تقرير: سلاميديا
نجحت المجهودات الدولية في اختراق الحصار وتوصيل شحنات من الإغاثة إلى بعض المدن في جنوب كردفان، بينما لا تزال مدينة الفاشر تواجه صعوبات في وصول المساعدات الإنسانية؛ إذ تتعرض القوافل للقصف بواسطة الطائرات المسيرة، التي تعرقل وصولها إلى المدنيين العالقين. ففي آخر حادثة تعرضت قافلة مساعدات تابعة لبرنامج الغذاء العالمي مكونة من 16 شاحنة إلى هجوم بطائرة مسيرة، ادى الى تدمير ثلاث شاحنات بعد اشتعالها بالنيران.
نجاح وصول الإغاثة
بعد توقف دام حوالي عشرة أشهر أوصلت منظمة اليونيسيف قافلة مساعدات إنسانية في 24 أغسطس 2025م إلى بعض مدن جنوب كردفان، بعد تفاهمات مع أطراف الحرب في المنطقة. ورغم وعورة الطرق بسبب الأمطار الغزيرة، وصلت ثلاث شاحنات من المساعدات إلى مدن الدبيبات، الدلنج وكادوقلي؛ على متنها 6,300 كرتونة من الأغذية العلاجية الجاهزة للاستخدام، وهي كمية تكفي لتغطية احتياجات المناطق المستهدفة لأكثر من ستة أشهر. وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمم المتحدة، إن أكثر من 120 ألف شخص من الفئات الأكثر ضعفا في الدلنج وكادوقلي سيستفيدون من هذه الإمدادات، مشيرا إلى وصول الاحتياجات الإنسانية إلى مستويات كارثية، إذ ظلت المجتمعات المحلية تحت الحصار لأشهر.

الدعم البديل
في إطار بحثه عن بدائل لإغاثة المواطنين المحاصرين في مدينة الفاشر، اتبع برنامج الغذاء العالمي تقديم دعم نقدي (التطبيقات البنكية) لحوالي 250 ألف شخصاً في مدينة الفاشر، ما يسمح لهم بشراء ما يحتاجونه من الغذاء رغم جفاف الأسواق. وقال البرنامج إنه يواصل تقديم الدعم النقدي لحوالي ربع مليون شخص في المدينة، مما يسمح لهم بشراء ما تبقى من الطعام في الأسواق، لكنه أشار الى أن هذه المساعدة النقدية لا تتناسب مع الاحتياجات المتصاعدة، مما يجعل من الضروري توفير المساعدة العينية لمواجهة الجوع على نطاق واسع.
غياب قوانين الحرب
لم تقتصر عمليات إعاقة المساعدات الإنسانية على مهاجمة القوافل فحسب، إنما طالت العاملين في المجال الإنساني بالسودان ـــ وفق ما رصدته الأمم المتحدة من اعتداءات متكررة ـــ حتى بات السودان يصنف بأخطر بيئات العمل على عمال الإغاثة.
ففي أغسطس المنصرم أُبلغ عن حوادث عنف ضد متطوعين في المجال الإنساني في ولايات الخرطوم وشرق دارفور وشمال دارفور دون أن ترد إحصاءات عن تلك الحوادث.
وكشف لوكا ريندا، منسق الشؤون الإنسانية بالإنابة في السودان، عن مقتل أكثر من 120 عاملاً في المجال الإنساني منذ اندلاع الحرب الحالية ــ معظمهم من السودانيين. وقال ريندا في بيان بمناسبة اليوم العالمي للعمل الانساني إن السودان يشهد واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية في العالم.
وفي ذات السياق ذكرت إديم أوسورنو، مديرة قسم العمليات والمناصرة بمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أنه “لا يزال السودان يعاني من أزمة حماية، وأن قوانين الحرب غائبة في بعض المناطق”
ويشير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن الوصول إلى المساعدات الإنسانية في السودان لا يزال يواجه قيوداً شديدة ، مع استمرار الصراع والهجمات على عمال الإغاثة والحواجز البيروقراطية التي لا تزال تشكل عقبات شديدة أمام إيصال المساعدات الإنسانية. وذكر ان المتطوعين في المنظمات الشريكة يواجهون مخاطر متزايدة، بما في ذلك العنف والاعتقال التعسفي. في أغسطس المنصرم أُبلغ عن حوادث عنف ضد متطوعين في المجال الإنساني في ولايات الخرطوم وشرق دارفور وشمال دارفور دون أن ترد إحصاءات عن تلك الحوادث.

