مستخلص 

أظهرت نتائج الاستبيان الذي أجراه مركز سلاميديا ان نسبة 88% من المستجيبين البالغ عددهم 66 شخصاً يعولون على آليات العدالة الدولية لإنصاف الضحايا، وتعكس هذه النسبة ضعف الثقة في المنظومة القضائية السودانية وقدرتها على تحقيق العدالة.

توصل الاستبيان إلى إجماع (94%) من المستجيبين/ات بضرورة توسيع سلطات المحكمة الجنائية لتشمل كل السودان بدلاً عن دارفور فقط. وهذا يدل على الربط الواضح بين الانتهاكات التاريخية في دارفور والجرائم المرتكبة في مناطق أخرى من السودان في سياق الحرب الحالية، فضلا عن الرغبة القوية في عدم تجزئة العدالة.

ويتجه الرأي العام (العينة) بقوة نحو المطالبة بالمحاسبة، ويرى في قرار إدانة كوشيب خطوة ضرورية في سبيل  ضمان عدم الإفلات من العقاب، وتأكيد دور العدالة الدولية كضامن أساسي في ظل تراجع الثقة بالآليات الوطنية.

وتضمن الاستبيان تقييماً لمدى رضا المستجيبين/ات عن القرار، وقياس مدى ثقتهم في آليات العدالة الدولية لإنصاف ضحايا الحروب في السودان، وكذلك استكشاف آرائهم حول توسيع ولاية المحكمة الجنائية لتشمل كافة أنحاء السودان.

مقدمة

يمر السودان بفترة حساسة من تاريخه الحديث، إذ تتشابك أوضاعه ما بين الصراعات المسلحة المتجددة والمطالبات الملحة لإنهاء الإفلات من العقاب وتحقيق العدالة. ونتج عن هذا الوضع المعقد، التعويل على آليات المحاسبة الدولية؛ حيث أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مؤخراً قراراً بإدانة علي كوشيب. اتسم الرأي العام السوداني بالتباين تجاه القرار ودور العدالة الدولية في إنصاف ضحايا الحروب في السودان، خاصة في ظل استمرار الانتهاكات الجسيمة.

ولتحليل مواقف الجمهور السوداني تجاه إدانة كوشيب، أُجري هذا الاستطلاع الذي شارك فيه 66 مستجيباً/ة، بغية قياس مدى الرضا عن القرار ومدى التعويل على العدالة الدولية لإنصاف ضحايا الحروب في السودان. واشتمل ذلك على استكشاف الآراء حول الموافقة على توسيع سلطات المحكمة الجنائية الدولية لتشمل كل السودان بدلاً عن دارفور فقط.

المنهجية

استند تقرير الاستبيان على منهجية وصفية تحليلية، استخدمت فيها بيانات كمية من إحصاءات (الأسئلة المغلقة) وبيانات نوعية من تحليل النصوص المفتوحة لآراء المستجيبين/ات. تم جمع البيانات من خلال استبيان إلكتروني عبر منصة Google Doc، في الفترة من 14 الى 20 اكتوبر 2025م، كما تم تحليل الخصائص الديمغرافية للمشاركين لفهم تنوع الآراء. وقد تم تصنيف الردود المفتوحة حول الرأي في قرار الإدانة ومدى الرضا عنه إلى اتجاهات رئيسية، مع التركيز على تحديد مستوى التأييد المشروط بضرورة محاكمة بقية المتهمين. اعتمد التقرير على دمج نتائج التحليل الكمي والكيفي لاستخراج أهم النتائج وتحديد نقاط التوافق والانقسام حول دور العدالة الدولية لانصاف ضحايا السودان. 

نتائج الاستبيان

تشير البيانات المتعلقة بأعمار المستجيبين/ات في الاستبيان، والذين بلغ عددهم 66، إلى أن الفئة العمرية من 36 إلى 50 عامًا هي الأكثر تمثيلاً، مما يعكس مشاركة قوية من الأشخاص في مرحلة منتصف العمر. هذا التوزيع يبرز أن الآراء والتحليلات الواردة في التقرير تعكس بشكل أساسي وجهات نظر الأفراد الأكثر خبرة ونضجاً، أي الذين أعمارهم 36 عاماً فما فوق (والتي تشكل نسبة 71.2%). إن هيمنة الفئة العمرية المتوسطة (+36 عاماً). نستنتج من توزيع الفئات العمرية أن القضايا المتعلقة بالعدالة والمحاسبة تتلقى صدىً أعمق.

تشير البيانات المتعلقة بالنوع الاجتماعي إلى تفاوت ملحوظ في نسبة المستجيبين/ات للاستبيان، حيث يشكل الرجال ثلثي العينة تقريباً، في حين أن النساء يمثلن الثلث. ورغم أن هذا التوزيع لا يزال يشير إلى هيمنة الذكور، إلا أن نسبة مشاركة النساء تعد أعلى مما لوحظ في استطلاع الآلية الرباعية المماثل (حيث بلغت فيه نسبة النساء 21.4% من 56 مستجيباً). وهذا التوزيع يدل على أن الآراء المعروضة في التقرير تعكس بشكل أساسي وجهات نظر الرجال، مع وجود تمثيل ملحوظ لآراء النساء حول قضايا العدالة والمحاسبة.

يظهر الرسم البياني تنوعًا ملحوظًا للمهن، حيث لا توجد مهنة واحدة تسيطر على العينة، مما يدل على مشاركة عدة قطاعات مهنية من المجتمع السوداني. يبرز التنوع الواسع للمشاركين من بين هذه المهن، أن الآراء التي تم تناولها في التقرير تنبع من خلفيات أكاديمية واقتصادية واجتماعية مختلفة، مما يعزز شمولية النتائج وقدرتها على تمثيل قطاعات واسعة من الرأي العام.

يشير تحليل البيانات المتعلقة بتاريخ نزوح المستجيبين/ات للاستبيان، إلى أن تجربة النزوح هي سمة مشتركة بين الأفراد، وأن هذه التجربة تتوزع على موجات الصراع الرئيسية في السودان. إذ سجل المتضررين من موجة النزوح التي بدأت مع اندلاع حرب أبريل 2023م، وحتى تاريخ إجراء الاستبيان نصف المستجيبين/ات. ويدل هذا على أن العينة متأثرة بشكل مباشر وواسع بالصراع الحالي، مما يفسر تطلعاتهم نحو العدالة والمحاسبة.

كما تظهر البيانات تجمعات أخرى للنزوح، تعكس الامتداد التاريخي للأزمة، تمثلت في موجة النزوح في دارفور (2003-2005)م. وسجل النازحون في تلك الفترة 13% من العينة والتي ترتبط مباشرة بالسياق التاريخي لقضية كوشيب والمحكمة الجنائية الدولية؛ بينما لم يحدد 36.3% فترات نزوحهم بدقة.

هذا التوزيع يبرز أن آراء المستجيبين/ات تستمد مرجعيتها من خلفيتين متداخلتين، تتمثل في الذاكرة التاريخية للمظالم المرتبطة بجرائم دارفور التي تعالجها المحكمة الجنائية الدولية، والواقع الآني للأزمة والنزوح المستمر، مما يعزز فكرة أن المطالبة بالعدالة هي استجابة لتراكم الصراعات التاريخية والحديثة.

تشير البيانات المتعلقة بتكرار النزوح إلى أن ثلثي المستجيبين/ات في هذا الاستبيان قد خاضوا تجربة النزوح أكثر من مرة واحدة. يعكس هذا التوزيع أن شريحة كبيرة من المستجيبين/ات لا تعاني فقط من نزوح واحد، بل عانت من نزوح متكرر. بيانات مناطق النزوح 

تشير بيانات المناطق التي نزح منها المستجيبون/ات إلى أن ظاهرة النزوح تتوزع على مراكز الثقل السكاني ومناطق الصراع الرئيسية في السودان، ما يعكس شمولية الأزمة الحالية والتاريخية.

