بقلم : محمود الشين
لقد شهدت هذه المدينة علي مدى سنوات الوضع الاستثنائي في الاقليم المنكوب (أحداث موسفة) ، اقتضت الضرورة ان تسترد سمعة ماضيها المشرق ومستقبلها الواعد. وتلك اولوية ملحة ومهمة تنتظر الحادبين والمخلصين من أبناءها ومحبيها في كل مكان.
شخصياً تلك قناعتي وواجبي أيضاً ، وهو واجب لايقبل الحياد المرحلي أو الصمت السالب. وقد كانت لنا مع نخبة من أهل نيالا العزيزة مبادرات في هذا الإتجاه ، منها (مئوية نيالا) ، منتدي الوادي الثقافي) ، (ملتقى نيالا لقضايا الثقافة السودانية) والذي أصدر إعلان نيالا الشهير. وسلسلة من المنتديات الثقافية والفكرية – ولشرائح أخرى كذلك جهدها المضاعف لإحياء نهضة المدينة الراقية من نافذة العمل الثقافي.
نيالا بها عدد هائل من منظمات المجتمع المدني النشطة والتي أوجدت لنفسها برغم العراقيل والتحديات – نافذة لخدمة المجتمع هناك ، بكل خصوصيته وتنوعه المعروف. وما كان مثيراً للإعجاب هو أن تحديات المدينة وما اكثرها ، لم تحل بين اهلها والتفاعل السلس مع قضايا وتحديات الوطن الكبير ، وهو يتخلق من جديد ما بعد نوفمبر (2011م).
مازلت أذكر صدي مبادرتي التي قدمتها لسلطات جنوب دارفور بشأن (إسترجاع الذاكرة السمعية لاذاعة نيالا) للعقديين الماضيين (1983-2003م) ، قصدت بذلك إنقاذ ارشيق تلك الإذاعة ذات التاثير الكبير علي مستمعيها. وهو منتج متفق عليه ، من جهة أن تلك الفترة وثقت لأهم مراحل تطور الحياة السياسية والإجتماعية في دارفور ككل.
كان ارشيف الاذاعة التي انتقلت بفضل جهود زميلنا محمد صالح عبدالله يس للعمل بالنظام التماثلي (الرقمي) في العام (2005م) – كان محفوظاً علي (أشرطة الريل) التي ما عادت تصمد امام السرعة الخيالية لتقنية اجهزة الاعلام الجديد ، لكن ما هو مؤلم ان تقفز الاذاعة نوعياً بلا ذاكرة ، هي في الواقع من تؤسس لفضيلة تواصل الأجيال في هذه المنطقة.
* ففي حين كانت استجابة سلطات نيالا (وزارة الإعلام ، الهيئة الولائية للإذاعة) ضعيفة إن لم نقل معدومة – جاء تفاعل وزارة الإعلام بالسلطة الإقليمية علي جناح السرعة ، بل وإلتزمت عبر خطاب رسمي بتوفير التمويل اللازم للتنفيذ ، وذلك لعدة أسباب ، هي قناعتها بالمبادرة ، تفهم وزير الإعلام بالسلطة الدكتور عبدالكريم موسي لأهمية ومردود الفكرة ، ووجود أستاذنا إبراهيم أبكر سعد كأمين عام للوزارة في فاشر السلطان.
إن وزارة إعلام جنوب دارفور ، كانت باردة مثل كرة من ثلج ، ولم يأت ردها الكتابي بالموافقة علي التنفيذ حتي إنقضي عمر سلطة دارفور الإقليمية برئاسة الدكتور التجاني سيسي في العام 2016م. بدأ لي الأمر محبطاً ، لكن إلتزامي نحو نيالا يدفعني لإثارة قضاياها في كل المحافل.
إن أشرطة الريل وحتي لحظة تقديم المبادرة ، كان تخزينها وحفظها غير لائق ، كل الخوف أن تتعرض للتلف علي نحو يصعب عملية تحويل محتوياتها القيمة إلى مواد قابلة للاسترجاع وإعادة البث.
ويحسب للإذاعة السودانية (أم درمان) أنها دفعت في تلك الفترة بخيرة كوادرها للعمل في إذاعة نيالا ، فقدموا وبمهنية يحسدوا عليها عصارة خبراتهم وتجاربهم للتنقيب في إرث ، حضارة وتاريخ دارفور.. يومئذ وصل الاهتمام بالإذاعات الولائية أوج عظمته ، لكن وبكل أسف قد تراجع اليوم ، وترك الأمر لحكومات الولايات ، وتلك طبيعة السودانيين – مفارقات مذهلة – دائماً تتراجع عندهم أو بالأحرى – عندنا قيمة المشروعات العظيمة مع مرور الأيام ، بدلاً من أن تتطور وتزدهر!
علاقتنا مع زملاء المهنة في حقل الإعلام بنيالا – هي علاقة اخاء ، فيها قدر كبير من التعاون ، التنسيق وتبادل الخبرات ، لكن تظل واحدة من أكبر تحدياتهم ، هي كيفية إدارة المؤسسات الإعلامية بالمعايير التي ينبغي أن تراعيها الوزارات الولائية ، لأن وزارة كالثقافة والإعلام ظلت في معظم الولايات رهينة للموارنات الحزبية ، القبلية والمناطقية ، بينما هي في الأصل وزارة ذات صبغة تخصصية مبادرة ، ومن غير المعقول أن تخضع لتلك المحاصصات القميئة. هذا مع وجود استثناءات في مناطق اخري من الوطن.
هذا الجانب (الإداري) ، كان يثير في الواقع قلق زملاء المهنة في نيالا والذين قاموا في أحلك الظروف بواجباتهم المهنية. إن إدارة المؤسسات الإعلامية في العهد المدني الجديد ، تحتاج إلي قدر من الوعي والمرونة فيما يلي التخطيط ، قراءة إتجاهات الأحداث ، توفير الموارد اللازمة للتشغيل وفرق العمل التي تكلف بملاحقة الأحداث وإعداد المنتج الإعلامي الاستباقي ذو الصلة بالتطورات المحتملة في البلاد.
هذا النوع من العمل ، لا يتسق مع بيروقراطية الخدمة المدنية التي تراجعت بشكل مخيف. ويقيني أن إنتظار أجهزة الإعلام لروتين تصديق ومراجعة المال ، مع قناعتنا وحرصنا علي شفافية الإجراءات- أفقدها ميزة السبق والمبادرة.