نتيجة بحث الصور عن عائشة البصري دارفور

بقلم د. عائشة البصري

كل رواية تقف وراءها رواية ولكني أزعم أيضا أن كل ترجمة لرواية تقف وراءها أيضا رواية.
فمنذ أزيد من سنة اتصلت بي صديقتي الصحافية البريطانية ريبيكا تينسلي وطلبت مني أن أساعدها في ترجمة ونشر روايتها عن دارفور إلى اللغة العربية. تحمست للفكرة وأكبرت في تينسلي التزامها بقضية لم يكترث لها معظم الأدباء والمثقفين العرب ولم يكتبوا عنها باستثناء بعض اشراقات نوعية أذكر منها على سبيل المثال رواية “بابنوس” للكاتبة الأردنية سميحة خريس، وذلك بالرغم من أن نظام البشير ظل طوال عقود يمارس على أهالي دارفور شتى ضروب التنكيل والإبادة الجماعية باسم التعالي العروبي المقيت.
بعد تفكير وتفاكر مع بعض الأصدقاء قصدت صديقي التونسي المبروك الشريف، مترجم بالأمم المتحدة،أعرف اقتداره الأدبي واهتمامه بالسودان والتزامه بالقضايا الإنسانية العادلة، فلم يخيب ظني، إذ قبل بعد مهلة من التفكير مشروع ترجمة شاقة ثم وعدني بألا يدخر جهدا لترجمة روح الرواية التي كرس لها زهاء سنة من وقته.
بفضل تضافر جهود المؤلفة والمترجم والناشر كتب أخيرا لهذا المشروع أن يرى النور. فلقد شاءت الأقدار أن ينتهي المترجم من نقل الرواية إلى العربية الآن وقد بدأ السودانيون يتخلصون من التعتيم الإعلامي الذي فرضه عليهم نظام البشير الذي تستر على فظائع ارتكبها في حق مواطنين استباح أرضهم وعرضهم وحياتهم لا لشيء إلا لأنهم “زنوج” و”عبيد” في نظره ولا يحق لهم أن يعيشوا أسيادا على أرض أنجبتهم وأنجبت أجداد أجدادهم.
قُدر للرواية أن تنشر الآن وقد بدأ جدار الصمت يتهاوى وخرج الشعب الثائر صارخا في وجه عمر البشير:”يا عنصري ومغرور، كل البلد دارفور”، الآن وقد بدأ الأحياء يحكون قصص الموتى لآذان صاغية تكتشف ما فاتها من هول القتل والقصف مع سبق الإصرار والترصد واغتصاب البنات على مرأى ومسمع من آبائهن والتنكيل بالأطفال ورمي الرُضَّع أحياء في لهب نيران تحرق البيوت والقرى بمن بقى فيها وتشرد الملايين ممن فروا منها.
بشاعة جرائم النظام السوداني الذي قرر الشعب إسقاطه بعد ثلاثين سنة من الحرب والنهب والضياع تفوق الخيال، اكتشفتها الصحافية تينسلي في العام 2004 وهي تجري تحقيقات ومقابلات مع الناجين الذين انتهى بهم الأمر في مخيمات المشردين بدارفور، في هذا الإقليم غربي السودان. فتحوا لها قلوبهم وعرّوا لها عن جراحهم وطلبوا منها أن تحكي للعالم قصة مأساتهم. ولقد استجابت الكاتبة لرغبتهم، فألفت هذه الرواية بعين وقلب من شاهد وعايش ضحاياها عن قرب وحرصت على ألا تُغير شيئا مما رأته وسمعته ولكنها أطلقت أسماء مستعارة على شخصيات روايتها حرصا منها على سلامة من نجا منهم ونقل إليها وإلينا جرائم العرب ضد غير العرب، لعلنا نعتبر ونتعظ، فنقيم قيامتنا قبل أن نحاسب أو نعاتب غيرنا.
أحداث هذه الرواية إذن حقيقية توثق بكل تفاصيل المكان والزمان اللذين تتحرك فيهما الشخصيات في أسوأ حقبة من تاريخ السودان الحديث. فبين عشية وضحاها، اهتزت الأرض تحت أقدام قبائل وقرى بأجمعها وتحولت حياتهم من حياة بسيطة وناعمة يتعايش فيها الجميع إلى جحيم ما وراءه جحيم. الرواية تصطحب شخصياتها مشيا على الأقدام في صحراء دارفور وتنقل عنهم وهم يتنقلون من قرية لقرية فرارا من مليشيات الجنجويد الوحشية، وتصف كيف تنتهي بهم الرحلة في مخيمات يقعد فيها من يقعد ويغادرها من يستطيع الارتماء في أحضان الغربة التي تقتل أحيانا حلم العودة الى الوطن.
مرت ستة عشر عاما على اندلاع الحرب في دارفور ومازال الإقليم ينزف وينتظر الخلاص من سنوات الجمر والرصاص. فلم تنقذه قرارات الأمم المتحدة وبعثتها وجنودها؛ ولم تنقذه جامعة الدول العربية التي تألقت بصمتها؛ ولم تنقذه مناصرة المجموعات اليهودية والكنسية الإنجيلية في أمريكا والمعروفة بـ “تحالف أنقذوا دارفور”.
لم ولن ينقذ أهل دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وكل من عانى من بطش النظام، إلا بنات وأبناء شعبهم الذين واجهوا الرصاص بصدور عارية وهم ينشدون: “الطلقة ما تقتل، يقتل سكات الزول.”
هو ذا السكات الذي تريد الرواية كسره وتحقيق واجب الذاكرة لتجنب تكرار مآسي التاريخ.

كاتبة وإعلامية مغربية، ناطقة رسمية سابقة باسم بعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور (يوناميد)

يمكن لكل من يود أن يطلع على ما فاته من ظلم وظلمات تاريخ الكيزان في دارفور، أن يطلب ويشتري النسخة الورقية للرواية عبر شبكتي “جملون” و”نيل وفرات” المتاحتان عبر الموقع الالكتروني التالي لدار التنوير: