ما بين أروقة العدالة الدولية وجراح الضحايا في دارفور التي لم تندمل بعد منذ العام 2003م، تعود قصصهم من جديد لتتصدر الواجهة. فبعد قرابة العقدين من الزمان، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في السادس من أكتوبر 2025م، قراراً بإدانة المتهم علي محمد علي عبد الرحمن المعروف بـ (علي كوشيب)، في خطوة أعادت للأذهان مسألة عدم الإفلات من العقاب في السودان.

حظي قرار الإدانة الذي جاء متأخراً، بترحيب من قبل كثير من الضحايا وأسرهم، رغم ما يراه آخرون أن العدالة ما تزال بطيئة، وأن معاناتهم تمتد من حرب دارفور 2003م، إلى الحرب الحالية.

يأتي ذلك في وقت اتخذ فيه المجتمع الدولي خطوات إضافية لتعزيز مسار العدالة في السودان بتمديد ولاية بعثة تقصي الحقائق، بالتزامن مع توصية مجلس حقوق الإنسان بتوسيع اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لتشمل الجرائم المرتكبة خلال النزاع الحالي في جميع أنحاء السودان.

هذه التطورات تطرح أسئلة جوهرية حول جدوى المسارات القضائية، وهل يمكن أن تُنهي عقوداً من الإفلات من العقاب، أم تُعمق الفجوة بين العدالة الدولية والواقع المحلي؟ وكيف يمكن أن تتحول العدالة الدولية من رمزية إلى واقع يحمي الضحايا ويحاسب الجناة ؟.

اعتمد التقرير على منهج مختلط بين المصادر الأولية والمفتوحة؛ وشمل ذلك إفادات من المحكمة الجنائية الدولية ومقابلات مع مصادر في المجال القانوني، وحقوق الإنسان، بجانب استبيان شمل 66 مستجيباً/ة من مختلف الفئات.

قرار الإدانة

أصدرت رئيسة الدائرة الأولى بالمحكمة الجنائية الدولية، القاضية/ جوانا كورنر، في السادس من اكتوبر 2025م، قراراً بإدانة المتهم علي كوشيب بـ 27 من جملة 31 تهمة، شملت جرائم القتل، الاغتصاب، الاضطهاد، التعذيب والاعتداء على المدنيين. وقالت المحكمة إن هناك أسبابا معقولة للاعتقاد بأن القوات المسلحة السودانية وميليشيا الجنجويد قد شنت معاً هجمات عديدة على مناطق كتم، بندسي، مكجر وأرولا خلال عامي 2003م و2004م، وذلك في إطار حملة مكافحة التمرد؛ مع أن هذه المناطق لم تشهد تمرداً، ولم يشارك سكانها في أعمال حربية.

وفيما يتعلق بإسقاط بعض التهم عن على كوشيب، أبانت المحكمة في تصريح خاص لسلاميديا عبر البريد الإلكتروني، أن الدائرة الابتدائية رأت أن بعض الأفعال التي نُسبت إليه شملها الوصف القانوني للجرائم التي أُدين بها بالفعل، وبالتالي قررت عدم إدانته مرتين على الفعل ذاته التزاماً بمبدأ العدالة وعدم الازدواج في العقوبة.

وجاءت ادانة علي كوشيب بعد أكثر من ثلاث سنوات من بداية محاكمته في الخامس من أبريل 2022م، بعد تسليمه نفسه إلى المحكمة في الأول من يونيو 2020م بأفريقيا الوسطى، حيث ظل هارباً من العدالة لحوالي 12 عاماً. ويعد علي كوشيب أحد المتهمين مع قادة نظام الانقاذ (الرئيس عمر البشير، وزير الدفاع/ عبد الرحيم محمد حسين، وزير الدولة بوزارة الداخلية/ أحمد هارون وعبد الله بندا أحد قادة الحركات المسلحة) الذين صدرت بحقهم مذكرات توقيف من قبل مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في 27 ابريل 2007م. 

وترى الغالبية العظمى (92.4%) من الذين استجابوا للاستبيان الذي طرحه مركز سلاميديا في الفترة من 14 إلى 20 أكتوبر 2025م، أن إدانة علي كوشيب “مجرد بداية” وخطوة ضرورية وإيجابية نحو تحقيق العدالة في السودان. وأجمعوا على ضرورة إلقاء القبض على بقية المطلوبين وتسريع وتيرة المحاكمات لكسر حلقة الإفلات من العقاب. في حين تبنى بعض المستجيبين/ات موقفاً متفائلاً وحذراً في نفس الوقت؛ وربطوه بالقيمة الحقيقية للقرار، الذي وصفوه بأنه بداية لتحقيق العدالة، مطالبين بملاحقة كل مرتكبي الجرائم الذين صدرت مذكرات توقيف في حقهم. بينما هناك فئة من المستجيبين/ات رأت أن القرار يعطي أملا لضحايا الحرب، إلا أنه جاء متأخرا. وفي ذات السياق شككت قلة من المستجيبين/ات في الأثر العملي للقرار، وترى انه غير موفق ويكافئ المجرم، بذكرهم “المتهم يتمتع بحبس أشبه بفندق 5 نجوم يتضمن رعاية صحية وتعليم لأسرته بينما يفتقد الضحايا في دارفور لهذه الخدمات”

وقالت منظمة العفو الدولية ان هذه الادانة تسهم إلى حدٍ ما في تحقيق العدالة لضحايا علي كوشيب، وتُمثل إنجازًا هامًا في السعي لتحقيق العدالة في الجرائم المرتكبة في دارفور منذ أكثر من عقدين. كما أنها بمثابة تحذير لمن يرتكبون الانتهاكات في سياق الصراع الدائر في السودان بأنهم سيُحاسبون فرديًا يومًا ما.

فيما قالت اللجنة التسييرية لنقابة المحامين وفقاً لراديو دبنقا، إن ادانة علي كوشيب تشكّل مثالًا عمليًا على فعالية القانون الدولي في مواجهة الجرائم الخطيرة، وتعزّز الثقة في قدرة النظام القضائي الدولي على مساءلة مرتكبي الانتهاكات بحق المدنيين.

عدالة منقوصة

على الرغم من إدانة علي كوشيب إلا ان المدافعين عن حقوق الانسان يرون ان العدالة التي يستحقها ضحايا الحرب في دارفور لا زالت منقوصة ما لم يتم تسليم بقية المتهمين الذين صدرت بحقهم مذكرات توقيف في العام 2007م.

ويقول آدم موسى، مدير منظمة ضحايا دارفور، لسلاميديا ان ادانة علي كوشيب تمثل نقطة مهمة جداً وبارقة أمل لتحقيق العدالة الشاملة للضحايا وأسرهم. وذكر ان العدالة لن تكتمل الا بمحاكمة رأس النظام السابق عمر البشير، أحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين الذين يتمتعون بحرية كاملة وحماية من القوات المسلحة، وقال “هذا يعد اعاقة لعملية العدالة واستفزاز لأسر الضحايا، لذلك نحن نطالب الجيش بشكل عاجل أن يسلم هؤلاء المطلوبين لأنهم الأساسيين المساهمين في كل الجرائم التي ارتكبت” وأضاف “صحيح علي كوشيب ارتكب جرائم، لكن بأوامر من رئيس النظام عمر البشير فلذلك نطلب من المحكمة الضغط على سلطة الأمر الواقع في بورتسودان لتسليم المجرمين

وذهبت في ذات الإتجاه المدافعة عن حقوق الإنسان، بدور زكريا، في حديثها لسلاميديا، حيث طالبت المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي بالضغط على الحكومة في بورتسودان وعلى الدول المصادقة على ميثاق روما لتسليم بقية المطلوبين الذين صدرت بحقهم مذكرات توقيف. وقالت “علي كوشيب هو مجرد منفذ؛ هناك من أصدر القرارات والأوامر لارتكاب تلك الجرائم، وبالتالي على المجتمع الدولي أن يضغط على الحكومة الموجودة سواء كانت الممثلة في بورتسودان أو الحكومات الإقليمية والمحلية لتسليم بقية المطلوبين، فتسليمهم هو مبدأ العدالة الحقيقية

بخصوص مثول المطلوبين للعدالة الدولية من السودان، فإن المحكمة تعول على الدول المصادقة على ميثاق روما المنشئ لها في إلقاء القبض عليهم، بقولها “لا تملك المحكمة الجنائية الدولية قوات عسكرية او شرطة خاصة بها، لكنها تعتمد على التزام الدول الأطراف في نظام روما الأساسي باحترام واجباتها القانونية بالتعاون مع المحكمة بما في ذلك في شأن إلقاء القبض على المشتبه بهم وتسليمهم إلى المحكمة. ينطبق ذلك أيضاً على الدول التي ألزمها مجلس الأمن بالتعاون مع المحكمة. أما الدول الأخرى فيمكن لها التعاون طوعاً مع المحكمة”.