استهداف القوافل
لم يكن استهداف قافلة المساعدات بمدينة مليط في 20 أغسطس 2025م، هو الأول من نوعه، فقد تعرضت من قبل قافلة تابعة لبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة اليونيسف في منطقة الكومة في الثالث من يونيو 2025م، إلى هجوم مماثل بطائرة مسيرة، ما أدى إلى مقتل خمسة موظفين يتبعون الى برنامج الغذاء العالمي وإصابة أربعة آخرين واحتراق تسع شاحنات. وقالت الوكالتان الأمميتان إن القافلة مكونة من 15 شاحنة، وكانت تحاول الوصول إلى الأطفال والأسر في مدينة الفاشر. وشددت الوكالتان على أن مسار القافلة كان معروفا ومتفقاً عليه مسبقاً مع أطراف الحرب، كما هو معتاد في جميع القوافل الإنسانية. في 16 أغسطس 2025م، علقت منظمة أطباء بلا حدود الطبية عملياتها في مستشفى زالنجي التعليمي بوسط دارفور لمدة اسبوعين، بسبب انفجار قنبلة يدوية، في وقت تشهد فيه المدينة تفشياً لوباء الكوليرا، ويقول مكتب OCHA أن تعليق العمليات الطبية لمنظمة أطباء بلا حدود جاء في وقت كان يلعب فيه المستشفى دوراً محورياً في الاستجابة لتفشي الكوليرا.

إدانة الاعتداءات والقيود
ظلت الأمم المتحدة تدين القيود والاعتداءات المتكررة على العاملين في المجال الإنساني وقوافل الاغاثة ما اعتبرته انتهاكًا للقوانين الدولية. ودعت مراراً إلى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية وإجراء تحقيقات بشأن حوادث الاعتداء على القوافل الإنسانية ومحاسبة الأطراف التي يثبت تورطها. وفي آخر اجتماع لها قالت الآلية الرباعية التي تضم (الولايات المتحدة الامريكية، السعودية، الامارات ومصر) إنه يجب على جميع أطراف الصراع تسهيل الوصول السريع والآمن ودون عوائق للمساعدات الإنسانية في جميع أنحاء السودان، وحماية المدنيين بجميع الطرق الممكنة، والامتناع عن الهجمات الجوية والبرية العشوائية على البنية التحتية المدنية.
واتهم مجلس الأمن الدولي أطراف الحرب في 28 يونيو 2025م، بمنع وصول المساعدات الإنسانية واستخدامهم لها كتكتيك حربي. ودعا المجلس جميع الأطراف للسماح بمرور المساعدات؛ وطالبهم بالرد على المخاطبات بشأن توصيل المساعدات الانسانية الى وجهتها في غضون 72 ساعة، وعدم استخدامها إلا للأغراض المحددة. كما طالب بفتح جميع المعابر الحدودية إلى السودان للأغراض الإنسانية، بما في ذلك المعابر من جنوب السودان إلى دارفور، وإصدار التأشيرات وتصاريح الدخول للعاملين في المجال الإنساني إلى جميع أنحاء السودان خلال أسبوع واحد من تقديم الطلب. وتعهد المجلس بالعمل على بناء خطوط استجابة بديلة في حال واصلت أطراف الحرب عرقلة وصول المساعدات.
وأكد المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في مؤتمر صحفي أن وصول المساعدات الإنسانية يزداد تعقيدا بسبب نقاط التفتيش، الضرائب والعقبات البيروقراطية التي تفرضها السلطات المحلية بمناطق سيطرة أطراف الحرب؛ بما في ذلك شروط الحصول على الموافقات ذات المستويات المتعددة. وجدد مناشدته لإتاحة وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء السودان دون عوائق، والحرص على حماية المدنيين وعمال الإغاثة، والوقف الفوري للأعمال العدائية.
ومن جانبها قالت كاثرين راسل، المدير التنفيذي لليونيسف “إننا نشهد مأساة مدمرة. أطفال الفاشر يتضورون جوعا بينما تُمنع خدمات التغذية المنقذة للحياة التي تقدمها اليونيسف”. وحذرت من أن عرقلة وصول المساعدات الإنسانية هو انتهاك جسيم لحقوق الأطفال. ومضت قائلة “حياة الأطفال على المحك؛ اليونيسف تواصل الدعوة إلى وصول فوري وكامل، بما في ذلك توسيع فترات توقف القتال للسماح لنا بالوصول إلى جميع الأطفال المحتاجين. يجب حماية الأطفال في جميع الأوقات، ويجب أن يحصلوا على المساعدات المنقذة للحياة”.
وأشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بالسودان، في بيان أن انتهاكات القانون الإنساني الدولي أصبحت شائعة بشكل مقلق. واضاف “كل تجاوز للخط الأحمر يُقابل بالإفلات من العقاب واللامبالاة والتقاعس عن العمل. يجب أن يتوقف هذا”. وقال “رغم هذه التهديدات، يواصل السودانيون العاملون في المجال الإنساني تقديم المساعدات. يتجاوزون خطوط المواجهة، ويواجهون انعدام الأمن والبيروقراطية، ويخاطرون بكل شيء للوصول إلى المحتاجين”
دأب طرفا الحرب (القوات المسلحة وقوات الدعم السريع) على تبادل الاتهامات بعد كل حادثة اعتداء على قوافل المساعدات الانسانية، كما جرى في حادثتي قصف الطائرات المسيرة الذي استهدف قافلتين في مدينتي الكومة ومليط.
العوائق البيروقراطية
يشكل العنف المرتبط بالنزاع والهجمات على عمال الإغاثة عائقًا رئيسيًا أمام توصيل المساعدات الإنسانية في السودان خاصة مدينة الفاشر بشمال دارفور. ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية (OCHA) في بيان له “رغم استمرار التواصل رفيع المستوى مع أطراف الحرب، لم يتم التوصل إلى اتفاق يسمح بوصول المساعدات الإنسانية، ولم تدخل أي قافلة مساعدات إلى المدينة منذ بداية العام”. بينما تُقوّض الإجراءات البيروقراطية الأنشطة الإنسانية بشدة في الخرطوم؛ إذ يتعين على الشركاء الحصول على تصاريح سفر ودخول وخروج متعددة على المستويين الاتحادي والولائي، مما تتطلب أختاماً من عدة جهات. وقد تستغرق هذه الإجراءات أسابيع، مما يُؤخر العمليات الانسانية بشكل كبير.
وتشير التقارير الدورية لمكتب تنسيق المساعدات الإنسانية، أن قوافل المساعدات تحتاج الى نوعين من تصاريح العبور؛ الأول خاص بعبور الحدود الدولية في معابر الطينة، ادري وبورتسودان، بينما الثاني خاص بالقوافل المتحركة بين مناطق سيطرة أطراف الحرب، هذا فضلاً عن فرض مرافقة مسؤولي مفوضية العون الإنساني (HAC) في الولايات لفرق الاستجابة الروتينية. فيما يعيق تدخل السلطات في ولايتي القضارف وكسلا العمليات الإنسانية، عبر مطالب مالية كنثريات للموظفين الحكوميين، تأخير توقيع الاتفاقيات الفنية، رفض تصاريح السفر، والتدخل في تحديد الأولويات والمستفيدين؛ ما زاد العبء المالي على الشركاء، حيث يفرض ذلك الواقع تكاليفاً غير مُدرجة في الاتفاقيات الفنية.
تواصل فريق (سلاميديا) مع الأستاذة/ سلوى آدم بنية، مفوض العون الإنساني، وبدر الدين موسى، المدير التنفيذي للمفوضية، للرد على الاتهامات حول عرقلة عمليات المساعدات الإنسانية، إلا أن كلاهما لم يرد على الأسئلة؛ بينما أنكر مصدر مقرب من الدوائر الحكومية في بورتسودان ــ (طلب عدم الإفصاح عن هويته) ــ وجود أي عراقيل للعمليات الإنسانية، وقال إن الحكومة أنشأت لجنة جديدة تساعد المنظمات في عملها لإيصال المساعدات، وأضاف “مثلاً لو في عرقلة، أو تأخير تأشيرة دخول أو موظف في مفوضية ولائية حاول عرقلة أي إجراء، الحاجة دي تم التنسيق لها مع المنظمات، وفي خط ساخن لتسهيل الإجراءات وتفادي العقبات”.
وهو ما يفسر ارتفاع معدل الموافقة على أذونات الدخول (الفيز) الممنوحة لموظفي الأمم المتحدة من 28% في يونيو إلى 65% في يوليو 2025م. وبالمقابل انخفض معدل الموافقة للمنظمات غير الحكومية الدولية بشكل طفيف، من 38% في يونيو إلى 36% في يوليو 2025م. وبحسب تتبع فريق سلاميديا وصول قوافل المساعدات الإنسانية خلال العام 2025م، لاحظ انتظام وزيادة معدل وصول الإغاثة عبر الحدود الدولية ومناطق سيطرة الأطراف ابتداء من شهر يونيو 2025م.

واتهم مكتب (OCHA) الوكالة السودانية للاغاثة والاعمال الانسانية (SARHO)، التابعة لقوات الدعم السريع، بفرض قيود على سفر المنظمات الإنسانية التي لم توقع على اتفاقية تعاون. وأشار مكتب OCHA إلى أن هذه القيود تسببت في تأخير إيصال الإمدادات الأساسية المنقذة للحياة إلى دارفور. واضاف “تواصل (SARHO) التدخل في العمليات الإنسانية، وتقييد وصول الإمدادات العابرة إلى المناطق الواقعة خارج سيطرة قوات الدعم السريع، وكذلك فرض مرافقة مسلحة، ما جعل التعامل مع الوكالة يمثل تحدياً متزايداً، بتقليصه مساحة الدعم الإنساني في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع”.
من جانبه نفى محمد خراشي، مدير إعلام الوكالة السودانية للإغاثة والأعمال الانسانية (SARHO)، عرقلتهم وصول المساعدات الإنسانية. وقال لـ (سلاميديا) إن الوكالة ظلت تذلل العقبات أمام العمل الإنساني، وأضاف “الأرقام توضح ذلك، فهناك 214 منظمة وطنية ودولية تتمتع بالدعم التشغيلي الذي توفره الوكالة لتحركاتها. ومنذ مطلع العام 2025م استطعنا إدارة 5414 تحركاً لأغراض العمل الإنساني، وخلال الفترة من أبريل حتى يوليو أوصلنا أكثر من 27 ألف طن من المواد الغذائية وغير الغذائية والطبية”. وتابع “يتضح ذلك من وصول 1800 عامل في الحقل الإنساني إلى مناطق مسؤوليتنا خلال أشهر أبريل، مايو ويونيو 2025م”. وكشف خراشي عن تفعيل اتفاقية تعاون بين الوكالة والمنظمات العاملة في المجال الإنساني ابتداء من أكتوبر المقبل، تهدف الى تنظيم العمل الإنساني وضمان امتثال المنظمات للقانون الدولي الإنساني والقوانين الوطنية.
إن التباين بين جنوب كردفان ودارفور يعكس حجم التحديات التي تواجه العمل الإنساني في السودان. ففي الوقت الذي سمحت فيه التفاهمات السياسية بوصول المساعدات الى مدن كادوقلي الدلنج والدبيبات، ظل استهداف قوافل الاغاثة عائقاً أمام أي جهد إغاثي يصل الى مدينة الفاشر وبعض المدن المتأثرة. هذا الواقع لا يهدد حياة ملايين المدنيين فحسب، بل يفاقم من تعقيد الأزمة السودانية برمتها. فهل يستطيع القرار الذي اصدره الاستاذ محمد حسن التعايشي رئيس مجلس الوزراء بحكومة الوحدة والسلام (تأسيس)، واللجنة التي انشأتها السلطات في بورتسودان لتسهيل عمل المنظمات، أن يسهمان في تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين ؟.