تقرير: سلاميديا
شهدت ولايتي الجزيرة وسنار بوسط السودان، ظاهرة نفوق للفئران في الشوارع والمناطق الخلوية؛ ما يثير العديد من التساؤلات حول الأسباب والتداعيات المحتملة لهذه الظاهرة غير المسبوقة. وقد نفقت الفئران بصورة ملحوظة في مناطق جنوب الجزيرة، جبل موية، مصنع سكر سنار، الحوش وود الحداد.
أثارت الظاهرة مخاوف صحية وبيئية، خاصة وأن الفئران تُعتبر من أبرز نواقل الأمراض الخطيرة مثل الطاعون، الحميات النزفية والسالمونيلا. وعليه، يتخوف المواطنون من أن يكون نفوق الفئران مؤشراً إلى ظهور وباء قاتل، ربما يصيب الإنسان الحيوان.
ولاية الجزيرة
بعد رصد الظاهرة، أصدر الأستاذ/ الطاهر إبراهيم الخير، والي ولاية الجزيرة، قراراً شكل بموجبه لجنة للتقصي والتحقق حول الظاهرة؛ وكلفها بجمع البيانات المتعلقة بنفوق الفئران وأسباب ذلك ومدى تأثيره على الإنسان والبيئة؛ على أن ترفع تقريرها مصحوباً بتوصيات لوضع المعالجات العاجلة.
وفي إفادة لــ (سلاميديا)، أوضحت عضو اللجنة الدكتور/ عرفة محمود، وزير الإنتاج والموارد الاقتصادية بولاية الجزيرة، أن اللجنة شملت عدة خبراء من جامعة الجزيرة، البحوث البيطرية، إدارة الثروة الحيوانية، إدارة وقاية المحاصيل، صحة البيئة، وزارة الصحة والمجلس الأعلى للبيئة.
باشرت اللجنة عملها بعقد اجتماع في السادس من سبتمبر الجاري، وقالت عرفة محمود، أنهم بدأوا في وضع التوقعات المحتملة للظاهرة، ومنهجية البحث حولها. وبذلك، قررت اللجنة تصميم استمارة استبيان تعمم على مواطني المناطق التي شهدت نفوق الفئران لمعرفة تاريخ حدوثها واماكن انتشارها في الولاية. كما قررت اللجنة أخذ عينات من الفئران النافقة و تحليلها في معامل وزارتي الثروة الحيوانية والصحة، بجانب أخذ عينات من التربة وتحليلها لمعرفة ما إذا كانت الظاهرة نتاج استخدام مبيد منتهي الصلاحية.
وأشارت الوزيرة إلى أنهم في بادئ الأمر لاحظوا أن الفئران النافقة بدت ضعيفة وهزيلة، مؤكدة عدم ظهور مثل هذه الحالة قبل الحرب. وبينت أنه حتى الآن لا توجد أي آثار على المواطنين برصد حالات مرضية مشتركة بين الفئران، الإنسان والحيوان. ونبهت إلى أن المواطنين متخوفين من أن تكون ظاهرة نفوق الفئران نذير مرض فيروسي او بكتيري او طاعون أو تسمم، لكنها أكدت أنه لم يتم التعرف على الأسباب وراء هذه الظاهرة.
وكشفت عرفة محمود أنه قبل تشكيل اللجنة قامت إدارات الوزارات المعنية بزيارات إلى عدد من القرى في وحدة الحوش الادارية، وجمعت أعداد من الفئران النافقة وتم حرقها بعيداً من المناطق السكنية لتفادي انتقال أي أمراض للمواطنين، ووضع الإجراءات الوقائية اللازمة.

