محمود آدم داؤد

في 26 سبتمبر 2011 يكون قد مر على ثورة السحيني بنيالا تسعون عامًا وما يزال الجدال محتدمًا حول هذه الثورة. من كان الفكي السحيني؟ ومن كان معه؟ ولماذا كل الذي كان؟ سنحاول في هذا المقال التذكير بأهم الأسماء والأرقام والتواريخ المرتبطة بهذه الثورة. سنعتمد على مصدرين أساسيين في جمع المعلومات: روايات شفاهية لمعاصرين وروايات متواترة يحكيها رواة عن معاصرين للأحداث. أما المصدر الثاني فيتكون من مجموعة وثائق محفوظة بدار الوثائق القومية بعنوان “ثورة نيالا ” – مجموعة دارفور – القسم 1/ صندوق 1 قطعة رقم 3. كذلك سنعتمد بشكل كبير على مقال بعنوان: “حامية نيالا 1921”[1] وهو عبارة عن رواية شاهد عيان ومشارك في الحرب هو إسحق أفندي هاشم، صراف مركز نيالا، وقد ترجمه إلى الانجليزية السيد كيندونق، ونشر في مجلة السودان في رسائل ومدونات المجلد 25 الجزء الأول 1944.  

ونبدأ بهذه الخارطة الزمنية لأهم أحداث الثورة حسب رواية إسحق أفندي هاشم:

في الخامس من سبتمبر 1921 وصلت أنباء مصدرها عمدة القمر إلى مفتش مركز نيالا السيد ماكنيل، أن الفكي عبدالله محمد إدريس الملقب بعبدالله الصغير “لصغر حجمه” أو عبدالله السحيني، وهو شيخ من قبيلة الأرنقا – خشم بيت أورا – من دار مساليت قد أعلن نفسه خليفة المهدي المجدد، ودعا الناس للانضمام إليه في “طردة – رهد أو بحيرة أمبلولة” في دار المسلات بين دار الهبانية ودار الفلاتة، لإعلان الجهاد. ويعتقد أن السحيني كان من تلامذة الفكي أبو جميزة، الذي ثار على حكم المهدية. وبعد عودة السلطنة أبعده السلطان إلى الكلكة فأقام في جنوب دار قمر.

اجتمع حول الفكي عدد من المسلات (فرع المساليت في جنوب دارفور) والقمر والبرقو والبرنو والفلاتة، وعدد معتبر من رقيق الهبانية الذين أقاموا قرى لهم بالقرب من الرهد أم بلولة.

بالنسبة للسلطات في نيالا لم ترد أنباء أكيدة بعد ذلك عن عدد أو مكان تجمع أتباع السحيني حتى جاء مرسال من العمدة آدم الجلابي، عمدة منطقة دليبة – جنوب نيالا- في الرابعة من عصر الثلاثاء 20/9/1921، وأنبأ بأن الفكي قد جمع حوالي 200 من رجاله ويحاول الهجوم على مركز نيالا.

أمر مفتش مركز نيالا جميع قواته بالاستعداد ثم جمع الموظفين ووزع عليهم أسلحة نارية وأمرهم بمساعدة قوة الشرطة والغفر البالغة عددها حوالي 50 فردًا. ثم جمع تجار نيالا بقيادة الدابي محمد، ووزع عليهم بنادق كرمبل التي غنمها الإنجليز من على دينار، وعند التاسعة من مساء 21/9 اكتمل تسليح كل من في مركز نيالا.

في 24/9 جاء رجل من الحمر اسمه عبدالرحيم أبو عشينا وأخبر المركز بأن الفكي على مسافة يوم ونصف اليوم من نيالا، وينوى الهجوم على نيالا في 26/9.

في يوم الأحد 25/9 وصلت قوة من الفاشر بقيادة اليوزباشي بلال أفندي رزق وسعد أفندي عمر، تتكون من 64 فردًا من القوة الراكبة لكن مسلحة ببنادق غير آلية.

في مساء 24/9 تم توزيع جميع القوة إلى مواقعها في تشكيل حربي ثم أجريت مناورة للتأكد من جاهزية القوة لصد الهجوم المتوقع.

 في الثامنة من صباح الاثنين وصل البمباشي شون من الفاشر برفقة واحد من الخدم. في نفس الزمن صدر أمر لسعد أفندي عمر بقيادة قوة تتكون من 16 فردًا والتوجه لحماية السوق بجانب القوة المكونة من التجار.