وأشارت المحكمة أن غياب المتهمين يعيق سير العدالة لأن المحكمة لا تجري محاكمات غيابية، لذلك فإن القبض على المشتبه بهم وتسليمهم إلى المحكمة شرط أساسي لبدء المحاكمة.

وزادت بدور زكريا، أن إدانة علي كوشيب هي خطوة نحو تحقيق العدالة واسترداد الكرامة للضحايا في دارفور ونبهت المدافعين عن حقوق الإنسان بضرورة بذل جهد أكبر في عمليات توثيق الانتهاكات التي ارتكبت في الإقليم، وقالت “رغم أن الفترة الزمنية طالت وربما بعض آثار الانتهاكات تلاشت لكننا نصر أن نوثق أكبر قدر من الجرائم والانتهاكات التي حدثت في الفترة ما بين 2003 و2004 لكي نضمن العدالة للجميع

وفي ذات الصدد حول تأخر انصاف ضحايا حرب دارفور، أوضحت المحكمة الجنائية الدولية لسلاميديا، أن طول الفترة الزمنية بين إصدار أوامر التوقيف ومحاكمة المتهمين لا يلغي إمكانية تحقيق العدالة، إذ تعتمد المحكمة على التوثيق المبكر للأدلة والشهادات منذ بدء التحقيقات، واستخدام إفادات مسجلة وفق إجراءات قانونية، إضافة إلى التحقيقات الميدانية المستمرة وجمع الأدلة المادية والوثائقية. وذكرت أن قرار الإدانة استند على أدلة قوية جُمعت على مدى سنوات طويلة، مؤكدة أن فقدان بعض الشهود بمرور الزمن لا يعيق إقامة العدل بفضل الإجراءات القانونية التي تضمن سلامة الأدلة وموثوقيتها. وأضافت أنها تعمل بشكل متواصل على تعزيز التعاون الدولي، سواء مع الدول الأطراف أو مع الدول الأخرى الملزمة بالتعاون بموجب قرارات مجلس الأمن، لضمان تسريع التحقيقات والإجراءات القضائية وتحقيق العدالة للضحايا في أسرع وقت ممكن.

من أروقة المحكمة

منذ صدور مذكرات التوقيف بحق المطلوبين للعدالة الدولية في السودان،  ظلت العديد من الأصوات تنادي بضرورة مثولهم للعدالة؛ إلا أن ذلك لم يحدث حتى تسليم علي كوشيب نفسه للمحكمة. وفي هذا الصدد بينت المحكمة “المسؤولية في هذا الجانب تقع على عاتق الدول الأطراف والدول التي ألزمها مجلس الأمن بالتعاون معها“، مشيرة إلى أن عدم تنفيذ أوامر القبض يشكل إخلالاً بالالتزامات القانونية الدولية وليس قصوراً من المحكمة ذاتها، لعدم امتلاكها  قوات عسكرية أو شرطة خاصة بها. وأكدت على أن تحقيق العدالة الدولية يتطلب إرادة سياسية حقيقية من الدول، وأن محاكمة كوشيب تمثل خطوة جوهرية نحو إنهاء الإفلات من العقاب في دارفور. 

توسيع نطاق المحكمة     

لم تعد الانتهاكات والجرائم الجسيمة مقتصرة على إقليم دارفور، فبعد حرب 15 أبريل 2023م، شملت الانتهاكات مناطق أخرى من البلاد، وبالتالي برز اتجاه يطالب بتوسيع نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لضمان المساءلة، وإنصاف جميع ضحايا الحروب في السودان، بغض النظر عن موقعهم الجغرافي. يأتي ذلك في وقت جدد فيه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مطالبته بتوسيع نطاق ولاية المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الانتهاكات ضد المدنيين ليشمل جميع أنحاء السودان. 

