*مزمل الغالي

حرب 15 أبريل 2023 التي اندلعت في العاصمة السودانية الخرطوم، ثم تحولت تدريجيًا إلى معظم ولايات السودان، خاصة الولايات التي تقع غربي السودان وبعض المدن في وسط السودان، بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، وُصفت بأنها من أعنف الحروب المعاصرة، لبشاعتها؛ إذ لم تقتصر الأضرار على المقاتلين وحدهم، بل شملت أطرافًا محميين بالقانون الدولي الإنساني، والقانون العرفي الدولي، والاتفاقيات الدولية التي تحمي المدنيين والمرافق العامة والأسرى، أي التي تنظم النزاعات وتضع لها قواعد.

على مر العصور، وُجدت نزاعات وحروب بين البشر في كل الحقب الزمنية، وكانت معظمها حروبًا بين دول أو ممالك، وقد وُضعت لها أعراف وقواعد تنظمها للحد من أضرار الحرب على المقاتلين وحدهم. لذلك شهد العالم ميلاد القانون الدولي الإنساني في نهاية القرن الثامن عشر، بعد واقعة معركة سولفرينو التي كانت عام 1859 في شمال إيطاليا بين الجيش الفرنسي والنمساوي. ثم تطور هذا القانون بعقد مؤتمرات دولية تكللت باتفاقيات جنيف الأربع، التي تُعد روح القانون الدولي الإنساني، التي تحمي الفئات غير المشاركة في القتال مثل الجرحى، وغرقى البحار، والأسرى، والمدنيين، والمرافق العامة أثناء النزاعات المسلحة.

بعد ميلاد الأمم المتحدة كمنظمة دولية جامعة، حدّت من النزاعات الدولية، فظهرت النزاعات الداخلية، مما لفت نظر المجتمع الدولي إلى تطوير اتفاقيات جنيف الأربع بإضافة بروتوكولين: الأول ينظم النزاعات المسلحة الدولية، والثاني النزاعات المسلحة الداخلية. لذلك يُعد الصراع الدائر في السودان من اختصاص القانون الدولي الإنساني وفق البروتوكول الإضافي الثاني، بالإضافة إلى المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، التي تُعنى بحماية المدنيين والمرافق العامة أثناء النزاعات المسلحة.

حرب 15 أبريل خلفت انتهاكات واسعة للقانون الدولي الإنساني، تُرقى إلى جرائم حرب وفقًا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ومن بين الجرائم الفظيعة المنصوص عليها في المادة الخامسة من اختصاص المحكمة: جريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب.

بالتركيز هنا على استهداف المرافق العامة، فضلاً عن الانتهاكات المباشرة ضد المدنيين مثل القتل والتعذيب، فقد نهجت قوات الدعم السريع استهداف الأعيان المدنية بالقصف المدفعي. فقد استهدفت محطة كهرباء بالولاية الشمالية (دنقلا)، مما أدى إلى خروجها عن الخدمة في 20 يناير 2025. وفي 16 فبراير، استهدفت بطائرات مسيّرة محطة كهرباء أم دباكر بولاية النيل الأبيض، مما تسبب في انقطاع الكهرباء في أجزاء واسعة من الولاية. كما استُهدفت محطة كهرباء بربر التحويلية في 27 أبريل 2025، مما أدى إلى انقطاع الكهرباء في نهر النيل، في حين قصفت المسيّرات سد الروصيرص بولاية النيل الأزرق، لحسن الحظ دون خسائر. كذلك تم استهداف سدي مروي وعطبرة، وأُحدثت فيهما خسائر كبيرة.

هذا على سبيل المثال، فضلًا عن قصف المستشفيات، مثل المستشفى السعودي بالفاشر في 26 يناير 2025، مما أدى إلى مقتل 70 شخصًا وجرح آخرين.

وبتحليل هذه الأفعال وفقًا للقانون الدولي الإنساني، نجد أن الصراع الدائر بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني يُعد، وفقًا للمعايير الدولية، نزاعًا مسلحًا غير دولي (Non-International Armed Conflict)، تنطبق عليه المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، والبروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977، بالإضافة إلى القواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني.

إن استهداف محطات الكهرباء والسدود يُعد خرقًا لمبدأ التمييز وحماية الأعيان المدنية. فقد نصت المادة 13 من البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 على وجوب احترام وحماية السكان المدنيين، وحظر استهدافهم. كما نصت المادة 14 على حظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، مثل المواد الغذائية، والمحاصيل الزراعية، ومرافق المياه والكهرباء. كما نصت المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 على حظر الأعمال العدائية ضد الأشخاص والممتلكات غير المشاركة في الأعمال العدائية.

إن استهداف قوات الدعم السريع للمنشآت المدنية مثل الكهرباء والسدود لا يحقق أي ميزة عسكرية مباشرة وفورية، وهي شرط أساسي في القانون الدولي الإنساني لاعتبار الهدف مشروعًا. بل على العكس، أدى تدمير هذه المنشآت إلى إلحاق أذى بالغ بالسكان، مثل قطع المياه والكهرباء عن مدن كاملة، مما يشكل انتهاكًا مباشرًا للمادة 14، ويعد خرقًا لمبدأ التمييز ومبدأ التناسب المنصوص عليهما في القانون الدولي العرفي.

قصف المستشفيات والمنشآت الطبية يُعد انتهاكًا واضحًا للحماية الخاصة وفقًا للقانون الدولي الإنساني. فقد نصت المادة 11 من البروتوكول الإضافي الثاني على أنه لا يجوز مهاجمة الوحدات الطبية، ويجب احترامها وحمايتها في جميع الأحوال. كذلك نصت المادة الثالثة المشتركة التي تم ذكرها سابقًا، وأيضًا القاعدة 28 من قواعد الصليب الأحمر العرفية، على وجوب احترام وحماية الوحدات الطبية، وعدم مهاجمتها ما لم تُستخدم خارج وظائفها الإنسانية. ومن المعلوم أن المستشفيات تتمتع بحماية خاصة في القانون الدولي الإنساني، سواء كانت مدنية أو عسكرية، طالما أنها تؤدي وظائف طبية. لذلك فإن استهداف قوات الدعم السريع للمستشفى السعودي بالفاشر وغيرها من المستشفيات التي كانت تعالج المرضى المدنيين يُعد انتهاكًا جسيمًا لمبدأ الحماية الخاصة.

بناءً على هذه المعطيات، فإن الأفعال المنسوبة لقوات الدعم السريع تُعد انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، وقد تُرقى في بعض الحالات إلى جرائم حرب وفقًا للمادة الثامنة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لاسيما الفقرات المتعلقة باستهداف المرافق المدنية وتدمير الأعيان الحيوية دون ضرورة عسكرية لازمة، وقتل المدنيين، وقصف المستشفيات والمرافق الطبية، مما يتطلب تحقيق مستقل ومساءلة جنائية لضمان العدالة وعدم الإفلات  من العقاب..

*محامي ومدافع عن حقوق الإنسان