عند الثامنة و20 دقيقة وصلت قوات السحيني إلى الوادي، وفي الثامنة والنصف توجهوا نحو المركز شاهرين حرابهم وسيوفهم في تشكيل عسكري يتكون من مجموعتين من الخيالة في الأطراف ومجموعة المشاة في المنتصف.

التحم الجيشان في معركة حامية أمام المركز أرغمت على إثرها القوة الحكومية على التقهقر شمالًا وشرقًا تاركين المركز للثوار الذين أحرقوا بعض مكاتبه.

تجمع الأنصار مرة أخرى وهجموا على المركز بقوة تبلغ حوالي 7000. كان بالمركز قوة مسلحة تبلغ حوالي 25 من الجنود بقيادة اليوزباشي بلال أفندي رزق، ومعهم سعد أفندي عمر وحسن أفندي محمد زين وإبراهيم أفندي خش الدور واسحق أفندي هاشم. في هذه المعركة الثانية رأى سعد أفندي عمر رجلًا على صهوة جواد فأمر الشاويش دراج عبدالله بإطلاق النار على الفرس والفارس. سقط الفرس لكن الأنصار تجمعوا حول الفارس وأجلوه بعيدًا على ظهر حمار. كانت النيران كثيفة ومركزة فلم يتمكن الأنصار من دخول المركز في الهجمة الثانية.

بعد فترة وجيزة جاءت قوة من قادة نيالا فتم تسليحها بالبنادق التي جمعت من الجنود القتلى. امتطوا جيادهم وطاردوا الأنصار حتى مشارف مدينة نيالا.

بعد جلاء المعركة في حوالي الساعة الثانية ظهرًا أحصت الحكومة قتلاها فوجدت من بينهم السيد ماكنيل – مفتش المركز، البمباشي شون، يوسف أفندي إدريس، ضابط الشرطة بشير محمد، حسين أفندي محمد حسين وإبراهيم تادرس، بالإضافة إلى 16 قتيلًا من الجيش و15 من البوليس معظمهم قضوا في الهجمة الأولى بمن فيهم المفتش.

أما قتلى الثوار فقد أحصى إبراهيم أفندي خش الدور حوالي 700 في الهجمة الثانية و30 في الهجمة الأولى.

في العاشرة من صباح 27/9 وصلت قوة من الزغاوة أمكملتي بقيادة العمدة البشرى ترافق البمباشي هنت قادمة من الجنوب.

بعده بساعة وصلت قوة قادمة من الشرق تتكون من 60 فردًا مسلحين بأسلحة آلية بقيادة اليوزباشي محمد أفندي فراج غلام وعبدالرسول أفندي عبدالله غالب.

تواصل تدفق القوات على نيالا واكتملت تشكيلة كبيرة من الجيش تحت قيادة قريك بيه (دريج بيه) عرفت بالحملة 99 التي قرر لها ملاحقة الثوار في معاقلهم.

توافرت أنباء بأن الملك دود نور الدين، ملك المسلات، وأحمد حامد أبو حميرة وأبكر قيقر زعيمي الفلاتة، قد ألقوا القبض على السحيني بالقرب من قريضة. أرسلت نيالا غلام أفندي وإبراهيم أفندي أحمد على رأس قوة أحضرته إلى نيالا في 4 أكتوبر 1921.

تم الحكم على الفكي بالإعدام واعدم في وسط سوق نيالا في 28 أكتوبر 1921.

تجمع أنصاره مرة أخرى تحت قيادة إبراهيم أبكر ابن شقيق السلطان محمد تركشه، لكنه لم يتمكن من إعادة ضم صفوف الثوار. في 15 نوفمبر التحق بهم الفكي محمد راس التور فنصبه الثوار قائدًا عليهم.

بعد فترة من معركة نيالا تحركت الحملة 99 في ثلاثة متحركات: الأولى نحو الجنوب الغربي صوب جويغينة، والثانية نحو قريضة في الجنوب، والثالثة نحو الجنوب الشرقي إلى جوغانة الزرقاء.

التقت قوة الجوغانة مع جيش من الأنصار يتكون من حوالي 2000 -3000 في 27/11/1921 فقتلت منهم حوالي 85 وأسرت 14 وجرحت عددًا كبيرًا، وتشتت جيش الثوار.

بنهاية الحملة بلغ جملة ما صادرته القوات الإنجليزية 15000 رأس من الماشية و1000 حصان بيعت بالمزاد في نيالا برئاسة الدلال أوداس بيه.