وأشار مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في يناير 2025م، أنه يتوقع طلب إصدار أوامر اعتقال بناءً على تحقيقاته في الجرائم المرتكبة منذ أبريل 2023م، في غرب دارفور، فيما لا تزال ولاية المحكمة الجنائية الدولية تقتصر على دارفور بموجب إحالة مجلس الأمن.

وشددت منظمة هيومن رايتس ووتش أنه لضمان تحقيق العدالة الشاملة لجميع الضحايا، يتعين على مجلس الأمن الدولي توسيع نطاق ولاية المحكمة إلى كامل أنحاء السودان. ونبهت أنه ينبغي على الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية تنفيذ جميع أوامر التوقيف الصادرة بحق المطلوبين في الجرائم المرتكبة أثناء حرب دارفور، بما في ذلك تسليم الرئيس السوداني السابق عمر البشير، وتعزيز دعمها السياسي والمالي للمحكمة لتتمكن من التحقيق في الانتهاكات الجارية في دارفور وأماكن أخرى في السودان.

وقالت ليز إيفنسون، مديرة برنامج العدالة الدولية بـ هيومن رايتس ووتش “مع استمرار الصراع الحالي في السودان في إنتاج أجيال جديدة من الضحايا وتفاقم معاناة المستهدفين في الماضي، ينبغي أن تحفز هذه الادانة الحكومات على اتخاذ إجراءات لتعزيز العدالة بكل الوسائل الممكنة“. وذكرت أنه ينبغي على الحكومات دعم العمل الجاري للمحكمة، لمعالجة الجرائم المرتكبة منذ أبريل 2023م، وأن يشمل ذلك السعي إلى توسيع نطاق اختصاصها ليشمل جميع أنحاء السودان، والعمل على إنشاء آلية عدالة دولية للسودان، وتشجيع رفع القضايا في محاكم الدول الأخرى بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية.

وفي إفادة لسلاميديا يرى المحامي والمدافع عن حقوق الانسان، محمد بدوي، أن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني تستدعي المضي في اتجاه توسيع نطاق المحكمة الجنائية الدولية لتشمل كل السودان. مشيرا الى عجز النظام القضائي السوداني لغياب المحكمة الدستورية والتقارب بين السلطتين القضائية والتنفيذية من حيث الأداء. وذكر بدوي ان توسيع نطاق المحكمة الجنائية يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن الدولي، باعتبار أن السودان غير مصادق على ميثاق روما، وأن ذلك يعتمد على نطاق وأشكال الجرائم المرتكبة الآن، “هي كثيرة” على حد قوله.

وفي ذات الخصوص قال المحامي والمدافع عن حقوق الانسان، عبد الباسط الحاج، في إفادة لسلاميديا إن توسيع نطاق اختصاص المحكمة ضروري بعد الحرب الدائرة الآن؛ نسبة لوقوع جرائم كبرى في مناطق عديدة في السودان تدخل في اختصاص المحكمة، في ظل انهيار مؤسسات الدولة بسبب الحرب، فضلا عن عدم قدرة السودان في تحقيق العدالة. 

وأوضح الحاج ان السودان يمكن ان يستفيد فنياً وتشريعياً في حالة المصادقة على نظام روما الأساسي والانضمام الى الدول الاعضاء في المحكمة الجنائية الدولية؛ منبهاً إلى أنه في حال عدم انضمام السودان إلى المحكمة الجنائية الدولية، فيمكن لمجلس الأمن أن يتحرك لإصدار قرار آخر يفوض المحكمة بالنظر في الجرائم الدولية التي وقعت في مناطق خارج إقليم دارفور، وأضاف “في هذه الحالة قد يصطدم هذا التحرك بالمصالح الخاصة بالدول الكبرى الأعضاء في مجلس الأمن“.

ويؤكد حافظ إسماعيل، مدير منظمة أفريقيا العدالة، على ضرورة توسيع اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ليشمل كل الانتهاكات في السودان بدلا عن إقليم دارفور فقط؛ بإحالة تقرير لجنة تقصي الحقائق إلى المحكمة الجنائية الدولية بقرار من مجلس الأمن الدولي.

