هاشم عبد الفتاح

في احدى مساءات شهر يوليو من العام ١٩٩٧ اتصل علي الاستاذ الصحفي الراحل كمال خشم الموس طيب الله ثراه وطلب مني ان اقابله غدا في شركة دار البلد جوار السفارة الامريكية بشارع علي عبد اللطيف وابلغني بان هناك صحيفة سياسية قيد الصدور تابعة للاستاذ محمد محمد احمد كرار وابلغني كذلك ان  شخصى والاخ الصديق عبد الحميد عوض باننا مطلوبين للعمل في صحيفة الشارع السياسي فالتقينا ثلاثتنا انا والاخ عبد الحميد وكمال صباح اليوم التالي بالراحل كرار بمكتبه بشركة دار البلد وتم الاتفاق علي تفاصيل العمل وبدات التجربة الصحفية بجد واجتهاد وصدر العدد الاول

للشارع السياسي في ١١ يوليو ١٩٩٧  كنا تيما واحدا نعمل بنظام تقسيم المهام الصحفية دون الاعتبار للاقسام الادارية فانطلقت الصحيفة قوية في طرحها وفي موضوعاتها فكانت الاقرب الي مزاج المعارضة وقتها كانت الحكومة  تحت وطأة قرارات الحظر والعزل والاحتواء من قبل الامم المتحدة حيث  صدرت معظم هذه القرارات في العام ١٩٩٦. حتى ان بعض قيادات الانقاذ سمت هذا العام بعام القطيعة  وكانت المعارضة السودانية قد تداعت واحتشدت تحت مظلة الخيار العسكري لاسقاط الحكومة غداة صدور قرارات اسمرا الشهيرة في العام ١٩٩٥ كما ان الحكومة السودانية نفسها حاوت كثيرة مداراة خيبتها في محاولة اغتيال الرئيس المصري الاسبق محمد حسني مبارك   في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا
في تلك الاجواء كانت صحيفة الشارع السياسي تشكل الصوت والرؤية الاقرب لاطرحات ومزاج الشارع السوداني بكل مكوناته السياسية فالصحيفة كانت قد انتهجت اسلوبا تحريريا فريدا في صياغة الاخبار وملاحقتها بالتقارير والتحليلات والمتابعات فنجحت كثيرا في التعبير عن الواقع السياسي انذاك  والمشهد السوداني عموما وذلك بفضل مثابرة الراحل كرار وبفضل الفرص الكبيرة التي اتاحها لنا كصحفيين في بداياتنا الاولى وحملنا مسوؤليات تحريرية كبيرة وصلت حد ان نتولى مهمة كتابة افتتاحية الصحيفة بالتناوب من قبل التيم الصحفي العامل بالصحيفة فكان كل واحد منا يمثل رئيس تحرير بحاله ولذلك فان الذين عملوا مع الراحل كرار في تلك الفترة يدركون تماما هذه الحقيقة
كان الراحل كرار يمتاز بالشجاعة ومواجهة اصحاب السلطات وبالدقة وبالوضوح والصراحة ..كان شرسا في الدفاع عن رؤيته وعن قضايا النشر والحريات ولى معه في ذلك  عدة مواقف ومحاكم وبلاغات  ولكنه كان مساندا ومناصرا لكل الصحفيين الذين عملوا بصحيفته مهما كانت مستوياتهم الوظيفية  بل بكل مطبوعات شركة دار البلد هذه الوضعية انعكست ايجابا في القدرات التحريرية الكبيرة التي يتمتع بها كل الذين تخرجوا من مدرسة محمد احمد كرار الصحفية فهؤلاء كثر تفرقت بهم مسارات العمل الصحفي ولكننا لا ننسى الاستاذ كرار ونسال الله له الرحمة والمغفرة ويحسن اليه