المنطقة الرئيسيةعدد الاستجاباتالنسبة المئوية 
اقليم دارفور (تشمل: الفاشر، نيالا، الجنينة، وسط دارفور، غرب دارفور، جنوب دارفور، دارفور، مكجر، كدنير ورومالية، )2740.9%
ولاية الخرطوم (تشمل: الخرطوم، أمدرمان، بحري شمبات، الحلفايا)1624.2%
الولايات الأخرى (تشمل: الجزيرة، القضارف، كردفان، الدلنج، الدمازين، الرصيرص)1015.2%
مناطق أخرى (تشمل: السودان، خارج السودان، جنوب السودان، كوسا)1319.6%
الإجمالي66100%
تشير بيانات المناطق التي نزح منها المستجيبون/ات

يُظهر التوزيع الجغرافي أعلاه أن الآراء حول العدالة والمحاسبة في هذا التقرير تنبع من تأثر مباشر بكلتا موجتي الصراع الرئيسية التي مرت بها البلاد.

النتائج التحليلية

حول سؤال استطلاع رأي المستجيبين/ات عن رأيهم في قرار المحكمة الجنائية الدولية بإدانة علي كوشيب، كان هناك اجماعاً واسعاً على ضرورة المحاسبة، رغم تباين الآراء، ويمكن تصنيفها إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية:

  1. التأييد المطلق (انتصار للعدالة وكسر الإفلات من العقاب): تشكل هذه الفئة نسبة كبيرة من المستجيبين/ات، وتعتبر قرار الإدانة حدثاً تاريخياً ومفصلياً يمثل انتصاراً للضحايا وللإنسانية. ويكمن الدافع الرئيسي لهذا التأييد في الإيمان بأن القرار يمثل بداية لكسر حلقة الإفلات من العقاب، وأن العدالة قد تطال الجناة ولو بعد حين. ويرى المؤيدون أن القرار انتصار للعدالة ويعطي أملاً لضحايا الحرب في دارفور وضحايا حرب أبريل بأن العدالة قد تطال كل مرتكبي الجرائم وإن طال الزمن.
  2. التأييد المشروط (خطوة أولى غير كافية ومتأخرة): تمثل هذه الفئة من المستجيبين/ات وجهة نظر إيجابية تجاه القرار، باعتباره “خطوة نحو تحقيق العدالة للضحايا” لكنه غير كافٍ ومتأخر جداً، وتطالب باستكمال العدالة وفقا لمبدأي الشمولية والسرعة، باشتراط أن تتم محاكمة كل المطلوبين للعدالة؛ حيث أشار الكثيرون صراحة إلى انتظار مزيد من القرارات بحق عمر البشير، عبدالرحيم محمد حسين وأحمد هارون وآخرون.
  3. التشكيك (الاعتراض على الجدوى والمقارنة): تشكل هذه الفئة نسبة أقل من العينة، وتتبنى موقفاً أكثر تشكيكاً أو رفضاً لجدوى القرار؛ حيث تركز على جوانب القصور في الآلية الدولية نفسها. وتعتبر القرار بلا معنى لأنه لا يعوض الضحايا، ولم يمس الجناة الكبار. ويذهب البعض من الفئة إلى نقد الآلية، معتبرين أن المحكمة تعمل على مكافأة المجرم (كوشيب) حيث يتمتع بحبس أشبه بالفندق خمسة نجوم مع رعاية صحية يفتقدها الضحايا في دارفور؛ وينبع هذا الاتجاه من الشعور بعدم التكافؤ بين معاناة الضحايا والمكاسب المعنوية للقرار. 