تمديد ولاية بعثة تقصي الحقائق

في تطور متزامن مع قرار المحكمة الجنائية بإدانة علي كوشيب، صادق مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، على مقترح تمديد ولاية بعثة تقصي الحقائق في السودان لعام آخر، رغم اعتراض حكومة بورتسودان. وقالت مجموعة محامو الطوارئ إن تمديد ولاية البعثة يعد خطوة مهمة لتعزيز المساءلة وضمان استمرار توثيق الانتهاكات في السودان. فيما ذكرت الشبكة السودانية لمراقبة حقوق الإنسان أن قرار تمديد ولاية البعثة جاء لتوسيع نطاق عملها في جمع الأدلة، وتوثيق أنماط الجرائم، وتحليل تسلسل القيادة والمسؤولية، بهدف دعم المساءلة المستقبلية وتعزيز الجهود القانونية الرامية إلى مكافحة الإفلات من العقاب. وقالت ان هذا التمديد يبعث برسالة سياسية مفادها أن المجتمع الدولي لا يزال يُولي اهتماماً خاصاً للقضية السودانية، وأن العدالة لا تسقط بالتقادم مهما تغيرت السلطة أو تبدلت الجبهات.

وجاء أمر تمديد ولاية بعثة تقصي الحقائق بالسودان في اتساق مع ما أفادت به منظمة هيومن رايتس ووتش بأن أطراف النزاع يواصلون إعدام المعتقلين وتشويه أجسادهم، وغير ذلك من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، في  الخرطوم، شمال دارفور، الجزيرة، وولايتي  جنوب وغرب كردفان.

وأكدت مجموعة من منظمات المجتمع المدني، الحقوقية، الأحزاب السياسية والنقابات سودانية، ان تجديد ولاية بعثة تقصي الحقائق أمر بالغ الأهمية لمعالجة أزمة حقوق الإنسان الحالية في السودان وذلك من خلال توثيق الانتهاكات وتعزيز المساءلة والتصدي لأزمة الإفلات من العقاب، وذكرت أن استمرار النزاع المسلح، وارتكاب الانتهاكات بواسطة أطراف الحرب يقضي بضرورة تمديد عمل البعثة الدولية لتقصي الحقائق لرصد وتوثيق الانتهاكات. 

التعويل على العدالة الدولية 

ظل امر الثقة في النظام القضائي السوداني للنظر في جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية والانتهاكات المصاحبة للنزاعات في السودان محل تساؤل؛ بوصفه غير مستقل وغير قادر لفقدانه التشريعات والمواد القانونية التي تجرم تلك الأفعال. وهذا ما ذهبت إليه نسبة 74.2% من المستجيبين/ات في الاستبيان الذي أجراه مركز سلاميديا، لذلك يعول المستجيبون/ات على العدالة الدولية كآلية لإنصاف ضحايا الحروب لتحقيق العدالة باعتبارها الملاذ الأخير أو الأداة الأكثر فاعلية لضمان المساءلة عن جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة في السودان.

بالمقابل ترى نسبة 18.2% أن العدالة الدولية قد تكون بطيئة، أو منقوصة، أو مقيدة باعتبارات سياسية، وبالتالي لا تعوّل عليها بشكل كامل في تحقيق العدالة في ظل استمرار النزاعات والانهيار المؤسسي في السودان، إلا أن الاعتماد العالي على العدالة الدولية يبرز غياب آلية عدالة وطنية موثوقة وقادرة ، مما يدفع الضحايا والمطالبين بالعدالة للتعويل على التدخل الخارجي كخيار وحيد لتحقيق الإنصاف.

إن إدانة علي محمد علي عبد الرحمن (علي كوشيب) من قبل المحكمة الجنائية الدولية، هي بلا شك نقطة تحول مفصلية تكسر الجمود الذي استمر عقوداً في ملف الإفلات من العقاب بالسودان. لقد أثبت هذا الحكم، بعد سنوات من تأخر المساءلة، أن العدالة الدولية يمكنها محاسبة الجناة، ما يبعث بارقة أمل حقيقية لضحايا دارفور وأسرهم.

ومع ذلك، تظل العدالة منقوصة ما لم يتم تسليم ومحاكمة بقية المتهمين الرئيسيين، وفي مقدمتهم قادة نظام الإنقاذ المطلوبون دولياً. كما أن اتساع نطاق الجرائم والانتهاكات ليشمل مناطق أخرى في السودان بعد حرب 15 أبريل 2023م، يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية لتوسيع ولاية المحكمة الجنائية الدولية لتشمل كافة أنحاء البلاد.