أصدر مرصد الصراع والبيئة (CEOBS) ومرفق حساسية الصراع (CSF) تقريراً مشتركاً بعنوان (البيئة والصراع والسلام في السودان: من الاستجابة إلى التعافي)، حذرا فيه من أن القضايا البيئية في السودان هي قضايا ملحة وحرجة، وتشكل عاملاً أساسياً ومتشابكاً في ديناميكيات الصراع القائمة على المستويات المحلية والوطنية والدولية. وقد شدد التقرير، الذي صدر في أكتوبر 2025، على ضرورة عدم تهميش هذه القضايا خلال الأزمة الإنسانية العميقة، بل يجب دمجها كاعتبار رئيسي لإرساء نهج أكثر استدامة وتأثيراً للسلام.

البيئة.. محرك رئيسي للصراع في السودان

أبرز التقرير أن التنافس على الموارد الطبيعية – مثل النفط والذهب – ما زال يشكل أحد أهم محركات النزاع على المستويين المحلي والوطني، في حين أن الوصول إلى موارد السودان يجذب مصالح خارجية قد تُعيق أو تُعزز جهود السلام. وبالتوازي مع ذلك، تتزايد الضغوط البيئية على سُبل عيش السكان الريفيين والحضريين، خاصة في أنظمة الزراعة والرعي. ويُعزى هذا الضغط إلى ضعف الحوكمة والسياسات الوطنية، وتكثيف الضغوط المناخية، والتداعيات البيئية للحرب الحالية.

وأشارت البيانات المتاحة التي اوردها التقرير إلى أن الحرب الحالية في السودان لها تأثير حاد على البيئة، بما في ذلك التدمير وإزالة الغابات والتلوث، مما يقوض سُبل العيش والصحة العامة. وشملت الأمثلة تضرر منشآت المياه والطاقة في الفاشر، وفقدان الغابات كما حدث في الجنينة، والتلوث المحتمل للمياه والتربة بسبب حرائق مصفاة الجيلي، بالإضافة إلى خسائر المحاصيل في الجزيرة. يضاف إلى ذلك أن السودان صُنّف كواحد من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ في العالم، وتساهم الارتفاعات الكبيرة في درجات الحرارة والظواهر المتطرفة كالجفاف والفيضانات، في زيادة التصحر وتدهور الأراضي، مما يفاقم انعدام الأمن الغذائي والفقر.

دعوة للتعافي الأخضر ودمج البيئة في استراتيجيات السلام

يقدم التقرير مجموعة من التوصيات العاجلة والطويلة الأمد لضمان أن تكون البيئة جزءً لا يتجزأ من مسار السودان نحو الاستقرار والسلام. ويؤكد على أن فهم الأبعاد البيئية للصراع والسلام يجب أن يكون أمراً جوهرياً لاستراتيجيات بناء السلام، ويتطلب دمج الاعتبارات البيئية من البداية في أي خطوات نحو عملية سلام، وذلك لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع على المستوى المحلي والتنافس على مستوى النخبة الوطنية.

وشدد التقرير على أنه ينبغي على قطاع الإغاثة وصناع السياسات والجهات المانحة ضمان دمج اعتبارات البيئة وتغير المناخ في استراتيجيات وبرامج العمل الإنساني والتنمية وبناء السلام، لضمان استجابة مؤثرة وحساسة للصراع. كما يشدد على أن البعد البيئي، والقدرة على التكيف مع المناخ، والإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، يجب أن تشكل ركيزة أساسية لأي انتقال مستقبلي للسلام يتضمن تعافياً أخضراً، وينبغي أن ينطبق ذلك على أنظمة الحوكمة الرسمية والقطاع الخاص. ودعا التقرير إلى دعم المجتمع المدني السوداني بشكل أفضل للحفاظ على أدواره الحيوية في القضايا البيئية وبناء السلام، خاصة وأن هذه المنظمات تأثرت بشدة بالحرب.

وتخلص المؤسستان في تقريرهما إلى أن صحة البيئة في السودان لا تنفصل عن الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسلام المستدام، ودعتا إلى التعامل مع القضايا البيئية والموارد الطبيعية كعوامل محتملة لتوحيد المجتمعات كاهتمامات مشتركة، بدلاً من تقديمها كبؤرة حتمية للصراع.