلب تدقيقاً في الأدلة والشهادات”. وأشار أنه بالنظر لسرعة انعقاد المحاكم فإنه “من غير الواضح ما إذا كان المتهمون قد مُنحوا فرصة كافية لاختيار محامين مستقلين للدفاع عنهم، وما إذا تم تأمين المساعدة القانونية لهم، خاصةً أن بعض التهم المنسوبة إليهم قد تصل عقوبتها إلى الإعدام أو السجن لفترات طويلة”. وأكد المرصد بأن عدم توفير محامين متخصصين لكل متهم قد يشكل انتهاكاً لحقوقهم في الدفاع. اضافة الى عدم توفر الشفافية والعلنية في قضايا بهذا الحجم، حيث يعد الحق في المحاكمة العلنية ضرورياً لضمان نزاهة الإجراءات القضائية وعدم استخدامها لأغراض انتقامية أو سياسية. وفي ذات الإتجاه اتهم المتحدث باسم مجموعة محامي الطوارئ مصعب صباحي، أجهزة العدالة وإنفاذ القانون، ممثلة في السلطة القضائية ووزارة العدل والنيابة العامة، بالافتقار إلى الاستقلالية اللازمة لإجراء محاكمات عادلة ونزيهة وشفافة، وقال إنّ اعتقال المحبوسين تم بشكل تعسفي.
عبرت رئيس مرصد الجزيرة لحقوق الإنسان، نون ابراهيم كشكوش، المتابعة لملف المعتقلين في مدينة ود مدني بولاية الجزيرة، عن قلقها من اجراءات النيابة العامة التي وصفتها بـ المعيبة، وقالت في تصريح لـ (سلاميديا) “القواعد العدلية تشير الى ان المحاكمة العادلة وكل خطواتها يجب أن تكون تحت إشراف النيابة، وهو ما لم يحدث”، وهذا يجعلنا قلقين تجاه الإجراءات التي تمت بصورة غير سليمة، ونخشى استمرارها بذات الطريقة المعيبة” وأشارت لإصدار المرصد بياناً احترازياً لإصلاح ما يمكن إصلاحه.
وكشفت كشكوش عن تهديدات واختطاف طال الكثير من المحامين السودانيين، حيث تعرض البعض للحجز، وقالت “المحامون لا يستطيعون القيام بواجبهم في الدفاع عن المتهمين، وهذا الأمر يقود لردة في أوضاع حقوق الإنسان”. وأبانت أن أغلب المتهمين لم تسمح لهم الظروف مغادرة المدينة عندما سيطرت عليها قوات الدعم السريع ويعملون في مهن مختلفة، مثل المخابز أو خلافه. وعند سؤالها عن مصادر المعلومات؛ قالت إن المرصد يعتمد على عناصر يرصدون الحالات من الأرض، كما أن المرصد لا يعتمد على معلومات وسائط التواصل الاجتماعي دون تحقق. وعلقت على أشكال المحاكمات التي تتم قائلة “الواضح أن هذه القضايا تتم بصورة ايجازية، كان الطبيعي قبل الحرب أن هذه القضايا تأخذ من ثلاث اشهر الى ستة أشهر ولكن الآن يتم الحكم في اسبوع فقط”.
وفي السياق نفسه قال الخبير القانوني محمد بدوي “ان المحاكمة العادلة لها شروط، منها مراعاة حقوق المقبوض عليهم، وفقاً لما هو منصوص عليه في القانون”، مشيراً إلى أن هذه الحقوق تتمثل في الحق في مقابلة المحامي، الأسرة، الطبيب، الرعاية الصحية، والحبس القانوني، إضافة إلى وجوب مراعاة وجود مترجم في حالة عدم فهم المتهم لغة المحكمة. وأكد أن وجود محامي (ممثل قانوني) حق مكفول في كل الأحوال، خاصة إذا كانت الجريمة عقوبتها الإعدام، لجهة أن محاكم الاستئناف درجت على إعادة المحاكمة في حال عدم فهم المتهم للجريمة والعقوبة، أو في حال عدم مراعاة المحكمة لوجود ممثل قانوني سواء محامي أو من نقابة المحامين او النيابة العامة قسم العون القانوني.
وذكر محمد بدوى، لسلاميديا ان الاصل هو الحق في القضاء الطبيعي، وهذا يشمل استيفاء كافة طرق الاستئناف والطعن وفقا للقانون وهو حق دستوري، وأن فترة الاستئناف لا تقل عن 15 يوماً. مشيراً إلى أن هناك قرارات صدرت من محاكم الاستئناف في مواجهة قرارات محاكم الإرهاب. ونبه بدوي إلى وجود فرص للتقاضي الاستراتيجي، ولا سيما في ظل النزاع الراهن حيث إن تصنيف الصراع هو صراع داخلي وفقاً لقرار مجلس الأمن في مايو 2023م، والمفوضية الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
وعلق الخبير القانوني حول سؤالنا عن تنفيذ حكم الإعدام وفقاً للراهن القضائي والعدلي بقوله، إن غياب المحكمة الدستورية في السودان خلال الفترة الانتقالية أدى إلى تكدس فاق 4500 ملفاً لمحكومي الإعدام، ولا زال الغياب مستمراً، ما أدى إلى تراجع الحالة الدستورية بالبلاد، وبالتالي قاد إلى تراجع تأييد عقوبات الإعدام بواسطة رأس الدولة. وبالمقابل برزت حالات تنفيذ عقوبة الإعدام خارج نطاق القضاء ودون محاكمات خلال الحرب الحالية وهو ما وصفه بالانتهاك الخطير.
وفيما يتعلق بحق المحكوم عليهم مستقبلاً، تبرز احتمالية لجوئهم إلى الاستئناف، إعادة المحاكمات أو اللجوء إلى التقاضي الاستراتيجي بعد انتهاء الحرب وذلك لمراجعة هذه الأحكام وإعادة النظر فيها. وتكمن أهمية هذا التقاضي في ضمان تحقيق العدالة وتصحيح أي أخطاء وقعت خلال المحاكمات، كما يثار تساؤل حول مدى نهائية هذه الأحكام، وهل توجد إمكانية لإعادة المحاكمات في ظروف أفضل.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن القانون السوداني ينص على إجراءات الطعن وإعادة المحاكمة في حالات معينة، مما يفتح الباب أمام مراجعة الأحكام الصادرة في ظل الحرب. ومع ذلك، فإن تحقيق ذلك يعتمد على تهيئة الظروف المناسبة، وتوفير ضمانات المحاكمة العادلة، وتطبيق معايير حقوق الإنسان.
ختاماً، يوضح هذا التقرير التحديات الجسيمة التي تواجه مؤسسات تحقيق العدالة في السودان في ظل النزاع الراهن. فمن قضايا فردية تثير علامات استفهام حول تطبيق القانون، إلى محاكمات جماعية تفتقر إلى ضمانات إجرائية واضحة، تتجلى الحاجة إلى تقييم دقيق للإجراءات القضائية المتبعة ومدى توافقها مع المعايير القانونية والإنسانية.
إن استمرار هذه الظروف يثير تساؤلات حول مدى قدرة النظام القضائي الحالي على توفير العدالة لجميع الأطراف المتأثرة بالنزاع. ويبقى من الضروري متابعة تطورات هذه القضايا وتقييم الأثر طويل الأمد لهذه المحاكمات على مستقبل العدالة وسيادة القانون في البلاد. كما يستدعي الأمر دراسة معمقة للقوانين والإجراءات المطبقة في هذه المحاكم، وتقييم مدى فعاليتها في تحقيق العدالة في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد.