الخرطوم – سلاميديا
رغم تقدم المفاوضات بين الحكومة الإنتقالية وتحالف الجبهة الثورية والتي أوشكت على توقيع إتفاق سلام نهائي، ما تزال المخاوف تنتاب المراقبين للمشهد السوداني، من الوصول إلى تسويات جزئية تعرقل حلم السلام الشامل الذي يراود السودانيين منذ الإستقلال.
وبعد إنتهاء مدة الستة أشهر التي حددتها الوثيقة الدستورية لحل قضايا الحرب والسلام، تقف حركتان كبيرتان، على مسافات بعيدة من العملية السلمية ومحادثات السلام مما جعل المفاوضات منقوصة، بحسب مهتمين.
وترفض حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور التي تسيطر على مناطق واسعة بجبل مرة غربي البلاد الدخول في محادثات سلام قبل لشروط محددة تضمن معالجة قضايا السودان في إطار كلي، وهو ذات الموقف الذي ظلت تتمسك به منذ حكم المعزول عمر البشير.
بينما تعثرت المفاوضات مع الحركة الشعبية بقيادة عبدالعزيز الحلو، نسبة لطرحها حق تقرير المصير منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق أو علمانية الدولة السودانية كموقف تفاوضي أوحد، الشي الذي رفضته الحكومة الانتقالية بحجة أن هذه القضايا تفوق تفويضها ويجب حسمها في مؤتمر دستوري قومي.
فيما يتفق معه عبد الواحد محمد نور في ذات الطرح، إلى جانب مطالبته بتحويل موقع التفاوض إلى العاصمة الخرطوم وإنعقاد مؤتمر دستوري لمناقشة قضايا الحكم والثروة والتحول الديمقراطي.
ويرى محللون سياسيون، وقيادات بالحركات المسلحة أن عزوف عبد الواحد محمد نور وعبد العزيز الحلو عن عمليات التفاوض الجارية في جوبا قد يقود إلى تسوية جزئية تضم الجبهة الثورية بمكوناتها الحالية والحكومة الإنتقالية، مثلما كان يحدث في عهد النظام البائد.
وقال الناطق الرسمي لحركة جيش تحرير السودان قيادة عبدالواحد محمد نور، محمد عبدالرحمن الناير في تصريحات خص بها “سلاميديا” أن ما يجري في منبر جوبا من مفاوضات بين الحكومة الإنتقالية والجبهة الثورية هو إعادة إنتاج للاتفاقيات السابقة في عهد النظام البائد الذي وقع أكثر من 46 اتفاقية سلام ثنائية وجزئية وانتهت بوظائف في السلطة للموقعين وإستمرت الأزمة دون حل.
مشدداً أن هذه الإتفاقيات الثنائية لم تخاطب قضايا الوطن والجذور التاريخية للأزمة بل خاطبت قضايا الأشخاص ورغباتهم في السلطة، مشيراً إلى أن الإتفاق المتوقع التوصل إليه بين الحكومة والجبهة الثورية يمثل تأكيد على أن حكومة الخرطوم الحالية تسير في نهج سلفها البائد وأن ما حدث في ثورة ديسمبر المجيدة التي تم تدجينها هو تغيير في الأشخاص وليس تغييرا في السلوك والممارسات والتعاطي مع قضايا الوطن الكلية.
ويضف “ليس هنالك سلام سوف يتحقق في السودان بمعزل عن حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد أحمد النور ، والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الفريق عبد العزيز آدم الحلو ، لكون هاتين الحركتين هما الوحيدتان في السودان الآن اللتان تسيطران على مناطق جغرافية شاسعة بحجم دول ولهما جيوش وقواعد جماهيرية عريضة، فلا توجد أي حركة أخرى تسيطر على متر في التراب السودان ، وهذه حقيقة يعرفها القاصي والداني وليست مزايدة سياسية”.
وتابع الناير “إتفاق سلام ليس طرفه هاتين الحركتين مصيره الفشل، لأن السلام الحقيقي يكون مع الأطراف صاحبة التأثير على الأرض ولديها جيوش ومناطق محررة، وهي المعنية بالإستقرار وجلب السلام”.
وأكد أنهم ليسوا طرفا في هذه المفاوضات ولا يعنيهم أي إتفاق يتم توقعيه مع قناعتهم أن هكذا إتفاقيات جزئية وثنائية لن تحل الأزمة، وإنما الحل يكمن في مخاطبة جذور الأزمة الوطنية في إطارها الكلي عبر مؤتمر سوداني تشارك فيه جميع المكونات السودانية ما عدا نظام المؤتمر الوطني وواجهاته”.
ويزيد الناير” الحركات التي تتفاوض في جوبا تعلم قبل غيرها أن هكذا اتفاقيات لن تحل الازمة، ولها تجاربها مع النظام البائد الذي وقعت معه من قبل اتفاقيات مماثلة وشاركته في السلطة وزعموا حينها إنه سلام شامل ولكن ظلت الأزمة قائمة، وتنصل النظام عن إتفاقاته معهم فأعلنوا تمردهم مرة أخرى، فكان عليهم الإتعاظ من تجاربهم السابقة التي أثبتت الوقائع فشلها بعدم تكرارها مرة أخرى”.
أما المحلل السياسي الدكتور عبده مختار يستنكر تتمسك حركتي الحلو وعبدالواحد نور بما وصفه بالاطروحات التعجيزية المتتطرفة وغير المنطقية في وقت يتطلع فيه السودانيين لتحقيق السلام، والذي إنعكس تأخره سلبا على المواطنين.
ويقول مختار في تصريحاته ل”سلاميديا” “لا يمكن أن يطبق مبدأ العلمانية في دولة معظمها يدين بالدين الاسلامي، ولكن يمكن تطبيقه بعد إنشاء برلمان منتخب وإستفتاء شعبي، فلا بد للفصيلين المساعدة في تحقيق السلام لإنتخاب المجلس التشريعي والوطني ومن ثم النظر في أطروحاتهم.
ويتابع “لابد لجميع الأطراف تقديم تنازلات حقيقة لدفع بعملية السلام والوصول للحد الأدني من الإتفاق لتجاوز المرحلة الإنتقالية، وشدد”لا يمكن أن نتوقع من حكومة المرحلة الإنتقالية تحقيق كل المطالب”.
ويتوقع مختار أن تمضي الحكومة الحالية قدما في تحقيق السلام وتوقيع إتفاقيات مع الجبهة الثورية بمكوناتها الحالية، وأكد انه لن يكون سلاما شاملا لكنه سيكون بإجماع الأغلبية.
فيما إختلف القيادي بحركة تحرير جيش السودان جناح مناوي سليمان عبد الله مع المحلل السياسي عبده مختار ، وقال سليمان خلال حديثه ل”سلاميديا” أن أي إخفاق في مكونات السلام سيكون خصما عليه ويعيد الحركات المسلحة والحكومة السودانية إلى المربع الأول.
ويضيف” الترتيبات الأمنية والأوراق التي تناقش في جولات التفاوض الآن مهمة وتبحث نفس الشروط التي طرحها عبد الواحد محمد نور وعبد العزيز الحلو في ملفها السياسي وطرح علمانية الدولة والمؤتمر الدستوري”.
وإعتبر سليمان الشروط التي وضعتها الحركتين كروت ضغط أكثر من أنها واقع ومطلب حقيقي، وتوقع إنضمامهم للعملية السلمية في أي وقت، ونصح بضرورة المضي قدما في توقيع الإتفاقيات مع الجبهة الثورية بمكوناتها الحالية.
وقال سليمان “الفرصة الآن مواتية لجميع المكونات السياسية والمدنية والجبهة الثورية بجميع مكوناتها لتحقيق السلام وذلك لضعف مراكز القوة العسكرية مما يعني تقليل فرص الإنقلابات العسكرية والذي يدعم بيئة ملائمة للتحول الديمقراطي والحكم المدني في البلاد”.