لم نتمكن من العثور على أسماء القادة الذين استشهدوا في المعارك، لكن من قادة الثورة الذين وردت أسماؤهم في قائمة المطلوبين التي أصدرها مدير مديرية دارفور في 11 ديسمبر 1921، وقد وضعت الإدارة الإنجليزية مكافآت تتراوح بين 50 و20 جنيهًا مصريًا (قيمة البقرة حينها 50-60 قرشًا) لمن يقتل أو ياسر أي منهم أو يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله نجد:

  1. محمد كدقي فضل.
  2. العمدة يس بخيت.
  3. الشيخ علي إبراهيم.
  4. العمدة ضو البيت الصافي.
  5. محمد درديق.
  6. محمد كرتال.
  7. محمد أمونة المعروف أيضًا باسم حامد أوينو.
  8. عبدالرحمن جمعان.
  9. جمعة أبكر.
  10. عبدالرحمن أبكر.
  11. الفكي داؤود حسن,
  12. أندوجي محمد.
  13. حامد محمد.
  14. آدم الجلابي.
  15. الفكي محمد عبدالله.
  16. محمد حسب الله.
  17. أحمد حسب الله.
  18. عبدالرحمن جمعان.
  19. محمد عبدالنبي.
  20. عبدالله النور.

ثم في 24 يناير 1922 أصدرت قائمة أخرى تضم:

  1. رشيد جاويش.
  2. آدم شريف.
  3. بشارة بركة.
  4. آدم حسن.
  5. الطيب محمد الحسين.
  6. سيد مهداوي.
  7. محمد نورين
  8. شيخ كباشي.
  9. دكو شقيق الشيخ كباشي.

كان الثوار ينتمون إلى قبائل المسلات، الفلاتة، القمر، البيقو، البرقد، البرقو، البني هلبة، البني حسين، الفور، الزيادية، الهبانية، المسيرية، التعايشة، الرزيقات، المراريت لكن أغلبيتهم ينتمون إما للمسلات أو الفلاته.

كان من بين سكان نيالا من اتخذ موقفًا مساندًا للثوار من الوهلة الأولى وخرجوا مع دخولهم. واتخذ آخرون موقفًا معاديًا أيضًا من الوهلة الأولى، فقد قاتل القادة الآتية أسماؤهم بجانب القوات الحكومية:

  1. الشرتاي عبدالرحمن آدم رجال.
  2. السلطان محمد أبكر كبكبي.
  3. الناظر خليل آدم.
  4. وكيل الناظر الزبير سام.
  5. الشرتاي علي عبدالجليل.
  6. الشيخ دكو إبراهيم.
  7. العمدة آدم النور.
  8. العمدة أبكر دودو.
  9. العمدة سرور محمد.
  10. العمدة أبكر طه.
  11. العمدة حامد حلو.

هنالك مجموعات اتخذت موقفًا محايدًا مثل المسيرية والبرقد الذين وقفوا بعيدًا عن ساحة المعركة. وهنالك مجموعات بدلت مواقفها فعدد من الموالين للحكومة الذين والوها وصرفت لهم أحزمه حمراء حتى تميزهم عن الثوار الذين كانوا يتوشحون أحزمه من السعف قد خلعوا الشارات الحمراء وتواروا.

أما من التبس الأمر عليهم من قادة نيالا فيروى أنهم اجتمعوا في الكترة (الدغل) الواقعة أمام مستشفى نيالا التعليمي الحالي تحت التبلدية، وسألوا أكبرهم سنًا الشرتاي آدم يعقوب أو أبو آدم تاو كما كان يلقب، فقال لهم : “أجج ..أجج.. فار سكرو وكتلو وليد كديس، كدايس كبار كم سمعو فار يدسو راسهم وين”[2].

تعددت الروايات حول دوافع قيام هذه الثورة التي تمكنت من استقطاب حوالي 7000 مقاتل وعدد معتبر من زعماء العشائر في المنطقة الواقعة جنوب نيالا. فبينما علل البعض قيامها بالاحتجاج على الضرائب التي فرضتها الإدارة الجديدة، يرى آخرون أنها كانت ثورة ضد نظام الحكم الجديد الذي قلب موازين القوى في المنطقة. لكن الأغلب في رأينا هو العامل الديني، فخلفية القائد ثورية دينية وقد شارك في ثورة أبو جميزة. ودليل آخر على البعد الديني للثوار هتافهم عند الهجوم على نيالا: “مسركين.. مسركين” كانوا يقصدون “مشركين”. وقد سمت الحكومة السحيني بالدرويش وأنصاره بالدراويش وصار الأهالي يؤرخون بهم (سنة الدرويش، ضربة الدرويش…) وما يؤكد دينية هذه الثورة أكثر هو ما ذكره السحيني نفسه عند المحاكمة بحسب سجلات الإدارة الانجليزية.[3]