بناءً على تحليل الاستجابات، يمكن استخلاص النتائج الرئيسية التالية: 

  1. الإجماع على ضرورة المحاسبة: يتفق غالبية المستجيبين/ات على أن إدانة كوشيب هي خطوة ضرورية وإيجابية.
  2. أزمة ثقة في كفاية القرار: ينقسم المستجيبون/ات بين التأييد المطلق والمشروط، حيث يعتبرون الحكم نقطة انطلاق وليست نهاية للمطاف، مع التركيز على ضرورة محاكمة المتهمين الكبار وإحلال عدالة شاملة.
  3. العدالة كضرورة وطنية: يرى الجمهور المستجيب أن العدالة الدولية قامت بما فشلت فيه المؤسسات الوطنية، حيث أشار بعض المستجيبين/ات إلى أن المحكمة الجنائية الدولية قامت بما كان يجب أن تفعله القضاء السوداني منذ زمن.

جاءت الردود على السؤال الثاني (مدى الرضا عن قرار إدانة كوشيب) منقسمة بشكل واضح في التعبير عن مستويات الرضا، حيث اتفق أغلبية المستجيبين/ات لهذا السؤال، على ان الرضا التام يرتبط بمثول بقية المطلوبين للعدالة. ويمكن تصنيف هذه الفئة إلى ثلاثة اتجاهات:

  1. الرضا غير المكتمل: تمثل هذه الفئة من المستجيبين/ات الاتجاه الأكبر، حيث عبروا عن رضاهم بالخطوة من حيث المبدأ؛ لكنهم يعتبرونها غير كافية لشفاء جراح الانتهاكات. ويشترطون اكتمال رضاهم بمحاكمة بقية المطلوبين ابتداءً بالرئيس السابق عمر البشير، عبد الرحيم وأحمد هارون. 
  2.  الرضا التام: عبرت هذه الفئة من المستجيبين/ات عن مستوى عالٍ من الرضا دون تحفظات، واعتبروا القرار إنجازاً بحد ذاته. وأشار بعضهم إلى القرار يمثل بصيص من الأمل بأن العدالة قادمة وإن طال الزمن.
  3. عدم الرضا: تمثل هذه الفئة الأقلية، وتنتقد القرار من زاوية الأثر العملي أو طريقة تعامل المحكمة الجنائية الدولية مع المتهمين. وانتقدت إحدى المستجيبات القرار لكونه غير منصف للضحايا “يعمل على مكافأة المجرم حيث يتمتع المجرم… بامتيازات في السجن“. 

النتائج الكمية

يبين الرسم البياني أعلاه تباين آراء المستجيبين/ات في التعويل على العدالة الدولية لإنصاف ضحايا الانتهاكات في السودان. حيث أن الأغلبية يعوّلون على العدالة الدولية؛ مع وجود فئة لا تعول على العدالة الدولية، وأخرى امتنعت عن الإجابة على السؤال. 

يعكس هذا التوزيع إيماناً قوياً لدى غالبية المستجيبين/ات بأهمية وفاعلية العدالة الدولية كآلية رئيسية لتحقيق الإنصاف لضحايا الحروب في السودان؛ مما يدل على أن الآلية هي الملاذ الأمثل لتحقيق العدالة في ظل انهيار أو ضعف المؤسسات العدلية السودانية.

 أما فئة الرافضة للتعويل على العدالة الدولية ترى أن عوامل تأخر الإجراءات أو التركيز على متهمين دون آخرين (كبار المطلوبين) تثير قلقها بشأن العدالة وتعويض الضحايا.

تُظهر الإجابات على السؤال حول الموافقة على توسيع سلطات المحكمة الجنائية الدولية لتشمل كل السودان بدلاً عن دارفور فقط، قبولاً شبه مطلق من قبل أغلبية المستجيبين/ات؛ بينما تعارض نسبة ضئيلة توسيع سلطات المحكمة؛ في حين امتنع بعض المستجيبين/ات عن الإجابة.

يعكس هذا التوزيع توافقاً كبيراً أن العدالة الشاملة لا يجب أن تقتصر على جرائم دارفور فقط، بل يجب أن تمتد لتشمل الانتهاكات والجرائم المرتكبة في جميع أنحاء السودان، بما في ذلك الانتهاكات المصاحبة للحرب الحالية.