ولاية سنار
في ذات الإتجاه أبلغت السلطات بولاية سنار عن تلقيها بلاغات بنفوق أعداد من الفئران في وحدة سكر سنار المتاخمة لولاية الجزيرة، وعقدت منصة الصحة الواحدة بالولاية، وهي آلية تنسيقية أنشأتها السلطات الصحية بالولاية، وتضم ممثلين من وزارات الصحة، الثروة الحيوانية، الزراعة والمجلس الأعلى للبيئة، بالإضافة إلى منظمات دولية مثل الصحة العالمية، الأغذية والزراعة واليونيسف، إلى جانب شركاء محليين ــ اجتماعاً يوم الخميس الثامن من سبتمبر 2025م، لبحث تداعيات ظاهرة نفوق الفئران.
ونقل اعلام وزارة الصحة بالولاية، عن محمد تاج الدين، مقرر منصة الصحة الواحدة، قوله إن الاجتماع أوصى بإيفاد فريق ميداني إلى وحدة سكر سنار للوقوف على الوضع، مؤكداً عدم ورود أي بلاغات للمنصة تشير إلى تفشي أمراض بسبب الفئران النافقة؛ لكنهم يتحسبون لأي طارئ. وشددت مواهب الأمين يوسف، مدير عام الثروة الحيوانية بولاية سنار، على أهمية التوعية بكيفية التعامل مع الفئران النافقة.
ومن جهته قال نور الدين داؤود، مدير وقاية النباتات بوزارة الإنتاج والموارد الاقتصادية، أنهم نفذوا مسوحات ميدانية لمعرفة كثافة الفئران في محليتي سنار وسنار شرق، مشيرا إلى أنه تم توزيع الطعوم للمزارعين لمكافحتها.
ورجحت اخلاص نمر، الصحفية المتخصصة في مجال البيئة والتغير المناخي، أن الظاهرة ربما تكون بسبب استخدام أسمدة ومبيدات منتهية الصلاحية جراء التكدس بالمخازن لظروف الحرب. مشيرة إلى تأثير الحرب على النشاط الزراعي، ما أدى إلى امتصاص التربة لمخلفات الحرب. واضافت “إن طبيعة الفئران تحفر داخل الأرض لتحصل على غذائها فتجد التربة المشبعة ببقايا ومخلفات الحرب والمواد السامة مما أدى إلى نفوقها، ثم أتى موسم الخريف وهطلت الأمطار وساهمت في مفاقمة الأزمة عن طريق انتشار المواد السامة بفعل انجراف التربة ومياه الأمطار الجارية والرياح مما ساهم في توسيع وتعميم المياه السامة في مناطق متفرقة” مؤكدة على ضرورة إجراء بحث عميق لمعرفة سبب نفوق الفئران، لوجود احتمالية أن تكون الأسمدة المنتهية الصلاحية ومخلفات الحرب ليست الأسباب الوحيدة وراء هذه المشكلة.
تعد ظاهرة نفوق الفئران في ولايتي الجزيرة وسنار بمثابة خطر بيئي وصحي. فالنظم البيئية بطبيعتها المترابطة والمتوازنة لا تشهد مثل هذه الظواهر إلا عند حدوث خلل في التوازن الطبيعي. تشير المعطيات الأولية إلى تداخل عدة عوامل قد تكون وراء هذه الظاهرة. الأمر الأكثر إثارة للقلق هو إمكانية انتقال هذه الظاهرة إلى الكائنات الأخرى عبر السلسلة الغذائية. فالفئران، باعتبارها من الثدييات سريعة التأثر بالملوثات البيئية وتعتبر بمثابة “أنظمة إنذار مبكر” للمخاطر البيئية. إن هذه الظاهرة تؤكد بأن الحروب والصراعات لا تدمر البنى التحتية والاقتصادية فحسب، بل تترك آثاراً بيئية عميقة قد تستمر لعقود. يتطلب التعامل مع هذه الظاهرة تضافر الجهود المختلفة، مع ضرورة الاستعانة بالخبرات المتخصصة في مجال البيئة والصحة العامة. فالاستثمار في فهم هذه الظاهرة ومعالجتها اليوم قد يوفر على المجتمع تكاليف بيئية وصحية باهظة في المستقبل، ويساهم في بناء نموذج للإدارة البيئية المتكاملة يمكن الاستفادة منه في مواجهة التحديات البيئية المماثلة.