نازحو معسكر أبوشوك: في إنتظار الحصول على مياه الشرب، في شهر يونيو 2025م 

سلاميديا: تحقيق: حواء داؤود

مع إحكام الحصار المستمر على مدينة الفاشر بشمال دارفور، وتصاعد وتيرة المعارك، دخلت المياه كعنصر يهدد حياة مئات الآلاف من المدنيين؛ حيث توجه تركيز أطراف الصراع نحو موارد المياه بغية بسط السيطرة عليها؛ ما أدى إلى تضرر مصادر المياه الرئيسية بالمدينة بتعرضها للتدمير.

لا تزال مدينة الفاشر تحت وطأة حصار خانق، امتد زهاء الـ 16 شهراً، بسبب الحرب بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل 2023م. وتفيد المتابعات من خلال هذا التحقيق، أن سكان مدينة الفاشر طوال هذه الفترة ظلوا يعانون من نقص حاد في المياه، علاوة على الغذاء والدواء مصحوباً بوضع أمني يزداد سوءًا، الأمر الذي ضخم من معاناة المواطنين هناك. لم يتوقع سكان المدينة المحاصرة أن تمضي الحرب بهذه الوتيرة، مستهدفة البنية التحتية والخدمية؛ حيث أصابت مصادر المياه الخراب والتدمير.

شكاوى المواطنين: 

وبحسب الإفادات التي أدلى بها المواطنون أن اشتداد الحصار على المدينة ونقص المياه، الغذاء والدواء، فضلاً عن انعدام البدائل، بات الكثير من المواطنين يعتمدون على مياه الأمطار، رغم إدراكهم لمخاطرها الصحية نتيجة احتوائها على الديدان والحشرات.

ويشكو مواطنو الفاشر من صعوبة الحصول على مياه الشرب النظيفة، وقالت إحدى النازحات من منطقة شقرة القوز التي تبعد حوالى حوالى 15  كيلومتراً غرب مدينة الفاشر، أنها تستغرق أكثر من ساعتين إلى ثلاثة ساعات يوميا لجلب المياه لأسرتها؛ وذكرت أنها تتحصل على ثلاثة جركانات مياه فقط ؛ وهي كمية غير كافية لأغراض الطهي والشرب وغيرها من الاستخدامات الاخرى. وقالت أنها في أغلب الأحيان تعود أدراجها بدون مياه بسبب الاشتباكات.

وفي ذات المنحى قالت نازحة أخرى اتخذت من مركز أبوبكر الصديق بمدينة الفاشر ملجأ لها، قالت أنها عانت من عدم الحصول على المياه لمدة عشرة أيام قبل بداية هطول الأمطار، بسبب غياب عربة المياه التجارية. وبينت أن السكان يحصلون على كميات محدودة من الماء بواسطة ناقلات المياه (التناكر) الى أن هطلت الأمطار خلال الأيام الماضية؛ وقالت “أننا أصبحنا نستخدم مياه الأمطار في غسل الملابس والأواني”. وأفصحت أن مياه الأمطار غير صالحة للاستخدام لوجود ديدان طافحة فوق مياه البرك، مما يجعلهم عرضة للاصابة بالامراض. 

خزان قولو وحوض شقرة القوز:

لدى بسطها السيطرة مؤقتاً على خزان قولو وحوض شقرة القوز، انتشر مقطع فيديو على منصة اكس بتاريخ 29 يناير 2025م، يظهر فيه عناصر ربما يتبعون لقوات الدعم السريع، يهددون مواطني مدينة الفاشر بقطع الإمداد المائي عبر تعطيل إمداد مياه الخزان إلى المدينة. 

ومن خلال المتابعات ذكرت مصادر مطلعة، أن خزان قولو ــــــ الذي تم تشييده في العام 1947م بسعة تخزينية تصل لقرابة الــ 4 ملايين متراً مكعباً من مياه الشرب ـــــــ خرج عن الخدمة في أواخر مايو 2025م، بسبب المعارك التي دارت في محيطه. وإتهم مصدر مطلع من الفاشر- فضل حجب اسمه- قوات الدعم السريع قامت بنبش وتخريب الخطوط الناقلة للمياه من خزان قولو إلى مدينة الفاشر، كما قامت بدفن إحدى آبار التنقية وقطع الخطوط الناقلة للمياه بحوض شقرة القوز في ذات التاريخ. 

وفي محاولة لإثبات تخريب قوات الدعم السريع للبنية التحتية للمياه بمدينة الفاشر، باستخدام نظام الإحداثيات بالأقمار الصناعية، إلا أن آخر التحديثات كانت قبل وقوع أحداث التخريب المزعومة؛ وعليه لم تظهر الصور الملتقطة أي آثار تخريب تذكر.

صورة بالأقمار الصناعية لم تظهر آثار الدمار الذي لحق بحوض شقرة القوز 

صورة بالأقمار الصناعية توضح آثار حريق ناتج عن اشتباكات عسكرية حوض خزان قولو  

 وتواصل المحقق مع السيد/ الباشا طبيق، مستشار قائد قوات الدعم السريع للرد على إتهامهم بتخريب البنية التحتية للمياه بمدينة الفاشر (خزان قولو وحوض شقرة القوز)، إلا أنه لم يرد على الاسئلة. 

لقطة شاشة المحادثة مع مستشار قوات الدعم السريع

وفي ذات الأثناء وجه المحقق أسئلة للناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، العميد الركن/ نبيل عبدالله علي، عبر الواتساب، حول جهود القوات المسلحة ـــ التي تدافع عن سيطرتها على مدينة الفاشر ــــ لتوفير مياه الشرب للمحتجزين داخل المدينة، في الوقت الذي تعطلت فيه مؤسسات الدولة الخدمية بسبب الحرب؛ وصارت القوات المسلحة المتحكم الوحيد. وجاء رد نبيل، أن مثل هذه الأسئلة يجب أن توجه للمؤسسات المعنية.

لقطة شاشة المحادثة مع الناطق الرسمي للقوات المسلحة

وكذلك تم التواصل أكثر من مرة عبر الواتساب مع العقيد/ أحمد حسين مصطفى (أدروب)، الناطق الرسمي باسم القوات المشتركة ـــــ المتحالفة مع القوات المسلحة وتقاتل إلى جانبها داخل مدينة الفاشر ـــــ إلا أنه لم يرد على الأسئلة الموجهة له.

لقطة شاشة المحادثة مع الناطق الرسمي للقوات المشتركة

وفي ذات الإتجاه أكد مصدر مستقل، ان قطاع المياه بولاية شمال دارفور تبقت له بئر مياه واحدة فقط، بجانب آبار خاصة تعمل داخل المدينة، ما يؤكد مزاعم خروج محطات المياه بمدينة الفاشر عن الخدمة. وذكر أن مدينة الفاشر بها مصدرين رئيسين للمياه هما حوضي شقرة القوز الذي يتكون من 34 بئراً، وشقرة الوداي 10 آبار، كانت تمد المدينة بالمياه عبر أربع محطة توزيع رئيسية هي (حلوف، آدم رجال، ام دفسو والرديف) لكنها جميعها خرجت عن الخدمة؛ مما يهدد بكارثة إنسانية غير مسبوقة.    

وفي سياق متصل أرجع مسؤول حكومي، مشاكل توفير مياه الشرب بالمدينة لأسباب أخرى مرتبطة بالحصار، تتمثل في ندرة الوقود، الزيوت، الشحوم وقطع الغيار المصاحب بارتفاع الأسعار. وزاد، إن النقص في إمداد مادة الكلور ومواد المعالجة لضمان صلاحية مياه الشرب لا زال يمثل تحدياً كبيراً في عملية توفير المياه، ما أدى إلى تقليل الكمية المنتجة من الماء مقارنة بالسابق.

الجدير بالذكر، أنه قبل الحرب بلغ الإمداد المائي اليومي في مدينة الفاشر حوالي 26 ألف متراً مكعباً؛ والتي لم تف بحاجة سكان المدينة، إذ كانت تغطي 50% فقط من الحاجة.

تدخلات المبادرات

أغلب المبادرات التي عملت في الماضي لتوفير مياه الشرب للمواطنين بمدينة الفاشر، توقفت عن العمل بسبب شح التمويل. وكان من بينها منظمة وادي هور العالمية التي ساعدت في توفير المياه لعدد 79 مركز إيواء بواقع 64,285 أسرة.

غرفة الطوارئ:

تبقت غرف طوارئ الفاشر والمعسكرات هي الوحيدة العاملة على توفير مياه الشرب للنازحين والمواطنين، “في شهر يونيو كانت آخر عملية توزيع مياه لمراكز الإيواء، شملت مركز السلام 8  الذي يأوي 4,325 نازحاً والسلام 9 الذي يضم 4,935 نازحاً بواقع 60 برميل لكل مركز” ــــــ وفق تصريح أحد أعضاء غرف طوارئ الفاشر للمحقق. 

وأوضح أن عملهم في توفير المياه الآن صار متذبذباً لعدم استقرار النازحين بسبب اشتداد الاشتباكات. وكشف عضو الغرفة الذي فضل حجب اسمه، أن الغرفة في إطار سعيها لمعالجة مشاكل المياه، أفلحت في صيانة عدد من المضخات اليدوية بجانب بعض الآبار المعطلة وترفيعها إلى الإنتاج بنظام الطاقة الشمسية لمجابهة مشكلة الوقود؛ إلا أن ذلك لم يلب الحاجة للمياه. 

تضاربت المعلومات حول أعداد المدنيين المتواجدين الآن داخل مدينة الفاشر، حيث أفاد عباس يوسف آدم، مفوض العون الإنساني بشمال دارفور، في تصريح لـــ (شبكة سلاطين الإخبارية) في مطلع أغسطس الحالى، بأن أعداد المدنيين في الفاشر تبلغ حوالي 850 ألف مواطناً (مجتمع مضيف ونازحين قدامى وجدد)، بينما  أشار أحد المتطوعين في إحدى المبادرات الإنسانية (في حديث مع المحقق) إلى أن  العدد الحالي  للمدنيين في المدينة يتراوح ما بين 750 إلى 800 ألف مواطناً. فيما تشير مصفوفة تتبع النازحين لمنظمة الهجرة الدولية في آخر تحديث لها في شهر يوليو 2025م، إلى وجود حوالي 269,746 ألف نازحاً بالفاشر.

ما بين بداية الحصار وحتى الآن، يظل من تبقى من المدنيين (مجتمع مضيف ونازحين قدامى وجدد) في مدينة الفاشر يواجهون شبح الموت عطشاً بجانب الرصاص الذي يدوي فوق رؤوسهم بين الحين والآخر؛ في وقت لم تبذل فيه القوات المسلحة وحلفاؤها من القوات المشتركة التي تتمسك ببقاء المدنيين في الفاشر، جهداً لمدهم بالماء. وكذلك، قوات الدعم السريع ــ التي تصر على السيطرة على المدينة بمواصلة الحصار والمعارك ـــــ تزيد من معاناة الناس. وبين الرصاص والعطش والخوف من القادم المجهول يظل المدنيين بالفاشر في حيرة من أمرهم، في ظل صمت المجتمع الدولي والإقليمي.