”  (في ذات ليلة قبل 3 أشهر تقريبًا جاء إلي 5 ملائكة هم: زيبون، كاكا، مسري، رحيال وعزرائيل وأخبروني أن هذا العام هو 1340ه، وقد تم اختياري لجمع الناس وقيادة الجهاد ضد الترك والقضاء عليهم، وبعده سنحكم أنا وشعبي الأرض لمدة 10 سنوات في نهايتها سيتم اختيار قائد آخر لمواصلة الجهاد. في 1370ه ستشرق الشمس من الغرب وتغيب من الشرق. وفي 1380ه سيكون نهاية هذا العالم (مسيح الدجال)، وبعده سيظهر النبي عيسى.

بعده أخبروني بأنه بعد جمع الناس سيكون هدفي الأول نيالا وعندما استقر فيها ستأتيني الأوامر بالتقدم نحو الفاشر. وأخبروني أن أخبر الناس بعدم الخوف من بنادق الحكومة، لقد تمت الترتيبات لتحويل رصاصها إلى ماء).”

وإن كان السبب هذا أو ذاك فمن المؤكد أن الثورة قد أثرت وبشكل عميق على المنطقة. لقد هاجرت مجموعات كبيرة من السكان إلى خارج جنوب دارفور خوفًا من بطش الحكومة.  وأفقرت مجموعات كبيرة أخرى إما لتبرعها للثورة أو لتجريدها من أموالها بواسطة الإنجليز. وثمة افتراض آخر أن كثيرًا من أنصار الثورة، وبعد الإحساس بالإحباط من إخمادها وظهور السيد عبدالرحمن المهدي والكرامات التي تناقلتها الألسن عنه[4]، هاجرت مجموعات من أنصار الثورة إليه.

ثمة أمر آخر ظهر بجلاء ومنذ تلك الثورة هو انقسام المجتمع فقد تحارب سكان جنوب دارفور فيما بينهم دعمًا للطرفين. نصرته عشائر بكاملها لكن في نفس الوقت عندما سئل أحد قادة القبائل عن سبب عدم نصرة قبيلته للثورة رد بأن أفراد قبيلته أذكي من أن يتوقعوا مهديًا من المسلات أو الفلاتة.

في الختام  يجب القول إننا أبعد ما نكون من الحكم على المواقف التي اتخذها سكان وقادة دارفور من تلك الثورة لكن الحرب كانت حرب مبادئ من الدرجة الأولى، وقد حارب الطرفان ببسالة عن مبادئهما.

خطاب أرسله السحيني الى بعض أعيان دارفور – وجد في جيب أحد شهداء معركة جوغانة الزرقاء.


[1] The Defense of Nyala 1921, Eye witness account by Ishag Eff. Hashim, translated by Mr. F. D. Kingdon, Sudan Notes and records, Vol. 25 part II, 1944.

 رواية عن الدملج داؤد محمد الذي حضر الاجتماع[2]

[3]“(One night about three months ago five angels came to me named Zeiboon, Kaka, Messri, Rhoyel and Assrayel, they told me that this year was 1340 (AH) and that I had been appointed to collect the people and lead a holy war against the Turk to exterminate them and after this I and my people would govern the land for ten years at end of which time another leader would be appointed to continue the war. 1370 the Sun would rise in the West and set in the east. In 1380 the end of this world (مسيح الدجال) then the Nebbi Eissa would appear.

They then told me that after collecting the people my first objective was Nyala and when I had established myself there I should receive orders and eventually proceed to Fasher. They told me to tell the people to have no fear of govt. rifles and arrangements has been made to replace their bullets by water)

[4]  تناقلت أخبار في الأعوام 1925 -1926 بان ابن الإمام المهدي قد قام بالتجديد وانه يشع ضوءا (يرى البعض انه من علامات الولاية والصلاح ويشكك معارضوه ويعتبرونها قصص يختلقها أنصاره) فعمت الأهازيج في كل الفرقان والقرى ( بحرنا فاض ونيلو دفر … بلا خبرنا مافي خبر… الصادق ود مهدينا) وتقاطر الناس لنصرته.